مفارقات الأقضية
بقلم: عامر كامل السامرائي
من مفارقات القضاء والقدر أن كتب الله عليَّ يوماً أن أقرأ من مقالات المدعو عبد الرضا حمد جاسم مقالاً يخص الخنازير (وما أكثرهم في أيامنا هذه). ورغم أنني كنت أعلم خبءَ هذا الشخص، لكنّي آثرت الرد على تلك المقالة السقيمة ظناً مني إنه سيتقبلها بروح “رياضية” كما يقولون، ولكن يبدو أن العزة بالإِثم قد أخذته، فرد على تعليقي بمقال أسقم من الأول لا يكتبه طالب مدرسة ابتدائية..
وعجبي أن يظن هذا المُتثيقف نفسه مبشراً ثقافياً، فكتب ودافع عن السيد ماكرون بتسع مقالات حتى حسبت أنه سيُمنح بعد تلك المقالات وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي لشدة دفاعه المستميت عن الانتقادات التي وجهت للرئيس الفرنسي ماكرون عندما تحدث عن الرسوم المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. فرأيناه يمد يداً لهذا، لأنه تابعٌ له ومغرم بهواه، وينفض يده من ذاك، ومنهم المخلصين لدينهم وعروبتهم ووطنهم لأنهم يعتصمون عن الرد عليه حميةً وأنفةً واستنكافاً، وعسى أن أكون واحداً منهم.
وكنتُ قبل تعليقي ذاك أعرف أنه عريض الدعوى، لا يستحق أن يجادل في شيء، فمن خلال اطلاعي على مقالاته وتعليقاته الصفيقة أصبح مفضوحاً عندي كشخص هزيل يدَّعي الثقافة ويتمسح بالمثقفين ليجلي عنه صدأه لكي يحسبه الناس مثقفاً، لكنه ليس منهم ولا من الثقافة بشيء. ومع ذلك لم أمنع نفسي الأمارة بالسوء من الاطلاع على بعض مقالاته المليئة بالهذيان والوسوسة وسوء الأدب واختلاط العقل..
ومضيت أقرأ في مقالاته لكي أُسري عن نفسي المحزونة، فوجدت فيها ما يجلب لها الهم والغم وزيادة، فنبذتها غير نادم على شيء وتذكرت أغنية المطربة الفرنسية أديت پياڤ بصوتها العذب وهي تقول: Non, Je Ne Regrette Rien (لا، لست نادمة على شيء).. فانجلى بها همي، وضحكت، ولم أبالِ بما وجدت في تلك المقالات من بغض وحقد دفين للعرب وللدين، ولم أعبأ بالرائحة التي كانت تفوح من تحت تلك المقالات، فقد ألفت أن أجد مثل ذفرها على صفحات صحيفة المثقف من قبل جماعات في ثياب شتى، وسواء عليهم استخفوا فيها أم استعلنوا تفضحهم اقاويلهم، والذي أذهبَ عني الهموم من هذيانهم ووسوستهم وصفاقة مقالاتهم، إنني أنزلتهم في نفسي منزلة ارتحت لها، فاستخرجت الضحك من قبضة التقطيب والعبوس..
ثم كان عجباً لي وأنا أبحث عنه في المحرك گوگل أن أرى اسمَهُ منتشراً في بعض الصحف الرقمية، فهممت أقرأ له الشئ بعد الشئ لعلي أقرأ ما يبهجني فأضحك من جديد، ووجدتني لا أملك إلا الضحك حين أراه يتقمص لباساً لا يناسبه، ويركب أحياناً أخرى مركباً لا يدري على أي شاطئ ينبذه. حتى قرأت اليوم اسمي على صفحة صوت العراق فأومضت عيني، وشعرت بحدقتها تدور في محجرها من فرط العجب، فغلبتني الشفقة عليه، لكنني مضيت أقرأ، فإذا به قد جرني وطاف بي في خرائبه الموحشة، فخذلتني مقالته هذه (التي حجبت نشرها صحيفة المثقف لتفاهتها)، بينما كنت اليوم من أحوج الناس إلى الترفيه عن نفسي ببعض الضحك، لكنه جاءني بالغثاثة والغثيان، فقلت فيه في نفسي ما قلت، لأنه خان العهد في إضحاكي، وعزمت على أن اسقطه من حسابي، فما الذي يحملني على هذا البلاء؟ وقلت لنفسي حسبك، فمفرج الكروب عاد مجلبة للغم، ولا حاجة لنا به، فكفي عن متابعته. لكنها أبت إلا أن تسطر مقالي هذا، ورحت أردد:
كم من لئيم مشى بالزور ينقله لا يتقي الله لا يخشى من العار
وليته يقرأ بقية ابيات القصيدة ليعرف أنني لن ألقمه بعد هذا المقال حجراً.