(يَا لَيْتَنِي متُّ قَبْلَ هَذا)

لمْ ولنْ يساورني الشعورُ بالأسف، كوني عملتُ مع المعارضة العراقية بكلّ قوّةٍ ضدّ النظام الطائفي البعثي البغيض، ولن أتردّدَ في أن أعود إلى العراق للقتال عندما يردني أنّ البعثَ يحاول أن يعودَ من جديدٍ ليدنّسَ وادي الرافدين، مثلما لن أعتذرَ لأنني شاركتُ بإسقاط المقبور صدام حسين ونظامِهِ المشبوه، بل سأبقى مرفوعَ الرأس لأنني كافحتُ السرطانَ البعثيّ ووقفتُ ضدّ انحرافاته وسلطته الدمويّة التي كانت السببَ المباشر والتدريجي في تدمير العراق.

اتّصل بي أحدُ الزملاء وهو يحاول أن يستفزَّني قائلاً: ماذا جنيتَ من معارضتكَ للنظام السابق وهل تشعر بالندم؟ فعاجلتُهُ بالإجابة الفوريّة على الشطر الأوّل من سؤاله: أنّ العملَ ضدّ الباطل لايخضع لمعادَلات الربح والخسارة سيّما ونحن مسلمون، ولقد شاهدنا الباطلَ بأعيننا وأصابتنا شظايا نيرانه في الصميم، فوقفنا ضدّه بأيدينا والسنتنا وقلوبنا استجابةً لدعوة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله في محاربة المنكر الذي في مقدّمته الظلم والعدوان، أما جوابي له على الشطر الثاني من سؤاله حول الشعور بالندم على ذلك؟ كيف يندم من يعمل على إنقاذ شعبه ووطنه وأهله من براثنِ سلطة إجراميّة ؟

ثم حاول استفزازي مرة أخرى قائلاً لي: “إنك لم تحصل حتى على حقوقك التقاعدية؟ فقلت له إنني واثق من الحصول عليها فقط لكوني عراقيّاً، ثمّ أخذ ينتقدني حول كتاباتي محاولاً استفزازي بكل السبل، إلى أن انتهى به الأمر أن ينصحني كما يدّعي بأن لا أكتب وأترك هذا المجال، عندها ردّدتُ مع نفسي: “ليتني متُّ قبل هذا” ليتني مُتُّ ولم أرَ الفاسدين والخونة يحكمون العراق، ليتني مُتُ ولم أرَ أشباهَ الرجال تسرق وتنهب ثروات الشعب، ليتني مُتُ ولم أرَ بلدي مستباحاً من قبل الأعداء الذين جعلوا منه ساحةً لصراعاتهم وتصفية حساباتهم، ليتني مُتُ ولم أرَ البعضَ من السياسيين يجامل دولَ الجوار على حساب أرضنا وثرواتنا وحقوقنا وسيادتنا ، ليتني مُتُ ولم أرَ عراقنا ممزّقاً وشعبنا يعاني الجوع والمرض وتفشّي آفة الجهل، ليتني مُتُ ولم أرَ دجلةَ والفرات يعانيان النضوب، ليتني مُتُ ولم أرَ نخلةَ العراق خاويةً وهي الشهيرة بمقاومة الجفاف، ليتني مُتُ ولم أرَ أخلاقَ الكثير من العراقيين الذين أعرفهم قد تغيرت نحو اللامبالاة أو ارتكاب التزوير الذي هو أشدّ فتكاً من معاولِ التهديم، ليتني مُتُ ولم أرَ أنّ الحقَّ لايُعمل به والباطل لايتناهى عنه، ليتني مُتُ ولم أرَ الدينَ قد أصبح تجارةً مربحةً لأعداء الدين المتستّرين تحت اسمِهِ وحبلَ نجاةٍ للفاسدين، ليتني مُتُ ولم أرَ كلَّ هذه البشاعات الشنيعة!

لقد كنتُ أحلم بوطن عراقي يحكمه الدستور، يعيش فيه الجميع تحت مظلته الواقية والحصينة، كنت أحلم بوطنٍ خالٍ من الفقر والجهل والمرض، خالٍ من حيتان وأفاعي وعقارب الأحزاب والكتل السياسية سوى حزب القانون والدستور والنظام، كنت أحلم بوطن يعيش فيه الناس تحت راية واحدة وهدف واحد يتمثّلان في حياةٍ حرّةٍ كريمة وضمان مستقبل زاهرٍ للأجيال لأنه وطن كبير وثريّ ويستوعب الجميع، ولكنّ الغرباء والدخلاء والعملاء والخونه والسراق الفاسدين بددوا أحلامنا واخذوا يتهموننا بأننا عملاء وأننا كنا السببَ في ذلك بعد أن قدمنا للعراق كلَّ غالٍ ونفيس ولم نحصل على أيّ شيء!

عذراً يازميلي سأبقى معارضاً لكلّ الخونة والقتلة والفاسدين لأنّ اللَه ورسوله يحاسبوننا إذا لم نكن العاصفةَ الكاسحةَ لهم، لذلك نحتاج إلى تشكيل كتلة عراقية من أشراف القوم تتفق على توحيد العراق والعراقيين وتساهم في بناء جيل مثقف واعٍ يعمل من أجل البلد بعيداً عن القوميّة والفئوية والتستّر بالدين، وهذا لن يحصل إلا بعد أن نتفق على أن البعث وصدام حسين هم سبب كل الذي جرى من كوارث على العراق والعراقيّين وهؤلاء الفاسدين هم النتيجة ….

جابر شلال الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here