الرياح تجري بما تشتهي سفن طهران!

الرياح تجري بما تشتهي سفن طهران!

ساهر عريبي

تتقاذف إيران والولايات المتحدة الأميركية كرة الاتفاق النووي في ملعب احدهما الآخر منذ أن أن تولت الإدارة الديمقراطية الجديدة مقاليد الحكم في البيت الأبيض. فواشنطن تلقي الكرة في ملعب طهران مطالبة إياها الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة 5+1 مع إيران عام 2015. وبالمقابل تعيد طهران الكرة إلى ملعب واشنطن مطالبة إياها بالعودة للإتفاق الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018 وفرض على إيران عقوبات واسعة النطاق, تطالب طهران برفعها قبل الالتزام ببنود الاتفاق ووقف خفض التزاماتها النووي.

هذا التراشق لا يمكن أن يطمس حقيقة أن الكرة أساسا في ملعب الولايات المتحدة, فهي التي انسحبت من الاتفاق, ولذا فهي مطالبة بتصحيح الفوضى التي خلفتها إدارة ترمب التي أفقدت طهران صبرها فماكان منها بعد مرور أكثر من عام على نقض ترمب للاتفاق إلا وبدأت رحلة التخلي عن التزاماتها النووية سواء بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67 كما نص الاتفاق, إلى 20%, او عبر استخدام أجهزة طرد مركزي جديدة في منشأتي نطنز وفردو او عبر زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب او بانتاج معدن اليورانيوم.

لذلك فإن لف ودوران الإدارة الأميركية لايجدي نفعا وان أي تقدم في البرنامج النووي الإيراني وبما يثمر عن ولادة قنبلة نووية إيرانية تتحمل مسؤوليته واشنطن, التي تخلت عن الاتفاق واعطت ذريعة لإيران للتخلي عن بنود أساسية في الاتفاق. كما يتحمل الشركاء الأوروبيين أو مايعرف بمجموعة الترويكا المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا, المسؤولية ايضا لأنهم وقفوا متفرجين على تنصل ترمب من الاتفاق النووي وفرضه عقوبات اوشكت ان تخنق الإقتصاد الإيراني, وهو الموقف الأوروبي الذي أثار امتعاض إيران.

يمكن تفهم الموقف الأميركي الذي يريد أن يعالج ملفات اخرى مثل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي. لكن غياب هذه الملفات عن الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس اوباما تتحمل مسؤوليته الإدارة ذاتها. فلقد نجح المفاوضون الإيرانيون في التوقيع على الاتفاق بشكله الحالي وأحرزوا تفوقا على المفاوضين الأميركيين والاوروبيين المطالبين بلوم انفسهم وليس بالتنصل من الاتفاق. فإن مثل هذا التنصل يفتح بابا ويعطي ذريعة للإنسحاب من أي اتفاق دولي. كما وأن الطريق الأمثل لمعالجة قضية النفوذ الإيراني لاتمر عبر الاتفاق!

فلقد نجحت طهران في مد نفوذها في العديد من دول المنطقة حتى باتت لها قدم ثابتة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن ونوع من النفوذ في دول اخرى, لكن هذا الإمتداد لم يحصل عبر القوة ولا عبر الاحتلال, ولكن طهران أحسنت استغلال الفرص والثغرات واتبعت سياسة مدروسة وطويلة الأمد, كما خدمتها السياسات الطفولية والإرتجالية لبعض دول المنطقة والسياسات الظالمة للقوى الدولية وبمامكن إيران من تعزيز نفوذها.

على سبيل المثال فإن النفوذ الإيراني في فلسطين ماكان له أن يمتد إلى هناك لولا تخلي معظم الحكومات العربية عن القضية الفلسطينية وهرولتها نحو إسرائيل. قل الناصر والمعين للفلسطينيين ولم يبق في الميدان سوى قطر التي مازالت تقدم لهم المساعدات, وإيران التي تدعمهم عسكريا وسياسيا وخاصة في قطاع غزة فنفذت هناك. ورفعت طهران شعارات معاداة إسرائيل وتحرير القدس, في الوقت الذي أقامت فيها دول عربية علاقات مع إسرائيل موجهة طعنة للفلسطينين.

تتحمل الولايات المتحدة وإسرائيل كذلك مسؤولية تنامي النفوذ الإيراني في فلسطين! وذلك برفضهما حل قضية هذا الشعب المحاصر في الداخل والمشرد في الخارج. ظلت اتفاقيات اوسلو حبرا على ورق واستمرت المأساة الفلسطينية. ولذا فعندما تطالب واشنطن طهران بوقف دعمها للمنظمات الفلسطينية مثل حماس , عليها أن تبادر أولا لحل القضية الفلسطينية وتسد الذرائع أمام أي نفوذ إيراني هناك, وبغير ذلك فلامعنى لمثل هذه المطالبة.

وأما النفوذ في اليمن! فإن السعودية وحلفاؤها يشنون منذ ست سنوات حربا غير متكافئة يقولون إنها ضد الحوثيون ومن اجل الشرعية! وبعد كل هذه السنوات أسفرت هذه الحرب عن تدمير الشرعية, التي لم يعد لها موطئ قدم إلا في مدينة مأرب النفطية! فالإمارات دعمت المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي يسيطر على الجنوب ويطمح نحو إستقلاله, وجه هذا المجلس ضربة موجعة لحكومة الرئيس هادي تتنافى مع الهدف الذي شنت من اجله الإمارات والسعودية الحرب على اليمن إلا وهو دعم الشرعية. واما الحوثيون المحاصرون وهم قبيلة في مواجهة عدة دول فلم يبق أمامهم سوى الاستعانة بإيران التي سارعت لنجدتهم برغم الحصار الخانق على اليمن, حتى بات الحوثيون وبعد ست سنوات من الحرب أقوى وأقدر وهم يحاصرون اليوم مدينة مأرب الغنية بالنفط وهي آخر معاقل الحكومة المدعومة من الرياض.

هنا تتحمل السعودية وحلفاؤها الإقليميين والغربيين مسؤولية تنامي النفوذ الإيراني في اليمن! حرب مجنونة وضعت اليمن على حافة المجاعة وتسببت بأسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث بحسب الأمم المتحدة, وقف المجتمع الدولي متفرجا غير مهتم لمايحدث فكل ما يمهمه مبيعات الأسلحة فاغتنمت إيران الفرصة ونفذت. فمن يريد الحد من نفوذ إيران في اليمن عليه ان يوقف هذه الحرب وان يعترف بالحوثيين جزءا أساسيا من مكونات الشعب اليمني ويجلس معهم على طاولة المفاوضات بدلا من محاصرتهم ودفعهم صوب طهران!

وهناك مثال آخر على النفوذ الإيراني وهو لبنان! نجح حلفاء إيران وأقصد حزب الله في اختراق الطوائف وتمكن من قلب المعادلة الحاكمة في البلاد والقائمة على تقاسم مجلس النواب بين المسلمين والمسيحيين. أقام تحالفا عابرا للطوائف, تحالف مع التيار الوطني الحر المسيحي ومع نواب سنة من مناطق مختلفة ومع حركة أمل فهيمن على الحكم, هو يمتلك السلاح ولا يمكن إنكار ذلك وهو مصدر قوة له ولكن هذا التحالف العابر للطوائف الذي شكله الحزب والذي مكنه من تشكيل الحكومة لم يكن بقوة السلاح, بل بقوة السياسة , بقوة التحالفات الانتخابية حتى فشل الآخرون في مجاراته, بل إنهم خدموا الحزب بتصرفاتهم ومنها احتجاز رئيس الوزراء سعد الحريري في الرياض!

وأما التمدد الإيراني في العراق وسوريا فهو إضافة إلى اعتبارات لا مجال لذكرها في هذه العجالة فيندرج في إطار الصراع على النفوذ بين دول المنطقة في الأماكن الرخوة, لكنه وفي ذات الوقت وخاصة في العراق ثمرة لجهود إيرانية فشل اللاعب الأميركي الكبير في مجاراتها بالرغم من انه أسقط النظام السابق وخسر مليارات الدولارات وآلاف القتلى لكنه أجبر أخيرا على الانسحاب من المشهد العراقي وتقديم البلاد على طبق من فضة لطهران.

هذه هي قصة النفوذ الإيراني! سياسات إقليمية ودولية خاطئة هوجاء, تستغلها إيران لتمارس دور روبن هود الذي ينقذ الضعفاء ويقدم لهم يد العون. فلاتلوموا طهران على نفوذها ولا تلوموا طهران على طموحاتها النووية بل لوموا أنفسك اولا! لوموا خيباتكم وسياساتكم الفاشلة وحروبكم العبثية وتخلفكم العلمي. وأما بالنسبة للولايات المتحدة فإن مقاربة إدارة الرئيس أوباما للملف النووي الإيراني هي أفضل مقاربة لتحجيمه والحيلولة دون تتويجه بقنبلة نووية ستقلب موازين القوى في المنطقة, مقاربة ترجمها الاتفاق النووي الذي لابد من الرجوع إليه.

وبعد ذلك يمكن التفاوض مع إيران على ملفات النفوذ والبرنامج الصاروخي وإضافتها كملاحق له, رغم أن تحجيم النفوذ الإيراني لن يتم عبر مفاوضات واتفاقيات مع واشنطن ولكن طريقه يمر عبر دول المنطقة المؤثرة! وذلك باتباعها سياسات عقلانية ومدروسة لا تتيح لطهران النفوذ من خلالها إلى دول المنطقة كماهو عليه الحال اليوم , فلا يزال هناك متسع من الوقت لتغيير معادلة النفوذ القائمة حاليا قبل فوات الأوان فالرياح تجري اليوم بما تشتهي السفن الإيرانية!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here