هل العراق دولة مدنية ام دينية ؟

سؤال يطرح نفسه في ظل الجدل الدائر بشأن تأسيس المحكمة الاتحادية العليا

الدكتور منذر الفضل

نصت المادة ٩٢ من الدستور العراقي

(( أولا: المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا .

ثانيا : تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون , يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب . )).

اثناء اجتماع اللجنة الدستورية المنتخبة من قبل الجمعية الوطنية العراقية لكتابة الدستور عام ٢٠٠٥ جرى النقاش والحوار حول تأسيس المحكمة الاتحادية العليا وقد كانت مداخلتي حول هذا الموضوع بان هذه الهيئة هي محكمة اتحادية قضائية عليا ومستقلة طبقا لنص المادة أولا من القانون ٩٢ من الدستور ولا يجوز اقحام رجال الدين في تشكيلتها لان ذلك يمس باستقلالية القضاء .

وقد اصر بعض رجال الدين في اللجنة الدستورية على إضافة ما يسمى بخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون في هذه الهيئة القضائية في الدستور , وكان لهم ما أرادوا .

وخلال النقاش في شهر اذار عام ٢٠٢١ بين أعضاء مجلس النواب اقترحت الأحزاب الإسلامية ان يكون عدد رجال الدين في المحكمة المذكورة ( ٤ ) خبراء في الفقه الإسلامي وان يكون عدد فقهاء القانون ( ٢ ) . وهذا اقتراح غير منطقي ويدل على نية لتأسيس دولة دينية لا علاقة لها بالدولة المدنية التي ينشدها العراقيون وتقوم على احترام الدستور والقوانين وفصل الدين والمذاهب عن الدولة واحترام المواطنة وحقوق الانسان .

ومن جهة أخرى فلا علاقة لرجال الدين في هذه الهيئة القضائية لان جميع القوانين العراقية ليست أصولها من الشريعة ولا من الفقه الإسلامي عدا قانون الأحوال الشخصية وهو مشتق من الفقه الحنفي والمذهب الشيعي وتوجد بعض القواعد الفقهية في القانون المدني من مجلة الاحكام العدلية ( قواعد الفقه الحنفي ). وهذا يعني بأنه لا يوجد مبرر مطلقا في اقحام رجال الدين في المحكمة الاتحادية لان القضاة في ظل درجاتهم العليا و خبراتهم القانونية والشرعية لهم القدرة والكفاءة في حل المشكلات القانونية والفقهية معا .

كما نشير للفقرة أولاً من المادة الثانية من الدستور العراقي التي تنص على ما يأتي :

أولاً : الإسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر أساس للتشريع .

أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام .

ب – لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية .

ج – لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور

يتضح من الفقرة أعلاه ان المشرع العراقي عمد الى الجمع بين ثوابت الإسلام المعروفة وبين مبادئ الديمقراطية التي نص عليها الدستور . ويفهم من ذلك بانه لا يجوز سن أي قانون من السلطة التشريعية يتعارض مع ثوابت الإسلام طالما ان الدستور اوجب التقيد بها. .

اما اصرار بعض رجال الدين بإضافة خبراء الفقه الإسلامي في تشكيلة هذه المحكمة هو بمثابة تطبيق لسابقة غريبة على العراق وتقليد لما تذهب اليه احدى دول الجوار التي تطبق ما يسمى ( مجمع تشخيص مصلحة

النظام ) التي هي مؤسسة دينية ذات طابع سياسي وليست هيئة قضائية قانونية بحته وليست لها علاقة بالدولة المدنية . .

كما أرى ان يتم تعين قضاة المحكمة الاتحادية العليا من قبل مجلس القضاء الأعلى وبالتوافق مع مجلس النواب وان يتم أيضا تعيين عدد محدود من القضاة الاحتياط , وان يكون هناك سن معين لنهاية الخدمة القضائية في هذه المحكمة وليس كما هو معمول به في المحكمة الاتحادية الحالية في ان يبقى القاضي في الخدمة طيلة الحياة .

أستاذ جامعي وعضو منتخب في لجنة كتاب الدستور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here