شاب بغدادي يحول «السكراب» إلى قطع فنية

وسط أطنان من الخردة أو ما يُطلق عليه «السكراب»، يشق شاب بغدادي طريقه باحثاً عن قطع من مركبات قديمة وأجزاء من الأجهزة الكهربائية والساعات والملاعق المعدنية وغيرها لينظفها بعد جمعها ويحولها إلى قطع فنية، وهي هواية تقوم على فكرة أن الفن بإمكانه المحافظة على البيئة وتجميلها بعد تحويل «السكراب» إلى منحوتات معدنية بأحجام مختلفة.

وبدأ عبد القادر النائب، وهو فنان تشكيلي من العاصمة بغداد من مواليد 1993، مسيرته بحلم صغير هو تحويل الخردة إلى قطع فنية، ولم يترك هذه الهواية حتى بعدما اضطر إلى ترك معقد الدراسة والإنخراط في السوق.

«فن الخردة موجود ومنتشر في أوروبا ويحظى باهتمام واسع من الجمهور هناك»، يقول عبد القادر، مستدركاً «إلا أننا هنا نفتقد لمعرفة ماهية هذا الفن وننظر إلى الخردة على أنها نفايات لا فائدة منها ولذلك ترمى في كل مكان».

ويضيف «عملت لسنوات على تطوير نفسي في هذا المجال من خلال الاطلاع على النماذج العالمية المصنوعة من الخردة، لكن من دون محاولة تقليدها في أعمالي الفنية واستطعت صقل موهبتي من خلال حبي لفن النحت والصقل والأشكال الهندسية والقراءة عنها وتطبيق ماتعلمته على منحوتاتي».

وعبد القادر هو أبن لعائلة مكونة من سبعة أشخاص يعانون من ظروف معيشية صعبة، الأمر الذي اضطره إلى ترك الدراسة والتوجه للعمل بعدما ساءت الحالة الصحية لوالده.

وإلى جانب عمله، شرع عبد القادر بأولى خطوات مشروعه، لينتج وهو في عمر السابعة عشرة أول منحوتة له وكانت عبارة عن دراجة نارية طولها خمسة سنتمرات بتفاصيل دقيقة صُنعت في غرفة بمنزل عائلته من بقايا ساعة قديمة يملكها.

ويقول، «صنعت داخل غرفتي العديد من أعمال فن الخردة، وكانت المنحوتات تتطور شيئاً فشيئاً الى أن وصلت للعشرات».

حاول عبد القادر الوصول إلى الجهات الحكومية المعنية برعاية الفن لكن، «جوبهت بالإهمال ولم أتلق أي شكل من أشكال الدعم»، كما يقول.

وبعدها ساعده صديق بإنشاء ورشة صغيرة في منطقة الدورة جنوبي بغداد افتتحها عام 2015 بعنوان «سكراب آرت».

من هذه الورشة ، انطلق عبد القادر لنشر أعماله في صفحة خاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي ما ساعد على انتشار هذا الفن.

«نشرت تفاصيل المنحوتات والمواد المستخدمة فيها وأيضاً كل ما يمكنه تحفيز الناس على تقبل فن السكراب والاهتمام به، ويمكنني القول إنني صاحب أول ورشة لهذا الفن في العراق وصاحب شعار (السكراب بغرامات الذهب)».

ويشرح عبد القادر ما يعنيه هذا الشعار، قائلاً إن «المنحوتات المعدنية تباع الآن وتلقى رواجاً في المطاعم ومحال الأطفال ومداخل المراكز التجارية، أي أنها تعادل غرامات الذهب».

ويضيف، «لي شعار آخر أيضاً وهو أنني لا أبيع المنحوتات لمن لا يقدر هذا الفن».

وتنتشر أطنان من الخردة في العراق، في أماكن خاصة بها، لكن الحصول عليها صعب جداً ويتوجب على الشخص الحصول على تراخيص من البلدية، لذلك فإن عبد القادر يبحث عن الخردة في الشوارع أو مكبات القمامة وأحياناً من ورش تابعة لأصدقائه.

وبواسطة أكثر من 10 أطنان من الخردة، صنع عبد القادر 120 عملاً فنياً مختلفاً «كان أكبرها عبارة عن عملاق حديدي بارتفاع 5 أمتار»، فضلاً عن عشرات العمالقة وروبوت ضخم هو نسخة من «هارفستر» أو «الصياد القاتل الذي ظهر في فيلم الحركة والخيال العلمي الأميركي «ذا ترمنيتور» فضلاً عن كرسي حديدي من مسلسل صراع العروش ويتكون من سيوف حديدة مشكلة على هيئة كرسي بالإضافة الى أشكال لمنحوتة نملة معدنية، وطائرات، وآلات موسيقية، وكاميرا ، وعدة روبوتات صغيرة، وقد عرض أعمال للبيع في بازارات خيرية.

طموح للعالمية

وشارك عبد القادر في معارض عراقية وعربية، وحصل على المركز الثالث في مهرجان الدوحة في قطر، وهو يحلم ويخطط للوصول إلى العالمية والمشاركة مستقبلاً في مسابقة تجمع كل المتميزين بـ»فن السكراب» من حول العالم.

«لم ينتهِ الحلم بعد»، يقول عبد القادر النائب الذي بات اسمه معروفاً عند محبي الفن الذي ينشغل فيه، فهو يطمح إلى صناعة أعمال «تتناسب مع تاريخ بلاد الرافدين» لتوضع في الساحات والشوارع العامة، وقد حصل على موافقات رسمية على تعليم ما يسميه أسلوب «الفن والبيئة» و»صنع بالحياة» في المؤسسات التعليمية على أمل أن تكون هاتين الفكرتين بداية لخامة فنية تدرس في المدارس والجامعات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here