ولا تزر وازرة وزر اخرى، كلٌ مسؤول عن عمله

ولا تزر وازرة وزر اخرى، كلٌ مسؤول عن عمله

لقد وضع القران الكريم قاعدة عادلة منصفة لا تظلم احد في الدنيا وهي مبدا “ولا تزر وازرة وزر اخرى”. فلا يمكن التعميم على الاشياء وبالتالي استخدام سياسة السب والقدح دون بينة لغير المسلمين. كما لا يمكن تزكية عموم المسلمين لمجرد نطقهم بشهادة لا اله الا الله محمد رسول الله وقيامهم بالصلاة والصيام والحج دون ان تؤدي هذه العبادات اهدافها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ان الله امرنا باتباع القران وليس اتباع الهوى والظن. فان بعض الظن اثم وان الهوى لا يغني عن الحق شيئا. احكام القران تؤكد على ضرورة الابتعاد عن السب والقدح للمسلمين ولغير المسلمين لمجرد خلاف بالعقيدة الدينية او السياسية. نهانا الله تعالى ايضا من سب الذين كفروا لانهم سيسبوا الله عنادا منهم “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم”.
ان سياسة السب والقذف والتجريح سياسة الضعفاء والمتخلفين من اي مصدر صدرت سواء من المسلمين او اعدائهم. فان كان مصدرها المسلمون ضد غيرهم فهي اثم مبين اضافة الى انها في هذا الوقت تبين بجلاء مدى خواءهم وضعف قوتهم. لكنها اذا جاءت من غير المسلمين فهذا يعني بان المعسكر الغربي يريد ان يسفه معتقدات المسلمين وينذرهم بمزيد من الحروب لانتهاك سيادتهم.
ان من المستغرب ان تستمر شعوبنا بالهروب من مسؤليتها لتنظيم امورها وتطبيق العدالة على نفسها وفرضها على حكامها. ان تحميل الغرب وحده المسوولية الكبرى في تسليط الحكام الدكتاتوريين علينا وبالتالي سبه والتجريح بعموم شعبه لا طائل له. في وقت يتحمل أولياء امورنا تسهيل جحافل الصهيونية وامريكا وروسيا من دك واحتلال مقدساتنا في القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة وبغداد دار السلام ودمشق الشام. ان شن الحرب الكلامية الفارغة ضد تلك القوى لن يزيد المشكلة الا مزيدا من المشاكل ويخلط الحابل بالنابل ولا يفرق بين العدو والصديق.
بالمقابل وبصورة اكثر حرفية ومهنية يشن الغرب ضد المسلمين حملات من الاكاذيب والافتراءات ما انزل الله بها من سلطان. كاتهام العرب والمسلمين بالارهاب والانفصالية. انهم يبتغون فرض الخيارات الفكرية والسياسية والعسكرية التي تشيطن الاسلام. في وقت فقد المسلمون البوصلة ولا يعرفون اولوياتهم وكيفية الدفاع عن انفسهم لاسترداد حقوقهم.
في فجر الاسلام على سبيل المثال كان طلب المسلمين من الفرس والروم والمشركين فسح مجال الحرية الفكرية. لكن تلك الدول كانت ترفض ذلك بشدة وتفضل الحرب الضروس. اليوم يعمل الغرب عكس ما كان يريده المسلمون. لقد فرضوا هيمنتهم بقوة السلاح. ثم فرضوا على العالم حرية تجارتهم بالقوة المسلحة للسيطرة على الاسواق. جنبا الى جنب الحملات الاستعمارية من أحتلال الجزائر من قبل فرنسا الى احتلال المناطق العربية المشرقية عشية الحرب العالمية الاولى الى احتلال العراق مطلع هذا القرن.
بغض النظر عن استغلال الضعف العربي من قبل الغرب وفرض السياسة التدميريه لدولنا وشعوبنا وفرضهم حكاما عرب ياتمرون باوامرهم. لا بد من التزام الشعوب العربية بالثوابت الاسلامية. التي جعلت بعض الدول كاسبانيا ترحب وتطلب من عقبة ابن نافع وطارق بن زياد تحريرهم من الظلم قبل ثلاثة عشر قرنا. او اعتناق الاسلام بصورة طوعية من قبل شعوب جنوب شرق اسيا كاندونيسيا وماليزيا وغيرها
لا ينبغي اذن من المسلمين نتيجة الظلم والاستئصال المسلط عليهم اليوم من الغرب ان تزيغ ابصارهم ويعمموا انتقادهم للغرب كل الغرب. فهناك فرق كبير بين الطبقات السياسية الحاكمة التي لا تزال تحلم بعودة الاستعمار واستغلال خيرات العرب. وبين شعوبهم التي تعمل بشقاء لكسب الحلال وليس لهم فراغ او فرصة لمعرفة وتحليل المظالم التي تشيعها سلطاتهم ضد الاخرين سواء في فرنسا او بقية دول الغرب.
هناك الكثير من المثقفين والكتاب والاساتذة الفرنسيين قاموا بمظاهرات كثيرة لمساندة استقلال الجزائر. من المعروف ايضا ان من فضح جرائم جيش الاحتلال الامريكي في ابو غريب ببغداد هم ضباط وجنود الجيش نفسه. كما ان من يدافع عن حقوق المسلمين في فرنسا اليوم مقابل دعوات السلطة لتهميشهم وعزلهم. هم الكثير من الطبقات الفرنسية المثقفة من اغلب الاتجاهات السياسية والنقابية والثقافية.
سيرتكب العرب ظلما كبيرا عندما يعمموا اتهامهم لشعوب الغرب بانهم من قاموا بالحروب الصليبية او الحملات الاستعمارية. او الذين يدكون بطائراتهم وصواريخهم المسيرة معاقل المقاومين ويناصروا الدكتاتوريين العرب. ينبغي ان نعلم بان الغرب ليس نسيجا واحدا يقف خلف حكامه كالقطيع. انما يجب الادراك بان اغلبيتهم الساحقة يعشقون الحرية والعدالة. ان الكثير منهم ايضا من بذل حياته لمساعدة الفقراء والمساكين بغض النظر عن دينهم وقوميتهم.
الايمان بالاسلام يفرض علينا ان نعدل بين الناس مهما كانت عقيدتهم ودينهم. ولا يحركنا الهوى والاراء الشخصية والجهل والانانية والتكبر الازدراء بالاخرين.
ان الله تعالى عندما سيحاسبنا يوم القيامة سوف لن يحاسبنا بما فعل غيرنا حتى لو كانوا اباءنا او امهاتنا او ابناءنا او بناتنا انما يحاسبنا بما فعلناه باختيارنا دون ضغط او اكراه وقد اكد القران الكريم في الكثير من الايات مبدا ولا تزر وازرة وزر اخرى فقال تعالى “تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون”.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here