كيف سمح العرب ان يستهين بهم الاعداء

كيف سمح العرب ان يستهين بهم الاعداء

لو تجردنا عن المبادي والاخلاق وتحدثنا بلغة السياسة والمصالح. فاي مصلحة لادارة الرئيس الامريكي الجديد بايدن ان تقف مع الحق الفلسطيني. ليس هناك ايضا اي مصلحة لإسرائيل ان تلتزم بالاتفاقيات مع الفلسطينيين والسوريين والمصريين والاردنيين واللبنانيين. ثم ما هي مصلحة متعصبي امريكا البيض الاعتراف بارهابهم ضد سكانها الاصليين الهنود الحمر. او ادارة بوش في جريمة احتلال وتدمير العراق. ونفس الامر ينطبق على مصلحة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر بغياب ضغوطات جزائرية جدية. او احتلال روسيا بالقوة لشبه جزيرة القرم مع تواطئ المجتمع الدولي الخ.
ان قانون القوة هو الذي فرض ويفرض نفسه على قوة القانون. قانون القوة يحول عالمنا الى غابة وحوش مفترسة القوي ياكل فيها الضعيف. اما القانون الدولي الذي يجمل الاحكام ويفرضها على جميع الدول شكليا. فان القوي يستخدمه ويلجا الى مواده عندما يخدم هيمنته وسيطرته لكنه يضربه عرض الحائط عندما يري فقراته تتناقض مع ما يريد.
ان بناء الاوطان المستقلة ينبغي ان تكون من صنع ساكنيها. وان تكون مصلحة شعبها فوق مصالح الشعوب الاجنبية الاخرى. وان تستنبط قوانينها من عمق حضارتها. لقد ادرك رسول الله منذ اللحظات الاولى لرسالته بان المبادئ مهما كانت سامية لا يمكن ان تحقق النجاح دون ان يتبناها اشخاص شجعان اولي قوة ومنعة. همهم تكوين جماعة تتمتع بالحرية وتعمل لنيل الاستقلال وتدافع عن هويتها. لذلك شرع بتكوين عصبة ونخبة طهرت نفسها اولا من المفاسد والكذب والغش وتبنت مكارم الاخلاق ثم بذلت المهج لنصرة رسالتها. لقد فهم غاندي هذه المعادلة ايضا وانتصر على المستعمرين كما فهمها هوتشي منه ومانديلا وغيرهم من الاحرار.
ينبغي ان لا ينسى العرب ان النظام الدولي اسسه المستعمرون وفق مصالحهم اثر انتصارهم في الحرب العالمية الثانية. لقد نشا النظام الجديد والدول العظمى وفق موازين الهيمنة والقوة والباس. فاستئثاروا بالمصالح لوحدهم واجبروا الدول الخاسرة بالموافقة صاغرين على هيمنة شركاتهم لتلك الدول. ثم توسع جشعهم فيما بعد ليشمل السيطرة على مقدرات الدول الضعيفة كالعرب والافارقة وشعوب امريكا اللاتينية. لتستعبدهم بصورة غير معلنة وتستئثر شركاتهم ولوبياتها لتحويل تلك الدول كحدائق خلفية لاطماعهم وجعلتها سوقا لمنتجاتهم واراضيها مرتعا لاستغلال المواد الاولية المعدنية والزراعية والصناعية.
ليس هناك نظام عنصري عبر التاريخ اسوء من النظام الدولي القائم الان. حيث تتمتع الدول الخمس المهيمنة (امريكا روسيا الصين بريطانيا وفرنسا) على الامم المتحدة وفق احتكار نظام الفيتو. هذا النظام المسلط كالسيف امام تطلعات الدول الفقيرة. اي ان لتلك الدول الخمس وقف اي قرار لا يتناسب مع مصالحها. اما تواجد بعض المنظمات الفرعية كمحكمة الجنايات الدولية او حقوق الانسان او منظمة الصحة العالمية او المساعدات الانسانية او التعليمية. انها موسسات ليس بيدها اي قرار سياسي وتبقى تحت هيمنة تلك الدول. انها في الحقيقة منظمات غير فاعلة تهدف لتغفيل الشعوب الحرة وذر الرماد في العيون.
متى يصحى العرب من نومهم العميق الذي لا يزالون فيه. انهم لا يزالون يتغنون بالماضي التليد دون ان يقوموا بمسؤلياتهم. اليوم شعوبهم يتمنون ترك بلدانهم. وحكامهم يتوسلون بامريكا وروسيا واسرائيل ويعتمدون عليهم لابقائهم بالسلطة. بل هناك نخب مثقفة تعتقد بان تلك الدول منظمات خيرية تعاون وتساعد الغير مجانا دون ثمن. بل تعتقد بانها قد تعيد لها حقوقها التي سبق ان اغتصبتها عبر عقود. في حين ان قوانين الارض والسماء تحتم الاعتماد على النفس والعمل باخلاص للاوطان والبحث عن العلم والالتزام بالهوية والتراث الذي يدعوا الى الكرامة.
لقد مللنا من الكلام فنرى اولياء الامور يقولون شيئا ويفعلون عكسه. يقولون بضرورة النزاهة وهم فاسدين كبار. في حين قال تعالى يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وقال رسول الله في ضرورة عمل الخير ومحاربة الفساد لتامرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر او ليسلطن الله عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم وليس لكم ناصر في الارض ولا في السماء.
ليطبع المطبعون مع إسرائيل وليتهافت الجبناء ويتوسلوا بامريكا او روسيا ولتستقبل بلداننا اهم زعماء العالم. فالمشكلة الحقيقية لا يتعلق بالدرجة الاولى في ظلم الدول الاستعمارية للعرب. انما في ظلم العرب لانفسهم وتباغض بعضهم للبعض الاخر. فعلى الرغم من فشل حكامهم ونخبهم منذ اكثر من قرن من الزمان نراهم يعيدون نفس التجارب الفاشلة ولا يريدون ان يغيروا المسار.
في نهاية المطاف لسنا بحاجة الى استشارة متخصصين سياسيين او اقتصاديين او استراتيجيين للتعرف على اسباب تخلفنا ومسببات تقدمنا. لنعود الى حسابات رياضية طفولية بريئة سنتوصل من خلالها الى نتائج نتعرف فيها على الداء والدواء. ففي الحي الواحد اذ ما قام كل بيت بتنظيف بيته وما حوله سيكون الحي نظيفا بلا ادني شك. ولو التزم شعب اي بلد بالصدق والامانة لن يستطيع الفاسدين من التحكم به. ولو كان العرب عدول فيما بينهم لن يستطيع الخونة السيطرة على مقدراتهم. الامر اذن بديهي “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم”. وان رسول الله قال حيث ما كنتم يولى عليكم.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here