يبيا.. حصول حكومة دبيبة على الثقة يُنهي “نزاع الشرعية” (تحليل إخباري)

ليبيا.. حصول حكومة دبيبة على الثقة يُنهي "نزاع الشرعية" (تحليل إخباري)

– “مهمة مستحيلة” أمام دبيبة لتنظيم الاستفتاء والانتخابات بحلول 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل في ظل تحذير عقيلة صالح بأن حكومة الوحدة ستتحول إلى “تصريف أعمال” بعد هذا الموعد.

– توحيد البرلمان واحتواء حفتر وإخراج مرتزقة فاغنر.. 3 تحديات خلال المرحلة المقبلة.لأول مرة منذ 2014، يتمكن الليبيون من اختيار حكومة واحدة بشبه “إجماع” النواب، وباعتراف الحكومتين المتنازعتين، ما يعني توحيد مؤسسات البلاد، والتوجه نحو إنهاء الحرب الأهلية، والاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات العامة.

وسارعت البعثة الأممية وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وقطر وعدة دول لتهنئة الليبيين على هذا “الإنجاز التاريخي”، ما يمنح حكومة عبد الحميد دبيبة اعتراف أممي ودولي إلى جانب الشرعية التي منحها لها البرلمان، وسيساعدها ذلك في توحيد البلاد، وإنهاء حالة الانقسام، والتنازع على الشرعية.

وطبقا لاتفاق جنيف، فإنه بعد منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، بأغلبية 132 من إجمالي 133 نائب، وبدون إجراءات أخرى، تنتقل صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة للمجلس الرئاسي الجديد، ولحكومة الوحدة الوطنية وتنتهي في حينه جميع السلطات التنفيذية القائمة.

والإنجاز الآخر الذي لا يقل أهمية عن منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة دبيبة، هي اجتماع مجلس النواب بشقيه (طرابلس وطبرق)، في جلسة “رسمية”، بحضور 133 نائبا، وآخر مرة اجتمع فيها أكثر من ثلثي النواب، كانت في غدامس بحضور 127 نائبا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي من الحالات النادرة منذ 2017.

** مهمة صعبة ووقت ضيق

وستكون المهمة الرئيسية لحكومة الوحدة الوطنية تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وسيسبقها الاستفتاء على مسودة الدستور، كما تعهد دبيبة بذلك أكثر من مرة.

ويمثل تنظيم الاستفتاء والانتخابات العامة خلال أقل من 10 أشهر، مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة من الناحية التقنية، بحسب عماد السائح، رئيس المفوضية العليا للانتخابات، الذي يتوقع أن يتم تأجيل الانتخابات إلى غاية نهاية 2022، إذا تم تنظيم الاستفتاء أولا.

واستبق عقيلة صالح، هذا السيناريو بالتأكيد، عقب منح الثقة لحكومة الوحدة، أن عملها سيستمر إلى غاية 24 ديسمبر، وبعد ذلك ستكون حكومة تسيير أعمال.

** حفتر والمرتزقة معضلتان أمام “الوحدة”

وتنظيم الانتخابات في موعدها ليست المهمة الأصعب لحكومة دبيبة، بل إن توحيد الجيش وإنهاء “مشروع الجنرال الانقلابي خليفة حفتر لإقامة حكم عسكري” يمثل المعضلة التي أخفق الليبيون في إنهائها أو احتوائها حتى الآن.

إذ أن منصب القائد الأعلى للجيش، بحسب اتفاق جنيف يعود إلى المجلس الرئاسي مجتمعا (محمد المنفي، وموسى الكوني، وعبدالله اللافي)،

أما منصب وزير الدفاع فسيتولاه دبيبة، إلى حين الاتفاق على شخصية غير جدلية بالتشاور مع المجلس الرئاسي، لكن من المستبعد أن يعود المنصب إلى حفتر، إلا إذ منح منصب قائد الأركان إلى شخصية عسكرية مناوئة له من الغرب الليبي أو العكس، حتى لا تتركز كل القوة العسكرية في يده.

بينما يرى محللون أنه سيتم استبعاد حفتر من أي منصب قيادي للجيش، وسيكون حينها مخيرا بين ترك الشعب الليبي وحاله أو مواصلة تمرده دون أي غطاء شرعي.

وكذلك الأمر بنسبة لمرتزقة شركة فاغنر والجنجويد، الذين أصبحوا خارج سيطرة مليشيات حفتر، ويمثل إخراجهم من ليبيا أمرا ليس هينا، ويقول دبيبة إن ذلك “يتطلب الحكمة، والاتفاق مع الدول التي أرسلتهم”.

** لم يكن الأمر سهلا

اجتماع 132 نائبا في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) لمنح الثقة لحكومة الوحدة من إجمالي 178، لم يكن بالأمر الهين في ظل انقسام حاد بين برلماني طرابلس وطبرق.

ودعا النواب المجتمعون في طرابلس لانعقاد جلسة في مدينة غدامس (600 كلم جنوب غرب طرابلس)، يتم فيها انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفا لعقيلة صالح، بينما رد الأخير أمام محاولات عزله بالدعوة إلى نفس الجلسة لكن بسرت.

ولأن سرت تقع في المنتصف بين الشرق والغرب، قبِل النواب بمختلف أطيافهم بالاجتماع في المدينة كحل وسط.

إلا أن رئيس لجنة 5+5 العسكرية أحمد بوشحمة، قال في بيان إنهم غير قادرين على تأمين جلسة مجلس النواب بسرت، قبل أن تتراجع اللجنة عن هذا القرار في اليوم الموالي وتؤكد جاهزية المدينة لاحتضان هذا الاجتماع، متعللة بالظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

وبعد أن تم حسم إشكالية المكان، جاء تسريب لوكالة الصحافة الفرنسية، لتقرير لجنة الخبراء الأمميين حول مزاعم توزيع رشى خلال ملتقى الحوار، ما دفع حكومتا “الوفاق” و”المؤقتة” لتجميد تعاملها مع رئيس حكومة الوحدة المكلف، ومطالبة 24 نائبا تأجيل الجلسة، ثم ارتفع العدد إلى 42.

إذ أضاف النواب الـ42 من برلمان طرابلس، تضمين اتفاق جنيف ضمن الإعلان الدستوري قبل منح حكومة الوحدة الثقة، وانضم إليهم المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الذي طالب أن يتم التشاور بينه وبين مجلس النواب بهذا الشأن.

وخلال اجتماع النواب في سرت برئاسة عقيلة، أثار هذا الأخير مسألة تضمن اتفاق جنيف في الإعلان الدستوري، لكن دبيبة تحفظ على هذا الأمر قبل منح حكومته الثقة، حتى لا يضيع الوقت في مناكفات بين مجلس النواب ومجلس الدولة، بينما آخر مهلة لمنح الثقة 19 مارس.

ولجأ عقيلة صالح إلى لعبة المماطلات، حيث أجل التصويت على منح الثقة مرتين، وتنازل دبيبة من خلال تعديل طفيف في حكومته، حيث استبدل النائب عمر تنتوش بمحمد الحويج، في وزارة الاقتصاد، ولمياء بوسدرة بنجلاء المنقوش في وزارة الخارجية.

كما أن مبررات دبيبة بشأن الانتقادات الواسعة للعدد الكبير للحقائب الوزارية (26 وزير و6 كتاب دولة ونائبين) كانت مقنعة لكثير من النواب، بدليل أن جميع من انتقد تشكيلة الحكومة صوّت لها فيما بعد.

حيث أوضح دبيبة أن توزيع الحقائب الوزارية تم على أساس 15 منطقة انتخابية بدل تقسيمها على الأقاليم الثلاثة (طرابلس برقة فزان).

وأمام هذه المماطلات وقّع 91 نائبا على عريضة تؤكد استعدادهم لمنح الثقة لحكومة الوحدة، ليتم في نفس اليوم عرض تشكيلة الحكومة للتصويت لتحوز على 132 صوتا، وهي المرة الأولى التي يجمع فيها الليبيون على كلمة واحدة منذ 2011.

** اليمين الدستورية وإشكالية المكان

أول خطوة منتظرة من حكومة دبيبة بعد منحها الثقة، أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، ثم تقديم موازنة موحدة لكامل البلاد، وعرضها على مجلس النواب للمصادقة عليها.

ويقول النائب إسماعيل الشريف، إن ذلك سيتم في مدينة بنغازي (شرق)، ما قد يطرح مجددا إشكالية مكان اجتماع النواب، خاصة وأن بنغازي خاضعة لمليشيات حفتر، وحتى نواب طبرق لم يجتمعوا يوما في هذه المدينة.

وناشد دبيبة النواب عقب منح الثقة لحكومته، أن لا يكون مكان انعقاد البرلمان عائقا أمام اجتماعهم، وأن ينفتحوا على بقية المدن الليبية، ويعقدوا جلساتهم ولو في مدن أخرى مثل سبها (جنوب غرب) أو الكفرة (جنوب شرق) أو مصراتة (غرب).

ومازالت مسألة توحيد مجلس النواب لم تحسم بشكل نهائي، ومن غير المتوقع أن يتخلى حفتر على نفوذه شرقي البلاد وجنوبها، أما مرتزقة فاغنر فيواصلون حفر الخنادق وإرسال طائرات الشحن العسكرية غير مبالين بمطالبة دبيبة لهم بالرحيل، ما يجعل المرحلة المقبلة حبلى بالتحديات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here