الانسان والاخلاق

الانسان والاخلاق * د. رضا العطار

حينما يدمن احد الأبوين او كلاهما على المخدرات، كالكحول او غيرها داخل الوسط العائلي، انذاك تعصف المشاكل المادية والنفسية والصحية بكيان افراد الأسرة جميعهم ، تهز تماسكهم مثلما تغير سلوكهم، وفي هذا الظرف الشاذ يكون فيه الصغار الضحية الأولى، فغالبا ما يتعرضون الى اضطرابات نفسية نتيجة الممارسات السلوكية غير المسؤولة كالطيش والاستبداد والقسوة واستعمال العنف الجسدي التي يحدثها السكارا، والتي بدورها تقود في النهاية الى تخلخل التوازن الأجتماعي وضعف الألتزام الأخلاقي، ربما يتأزم، حتى ينتهى بالطلاق احيانا .

لا يخفى ما للمخدرات من تأثيرات تدميرية على الاشخاص واعراضها الأنسحابية التي تشمل القلق والتوتر والأكتئاب وقلة التركيز والأصابة بالصداع وارتجاف الأطراف واللسان طبقا لنوع المادة وشدة مفعولها وفترة تناولها .
ان تناول المخدرات يبدأ غالبا في سن المراهقة ويتطور, ولا يخفى ما تسببه للبلاد من خسائر اقتصادية الى جانب كونها تقلل من قدرة الافراد من قابلية التكييف للعمل مما يؤدي الى ضعف الأنتاج خاصة في المجتمعات النامية ومنها البلدان العربية التي هي بحاجة ملّحة الى طاقات الشباب وقواهم العضلية .

اما من الناحية الأمنية فأن المدمن على المخدرات يكون بطبيعته الأرضية ميال الى الخصام ومخالفة النظام، لأن الماده المخدره نفسها تحفز عنده الميل على مخالفة الممنوعات، اما اذا كانت نزعة العنف متأصلة فيه، انذاك قد لا يتردد في ارتكاب جرائم القتل والسرقة والأغتصاب، لأن المادة المخدرة تضعف عنده القدرة على الأدراك والسيطرة على السلوك فلا يستطيع المدمن من كبح نواياه العدوانية بعدما يتبدد عنده الشعور بالخوف من العقاب .

ولو اضفنا الى ذلك حوادث الطرق فأن الصورة ستكون اكثر بشاعة خاصة لو اخذنا بنظر الأعتبار ان قسما كبيرا من السائقين في البلدان ذات القوانين المتساهلة في استعمال الكحوليات مدمنون بحكم العادة، والمعروف ان للمادة المخدرة عواقب كارثية على سلامة السياقة , حيث انها لا تقلل عند السائق الرؤيا الواضحة فحسب انما تقلص لديه الساحة البصرية مثلما تحدد عنده المقدرة على تمييز الألوان لمصابيح المرور وخاصة اللون الأخضر وتبلّد عنده نشاطه العقلي وهي شروط اساسية للسياقة الجيدة واخيرا تضعف عند المتعاطي القدرة العضلية اللازمة للضغط على عتلة التوقف بغية تخفيف السرعة، فأذا كان السائق تحت تأثير المادة المخدرة مصطحبا معه افراد اسرته وتعرضت مركبته الى حادث اصطدام مروع , سيكون الهلاك من نصيب الجميع .
وللحصول على معلومات تفصيلية راجع كتاب – عيوننا وحوادث الطرق – لمؤلفه
د . رضا العطار – من منشورات وزارة الأعلام والثقافة العراقية بغداد 1982

اما عوامل انتشار المواد المخدرة مثل الافيون والحشيش وغيرهما، يرجع بالاساس الى دوافع اقتصادية، حيث ترى بعض الدول في زراعتها وتجارتها، ازدياد ثروتها الوطنية كأفغانستان وكولومبيا, كما استعملتها بعض الدول الاستعمارية بهدف اضعاف القوى العضلية لمواطني الدولة الخاضعة كما كان الحال في الصين ابان السيطرة البريطانية والتي انتهت بثورة ماوتسي تونغ عام 1947 والتي سميت في حينها بحرب الأفيون.

ان للمخدرات داخل الاسر المتعاطية تاثيرات تدميرية متعددة على صحة ساكنيها
تنال من نموهم الحركي والانفعالي والاجتماعي والمعرفي واللغوي، فاذا ما اصاب الصغار اثناء اكتسابهم اللغة، تعسر عليهم تعلم المفردات بصورة صحيحة، مثلهم كمثل البيئات التي تفتقر الى رعاية الوالدين كما هي الحال في المياتم والملاجئ ودور اللقطاء حيث يكون تخلفهم اللغوي كبيرا. ومن المؤسف ان يوصف نقص اللغة بمصطلح
( التخلف ) وقد يلازم هذا النقص الطفل مدى الحياة واعراضه تتراوح بين التلعثم والتأتأة وعدم وضوح النطق واللجلجة في الكلام وعدم القدرة على القراءة — هذه هي الاضرار التي قد يتعرض اليها الاطفال عندما يدمن الاباء على المخدرات.

مقتبس بتصرف من كتاب الدين والأسرة والتنشئة الأجتماعية د سعد الأماره النبأ العدد 57 – 1422

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here