قمة ( النجف ) رسائل عديدة

قمة ( النجف ) رسائل عديدة

على الرغم من الترحيب المعلن بزيارة ( البابا ) للعراق من قبل الفصائل المسلحة و التي لها مواقف سلبية من حكومة السيد ( الكاظمي ) الا ان تلك الفصائل تتمنى ان لا تتم هذه الزيارة بنجاح لما فيها من دعم معنوي كبير للحكومة العراقية الحالية ( الكاظمي ) و التي سوف تستفيد من هذا الدعم الدولي في فرض هيبة الدولة و ترسيخ و تفعيل القوانين التي تحد و تكبح نشاطات تلك المجاميع المسلحة الخارجة على القانون و هذه الزيارة للحبر الأعظم ( البابا ) و التي يقف خلفها و يساندها دول العالم المسيحي و بالتالي هي رسلة سلام و محبة و أمان في ظاهرها و في حقيقتها لكن هناك رسائل اخرى في طياتها قد تكون غير معلنة هي في التأكيد على وقوف اغلب دول العالم و المهمة منها سواء في اوربا او امريكا الى جانب الحكومة العراقية التي يترأسها ( مصطفى الكاظمي ) في حربه على الأرهاب و الميليشيات المسلحة .

لقاء قداسة ( البابا ) مع السيد ( السيستاني ) هو لقاء رسل السلام التي تدعو الى نبذ العنف و القاء السلاح و الدعوة الى التسامح و الألفة بين الأديان و الطوائف و القوميات و الركون الى الحوار و التفاهم بين الحضارات و الأمم و الشعوب و هذا الأمر ليس غريبآ على حاضرة ( الفاتيكان ) التي لطالما دعت و عملت على نشر السلام و المحبة بين شعوب العالم و ليس فقط العالم المسيحي الذي تمثل الأغلبية فيه حتى وصل السمو الى حد الأعتذار عن الحروب الصليبية في حين سجلت مرجعية ( النجف ) موقفآ سلميآ واضحآ في الدعوة الى وقف الحرب الأهلية و كان لها دورآ مهمآ و مؤثرآ في الحفاظ على أرواح و ممتلكات المكونات الأخرى من الشعب العراقي و سجلت موقفآ مشرفآ حين دعت فصائلها المسلحة الى التسريح من الخدمة او الأندماج الكلي في المؤسسة العسكرية العراقية بعد زوال خطر داعش الأرهابي .

زيارة ( البابا ) للمرجعية في النجف هو اعتراف دولي و أممي بالممثل الشرعي للمسلمين الشيعة في العالم و التي حاولت جاهدة و بأستماتة مرجعية ( قم ) في ايران انتزاعها من النجف لكنها لم تفلح لحد الآن و جاءت هذه الزيارة لتعزز الدور القيادي للمرجعية الدينية في النجف و موقفها المناهض لنظرية ( ولاية الفقيه ) و التي تتفق مع موقف الفاتيكان في ابعاد السياسة عن الدين ( دع ما لله لله و ما لقيصر لقيصر ) حيث كانت و مازالت اكثر الحروب دموية و شراسة تلك التي تكون تحت رايات دينية او طائفية فكانت حروب ( الفتوحات ) الأسلامية العدوانية في احتلال و قمع الشعوب و اجبارها على الأسلام او دفع الغرامة ( الجزية ) او تلك الحروب الصليبية العدوانية و التي كان لتجار البندقية ( فينيسيا ) الدور الأكبر في التحشيد و التجنيد بأسم المسيحية و الصليب في هدف الأستحواذ و الأستيلاء على موارد الشرق و اسواقه .

هذا اللقاء التأريخي و المهم بين حوزة النجف و حاضرة الفاتيكان لا يروق و لا يعجب دعاة الحروب و الأقتتال الديني و المذهبي و كما هي المنظمات الأرهابية السنية ( القاعدة و داعش ) هناك ايضآ من المنظمات الأرهابية الشيعية و التي لم ترحب بهذه الزيارة و الآخر رحب على كراهية و مضض بعد الترحيب و الأستقبال الحافل و الفخم شعبيآ و جماهيريآ اولآ فكانت قطاعات الشعب العراقي و قد يكون بأجمعه عدا تلك الأصوات المبحوحة و النشاز و التي كانت و على الدوام على الضد من مصلحة الشعب العراقي و طموحاته و ثانيآ كان الأستقبال الحكومي المهيب للضيف الكبير ( البابا ) ما يليق بمقام هذه الشخصية العالمية التي تحظى بكل التقدير و الأحترام للمبادرة الشجاعة و الحكيمة في زيارة العراق و هذا البلد في أمس الحاجة الى مثل هذه الزيارة المهمة .

لقاء اعداء الكراهية و دعاة السلام في قمة تأريخية قد لا تتكرر على الأقل في المستقبل القريب و قد يكون اجتماع قداسة ( البابا ) مع سماحة السيد ( السيستاني ) هو الأهم من ذلك الذي جمع بين البابا و شيخ الأزهر في ابو ظبي العام 2019 من حيث مكانة المرجعيات الدينية السنية و قد يكون جامع ( الأزهر ) اكبرها لكنه ليس الوحيد و كذلك فأن الأتباع و المريدين لا يلتزمون كثيرآ بالتعليمات و الأرشادات التي تصدر عن ألأزهر و غيره من المرجعيات الدينية السنية في حين هناك ما يشبه الأجماع على مرجعية ( النجف ) الدينية بالنسبة الى المسلمين الشيعة في كل انحاء العالم و كذلك في التزام اغلب اتباع مرجعية النجف بتعليمات المرجعية و ارشاداتها التي تتم بشكل دقيق و من هنا جاءت اهمية المرجع ( السيستاني ) في أنصات المؤيدين و المقلدين و هم بالملايين لأرشاداته و وصاياه .

هذا البلد العريق و الغارق في التأريخ قد اعيد الى الواجهة من جديد بعد ان كادت تنسى و تهمل الحروب التي كانت و تلك التي مازالت تدور على اراضيه هكذا ارادت قمة ( النجف ) ان ينفض غبار المعارك عن العراق البلد الذي انهكته سنين الحروب الطويلة و أتعبه جيرانه و حتى ابناءه في صراعات و نزاعات لا ناقة لأهل العراق فيها و لا جمل ولكنها بالوكالة و بالنيابة و بعيدآ عن مدن المتصارعين و حاضراتهم خوفآ و حرصآ عليها من الدمار و الأندثار و لتكن تلك الحروب تندلع و تتأجج في شوارع و أزقة المدن العراقية و لا يهم طالما المدن الأيرانية و الأمريكية في أمان و استقرار و أعمار و كانت هذه الزيارة التأريخية بمثابة الصرخة المدوية بوجه الضمير العالمي ان ابعدوا صراعاتكم و نزاعاتكم و حروبكم عن هذا البلد الذي أثخن بالجراح و لم يعد يستطيع النهوض .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here