ينبغي ان تكون حياتنا زاخرة بالقيم الانسانية ! *ح1

ينبغي ان تكون حياتنا زاخرة بالقيم الانسانية ! *ح1 د. رضا العطار

يعيش الحيوان على المستوى الفطري: يأكل ويشرب ويتناسل، ولكننا نحن البشر نعيش على المستوى الحضاري العقلي و الفني. وقد لا يصدق هذا القول من حيث الدرجة التي يبلغها البشر في الحضارة. ثم هو لا يصدق على جميع الطبقات حتى في الامة المتمدنة. فاننا ما زلنا نجد الطبقات الفقيرة في العالم اجمع، تعيش على المستوى الفطري. وهؤلاء جميعا لا ينعمون بالحياة وانما يكابدونها.

ولكن جميع الامم المتمدنة تحوي طبقات من الشعب تعيش الحياة الايجابية اذ هي قد اطمأنت من ناحيتي الجوع والمرض، بل هي قد استبعدت الموت الى ما بعد السبعين من العمر. وهي تجد في كفاية العيش ما يتيح لها الاستمتاع الروحي والمادي، وهذه الطبقات تمثل في عصرنا الراهن طلائع البشرية القادمة حين يعيش جميع الافراد، جميعهم بلا تمييز على المستوى الفني الكمالي، لأن الضروريات تتوافر الى الحد الذي يحسب له حسابه ولا تكون سببا للهموم وارجو ان يكون هذا الزمن ليس بعيدا. .

انظروا الى الطعام : يشدو فيه الانسان البدائي الشبع، لا يرجو غير هذه الضرورة الفطرية. وانظروا الى المسكن الذي كان يبنيه للأحتماء من الوحوش الضارية في الغابة اواتقاء من قسوة المناخ، وما زال يسمى – بيتا – لانه كان للمبيت في الليل فقط. وانظروا الى اللباس الذي كان يتخذه للدفء، اجل لقد كان الطعام والمسكن واللباس من الضروريات ولكن من منا نحن المتمدنين يقنع بهذه الضروريات الفطرية في عصرنا ؟

صحيح ان للفاقة ضغطها المرهق بين الطبقات التي لا تزال في اسفل الدرج من السلم الاجتماعي، وصحيح ان هذه الطبقات لا تزال تقنع بالضروريات الفطرية من المسكن واللباس والطعام ولكن في كل امة طبقات اخرى استمتعت بقسط كبير من المال والثقافة والحضارة. وهي لذلك تتوخى الفن في كل ما تتناول من عمل، فالمسكن ليس مأوى او مبيتا فقط اذ هو متحف ايضا يتزين بالاثاث الفاخر والصور الجميلة والطرف الانيقة.

سيداتنا وآنساتنا لا يطلبن من اللباس دفئا قدر ما يطلبن منه زينة وجمالا، والمائدة التي تحمل الوان الطعام نتفنن في ترتيبها، نضع الاطباق الثمينة والانية المزخرفة الغالية عليها، وهذا الى ترتيب الزهور في ارجاء صالون الطعام فضلا على ما يرافقها من انغام موسيقية عذبة شجية، حتى ليعد تناول الغذاء منها نشاطا ذهنيا وفنيا، وكأننا نأكل بعقولنا ونتذوقها باحاسيس الفرح.

فهنا فنون في البناء والاثاث واللباس والمائدة نرتاح اليها ولا نرضى بان نعيش بدونها تلك المعيشة الفطرية التي كان يقنع بها الانسان البدائي، وما زال يضطر الى ان يقنع بها او بما يقاربها الفقير المغبون. وقيمة الفن انه يرفع مألوفنا الى مستوى الجمال، نزداد به لذة واستمتاعا بل نزداد به فهما وتعقلا.

وبالفن نرفع النثر الى الشعر ونجعل من الكلام بلاغة، البلاغة في السلوك والتصرف. ويجب ان يكون فن الحياة اخطر من فنون الحضارة لانه اذا كان من الاحسن ان نتخذ الزي الفني للباسنا، لكن من الافضل ان نتخذ الزي الفني لحياتنا وتصرفنا وسلوكنا. والمشكلة الاولى لكل انسان على هذا الكوكب انه سيعيش سبعين او ثمانين سنة فكيف يقضيها ؟

هل يعيش الانسان تلك الحياة كحكاية تحفل بالضوضاء والصخب ثم لا تكون لها دلالة. يعيش وكانه بعضا من البقول، لان قصارى ما كان يطلب ما كان يتجاوز الطعام والبحث عن الانثى.

وقد يخطر بذهن القارئ عندما نذكر الحياة الفنية او الحياة البليغة اننا نقصد الزخارف والبهارج، ولكن الفن الخالص والبلاغة الحقيقية يقصدان في لبابهما حكمة وسدادا، لان كلمات الحكمة هي اسمى انواع البلاغة، ولكن ما هي الحكمة ؟
هي العمل بالمعرفة، وهي احيانا تجاهل المعرفة، واخيرا هي التميز بين القيم والاوزان. والانسان يختلف عن الحيوان من حيث انه يتعقل في حين ان الحيوان غريزي يندفع. ونحن نهدف في عملنا الى قصد في حين هو يعيش جزافا، ونحن نقرر مصيرنا بايدينا في حين هو ينساق خاضعا للقدر، وقد يخالف قولنا هذا ذلك المنطق الآلي الذي يرتب النتائج على الاسباب ولكنه يطابق المنطق العملي الذي نحيا به في مجتمعنا.

وحياتنا في عصرنا الحاضر تضطرب وترتبك بل احيانا تتلغز، وقد كان لآبائنا اعلام قديمة يسترشدون بها في طريق الحياة الساذجة التي كانوا يحيونها. ولكن هذه الاعلام لم تعد تكفي لأرشادنا في طريق الحياة الجديدة، ولذلك نحن في حاجة الى تعاليم جديدة نتعلم بها كيف نحيا الحياة الحكيمة الرزينة وكيف نقضي سبعين او ثمانين سنة على هذا الكوكب ونحن ننمو وننضج الى الايناع. فلا تكون حياتنا مكابدة مؤلمة بل التذاذا روحيا وماديا، ونحن في مجتمعنا انما نحصل من التعليم في الاغلب على اسلوب الارتزاق الناجح وليس على اسلوب الحياة السامية لاننا ننسى ان الحياة اعم واهم من الكسب. واننا نكسب كي نعيش ولا نعيش كي نكسب، وبعبارة اخرى نحن نحيى من اجل ان نعيش، ولسنا نعيش من اجل الحياة.
*مقتبس من كتاب فن الحب والحياة للعلامة سلامة موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here