نوعية قراراتنا في الدنيا تحدد مئالنا في دار الخلود

نوعية قراراتنا في الدنيا تحدد مئالنا في دار الخلود

في ظل انانية ما حولنا وانجراف اغلبية الناس بما فيهم المسلمين نحو مصالح الدنيا والمادية المطلقة. لا بد من توضيح بعض الحقائق لندرك اهمية وجودنا على هذه الارض. اذ يقول تعالى “منها خلقناكم واليها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى”. هذه الارض التي سخر الله كل ما فيها وما حولها لخدمة الانسان. وحمله امانة الخلافة في الارض ومنح له حرية الاختيار التي لم يمنحها لباقي الكائنات.
على الرغم من ان الموت خير واعظ لتذكير الاحياء دناءة الدنيا وقصر عمر الانسان فيها. فمهما كان قويا او غنيا او ذي جاه ومنصب فالموت له بالمرصاد. انه لا يفرق بين رجل وامراة او بين حاكم ومحكوم او بين مؤمن وكافر. كما ان الانسان في هذه الحياة محكوم بقوانين لا يمكنه ان يتجنبها او يسيرها كما يريد. عندما يولد لا يعرف شيئا ولا يفهم سر وجوده الا بعد ان يبلغ الحلم. ثم يكبر فينتظره عمل شاق لبناء مستقبله من خلال المدرسة والجامعة او العمل ثم يتزوج فتكبر مسؤليته. ثم تاتيه العوارض من حيث يدري او لا يدرى كالمرض او الفقر او الغنى ولا يعرف متى يموت.
لا يملك الانسان في اغلب هذه المحطات حرية الاختيار. كان تكون عائلته غنية او فقيرة وكيفية اختيار مدرسته واساتذته ووظيفته وزوجته واولاده وما الى ذلك. هذا يعني بان مصيره في الاخرة يعتمد على فترة اختيارية محدودة جدا تبدا من بلوغه الحلم حتى وقت مغادرته الحياة. هذه الفترة القصيرة جدا اذا ما طرحنا منها وقت النوم والاكل والدراسة والعمل الذاتي لتمشية امور الحياة. فان فترة الاختبار تبدأ عندما يميز الانسان ما بين الخير والشر وعندما يتعرف على دينه واسباب وجوده.. هذه الفترة الاختيارية المحدودة جدا من عمر الانسان هي التي يمكن ان تدخله في نعيم الجنة الخالدة او عذاب النار .
لذلك فقد اوصانا رسول الله باغتنام الوقت وعدم تضييعه. لان الانسان لا يدري ان يستطيع عمل ما اجله اليوم فيما بعد ام لا. الانسان يجهل ما سيحصل له غدا لان الاعتماد على المستقبل غير مضمون وينبغي ان لا يوجل عمل اليوم الى غد. ان الالتزام بمقولة اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كانك تموت غدا مهمة لتوازن عمل الدنيا القصير وتقديمه للاخرة الابدية. لن يستطيع الانسان السيطرة على حيثيات الدنيا حتى في الاعمال الاختيارية. لذلك فنية الاعمال مهمة للثواب او العقاب فقد قال رسول الله انما الاعمال بالنيات. كما ان الاعمال لا تقاس عند الله الا بنوعيتها واهميتها واستمراريتها حتى الرمق الاخير.
فالسحرة الذين استقدمهم فرعون ضد موسى تمكنوا من تغيير مصيرهم في الاخرة. بعمل نوعي كبير عندما امنوا برب العالمين وضحوا بانفسهم. وقد حصل نفس الامر لحبيب النجار صاحب سورة يس الذي امن برسل الله. كذلك الامر بالنسبة الى ذلك المجاهد المسلم الذي لم يصلي صلاة واحدة لكنه تاب الى الله على يد رسوله ثم وهب حياته في المعركة لقتال مشركي قريش فداء لنصرة الاسلام ثم استشهد فغير مصيره ليكون من اهل الجنة.
هناك اناس ايضا قد نشئوا في طاعة الله فعملوا الخير وتصدقوا واقاموا العبادات التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال رسول الله في شأنهم انهم فائزون وقال في حديث عنهم على المسلم ان لا ياسف عما فاته من الدنيا اذا امتلكت ثلاث خصال صدق حديث وعفة طعمة وتادية امانة. ان رحمة الله عظيمة للناس اجمعين فالكافر والملحد والمنافق يمكن له ان ينقذ نفسه بمجرد التوبة النصوح.
ان الله فتح ابواب الجنة للجميع كالمؤمنين الذين نشأوا على طاعة الله والالتزام باوامره وللمذنبين شرط التوبة النصوح قبل سكرات الموت. فقد قال رسول الله في حديث قدسي يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا ابالي. يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا ابالي. يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة.
ان كرامة الدنيا والفوز في الجنة لا يعتمد على طول العمر انما يعتمد على نوعية واهمية العمل والقول الحكيم والسيرة الصالحة فهذا خير البشر محمد (ص) لم يعمر سوى 63 سنة. ولو طرحنا منها 40 سنة لان رسالة الاسلام بدات من ذلك العمر. ثم نلغي اوقات النوم والقتال المفروض عليه من قريش لوجدنا ان نوعية عمله وتبليغه الرسالة قد اسست على مبادئ رصينة قوية تمكنت ان تبني امة عالمية عادلة صادقة امينة مؤتمنة متسامحة. اذ يرى المسلم وغير المسلم في وقت قصير جدا. اليوم نرى النتيجة في اكثر من ملياري مسلم منتشرين في كل مكان وترفع في مساجدهم في معظم مدن العالم اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله كل يوم خمس مرات.
لكن الخوف كل الخوف والويل الثبور وعظائم الامور لمن يتوب في وقت غمرات الموت فانها توبة غير مقبولة. ففرعون قد تاب بعد فوات الاوان عندما غرق وهو في سكرات الموت. لكن الله جعله عبرة للاجيال فقال القران الكريم على لسانه “قال امنت بانه لا اله الا الذي امنت به بنو إسرائيل وانا من المسلمين. الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين”. وقال تعالى ايضا محذرا الناس من التوبة في اخر لحظة “وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان”.
ان التوبة لا تقبل ايضا بعد الموت. لان الله انذر الناس واوضح لهم بانه لا يعيد احدا مات الى الارض ابدا. لذا نرى يوم الحساب كيف يتوسل الظالمين بالله تعالى ان يعطيهم فرصة اخرى لعمل الخير. لكن هيهات فالعذاب الشديد ينتطرهم فقال تعالى لوصف حالهم. “قالوا ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون. قال أخسئوا فيها ولا تكلمون”.
كما ان الصراع واللعنات بين مجاميع وامم المشركين والكفار والمنافقين عصيبة واليمة ومليئة بالحسرات والندم في ذلك الوقت. فكل مجموعة تلوم الاخري كما ينقل لنا القران الكريم “كلما دخلت امة لعنت اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعا قالت اخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذابا ضعفًا من النار. قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون. وقالت اولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون”.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here