هل ان المحبًة، تكتنفها ارادة الخير ؟

* د. رضا العطار

تكمن المشكلة الاخلاقية باسرها في (الارادة). فليس من المستحيل ان ينقلب (الشرير) الى (خيّر) اذا استطاع الخروج من حالة (الوسن الروحي) لكي ينفتح على الاخرين ويحيا معهم حياة جديدة ملؤها المشاركة والافراح. والحق ان الشرير ليس الا شخصا مسكينا لا يستحق الكراهية في ذاته. ومن يدري، فربما كان الفيلسوف ماكس شلر على حق حين قال ( ان الشرير قد لا يكون شريرا الا لانه لم يلق القدر الكافي من الحب، فما هي الا ان توجه اليه بعض الكلمات المحببة حتى تذوب الكراهية الكامنة في قلبه، كما تذوب الثلوج تحت وهج شمس الربيع الدافئة.

واذا كنا قد اقمنا ضربا من التطابق بين الكراهية واردة الخير – – – لكن المحبة الحقيقية لا تعني ضربا من العاطفة بل هي تعني اسلوبا من العمل الفعلي، ولعل هذا هو السبب في ان كلمة (المحبة) تختلط بكلمة (الاحسان) ومعنى هذا ان (الحب) في نظر الفلاسفة لم يُجعل لكي (يُحب) بل هو قد جُعل لكي يمارس ويحقق.
كذلك ليس معنى الوفاء للمحبوب ان نقتصر على محبته بل معناه ان نحاكيه فنعمل كما يعمل، وقد يتوهم البعض في ان محبة السيد المسيح (مثلا) انما تعني محبة العذراء مريم، ولكن المسيح نفسه لم يطلب من انصاره سوى محبة الناس كما احبهم هو.

والواقع ان المحبة الحقيقية لا تعني تأمل بعض الاثار الدينية او التعلق ببعض المخلفات المقدسة بل هي تعني اولا وبالذات الاتجاه نحو الاخرين من اجل العمل على شمولهم بعطفها ورحمتها – – – وعلى حين ان (التبادل) هو العامل الاساسي في شتئ ضروب الحب نجد مثل هذه المحبة الاخلاقية قد لا تتطلب بالضرورة ضربا صريحا من التبادل نظرا لانه قد كتب عليها دائما ان تشقى وتتالم دون ان تجد دائما من يتجاوب معها ويرد لها الجميل بمثله ! وليس من واجب الحب ان ينعكس على نفسه لكي يتقبل الحب بل لا بد له من ان ينسى نفسه في شخص (الاخر) ذلك الاخ الذي يحبه ويضحي من اجله ويتفانى في سبيله. وهكذا نعود ونقرر ان (ارادة الخير) لا تعني (النية الطيبة) التي تقتصر على التمني والرجا بل تعني (المحبة العاملة) (التي تمضي الى ابعد حدود التضحيةوالفداء).

• مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة للدكتور زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here