محطة رقم 8 الفرزة الاولى

محطة رقم 8 الفرزة الاولى
اعود الى الزعيم عبد الكريم قاسم وحكومته بعد ان صفا له الجو بتنحية صاحب البيان الاول
العقيد عبد السلام عارف وكان سنده الاول هم الشيوعيون الذين وحّدَ شِقّيه السكرتير العام
سلام عادل بعد اعتقال جمال الحيدري وتولي سكرتارية الشغيلة بهاء نوري في عام 1953
وتم الاتفاق بتوحيد الحزب وبحضور ومباركة خالد بكداش السكرتير العام للحزب الشيوعي
السوري وكان سبب الانقسام هو ان جمال الحيدري تبنى شعار اسقاط الحكومة وشعار حق
الاكراد بالانفصال وبتولي بهاء نوري السكرتارية تمت التسوية وانتهى الخلاف بلَمّ الشمل .
وأصبح الزعيم رئيسًا للوزراء والآمر الناهي متجاهلاً وجود مجلس السيادة الذي يترأسه نجيب
الربيعي ومعه عضوان هما محمد مهدي كبه وخالد النقشبندي وقد استقال مهدي كبه في عام
1959 وتوفي النقشبندي في 1962 وحلّ محلهما اثنان مع بقاء الربيعي في منصبه رئيسًا للمجلس
الذي لا يهش ولا ينش لحين انقلاب 8 شباط 1963 .
انطلق الشيوعيون وسيطروا على الشارع وكل الجماهير تهتف سبع ملايين تريد حزب الشيوعي
بالحكم وهتاف اخر ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة وتشكلت المقاومة الشعبية واتذكر اني
شاركتُ ليليةً في حراسة سدة الكوت وكان معي عضو لجنة المدينة او المحلية صديق اخي نافع
الحميم وابن محلتنا عباس علي اخو سكندر الذي تبين لي لا حقًا انه مخبر سري ونحن في دورية
الحراسة اشتبهنا باثنين قد عبرا السدة الى جانب الكوت فسألهما عباس عن كلمة السر فقالا له
فانوس ثم ذهبا لكنّي لم استوعب الموضوع فسألتُهُ ماذا يقصدان بفانوس فقال لي انها كلمة
السر بيننا وبعد ان انهيتُ وقت حراستي تركتُها ولم اعاود لها مرةً اخرى .
اغتر الحز الشيوعي وطغت روح الهيمنة عندهم فحصلت مجازر في مؤامرة الشواف بالموصل
فعاثوا بها وذهب ناس ابرياء بين مسحول او مقتول وتكررت في كركوك مجزرة اخرى مع
التركمان قام بها شيوعيون اكراد بعملية انتقامية من التركمان بعد فشل مؤامرة الطبقجلي كل
هذه الجرائم وقيادة الحزب الشيوعي في حالة الانتشاء ولم تحسب ان لكل فعل ردّة فعل .
وفي مدينتي الكوت كادت ان تتكرر المجزرة وكنتُ حاضرًا ساعتها في الساحة الحمراء التي كانت
تُسمّى بالساحة الحسينية ومنزلنا بمحيطها حيث بدأ الشيوعيون والمندسون والغوغاء معهم
بالتجمهر وحمل المشاعل لإحراق بيوتٍ بساكنيها ممن لهم اتجاه قومي او بعثي وحتى المشتبه
بولائهم وكان المتجمهرون ينتظرون امرًا بالانطلاق وكان الوقتُ يُقارب الخامسةَ عصرًا لتنفيذ
المخطط واذا بأخي نافع يصعد لوحده وهذا ما استغربتُهُ فهو في العادة لا يخلو من مرافق له
وبالاخص صديقه الحميم عباس علي اقول صعد نافع على منضدةٍ كانت تحت طارمة بائع
الحبوب جاسم حسن وهو من سكنة الكوت القدامى وابناءُهُ هم عبد الامير ومحمد جواد
ومحمد حسن ومحمد حسين ومناضل وصادق واخرهم صديقي على الفيسبوك باقر وكان وهذا
المكان هو بقية من كنيسةٍ كانت تقطع الشارع وتلتصق ببيت الحاج عبود النجار .
ومن على المنضدة القى نافع كلمتَهُ التي هدد بها المتجمهرين بالعقاب وامرهم بالانصراف وان
يتركوا المشاعل امامه في الطارمة وعلى سياج الحديقة فاستجاب له جميع المتجمهرين وتفرقوا
وبهذا الموقف انقذ نافع الكوت من كارثةٍ دمويةٍ كادت تحل بعوائل جريمتها أنّ ميولها قومية
أوبعثية واكاد اقطع باليقين أن لهذا المخطط جهةً مندسةً في قيادة اللجنة المحلية مرتبطة
بالدولة تُريد الايقاع بنافع وتحميله المسؤوليةَ لوحده الا ان نافع تصرف بعقلانية وبعفوية
الانسان الطيب فأفشل المخطط وهذا ما لم يُسجل عند القوميين ولا البعثيين من أبناء
الكوت بل كان مُسجلاً ضدّهُ فانقلبتْ الصورة وانعكست عليَّ اثناء توقيفي في 1963 وهذا
ليس مُستغربًا من حزبٍ اكثر اعضائه ممن يعمل في المخابرات او جهاز الامن وقدحمّلوني في
التحقيق تبعات اخي وكانوا ينادونني اخو نافع الذي لم يرتكب ذنبًا والحديث عنه قادم .
وأما في المدارس فقد كان التعدي على اشدّه على البعثيين والقوميين وقد شملني ايضًا والسبب
اني كنتُ أحمي اصدقائي فهم معي في الصف وفي الفرصة وكنتُ يومها في المتوسطة الرسمية عام
1959 وقد انتقلتُ الى التحرير مع طلاب الزحف وهي نفس المدرسة الا أن دوامها ظهري مع
كوني ناجح الا أني فضلتُ الالتحاق بأصدقائي الذين كانوا معي في الابتدائية .
كنتُ بالصف اثناء المحاضرة فجاء زميلي وصديقي المقرب كريم كامل هتنه النجار ولكريم اخ
اكبر منه اسمه سامي تخرج طبيبًا من الاتحاد السوفيتي لم تُعادل شهادتُهُ بالشهادة العراقية
فذهب الى الجزائر وله اخ يصغره سنًا اسمه سمير أو صلاح فيما بعد عَمِلَ موظفًا في اسالة الماء
في السبعينات من القرن العشرين أقول جاء كريم ومعه طالب اخر لا أتذكره وطلبا حضوري
وكنتُ في الصف اثناء المحاضرة وذلك بناءً على طلب مسؤول الطلبة الشيوعي علي ملا عيسى
وفي طريقي الى غرفة اتحاد الطلبة كنتُ متهيئًا للرد على أيّ اعتداء يحصل منهما عليّ وبعد
دخولنا غرفة اتحاد الطلبة دار النقاش بيني وبينه وتمسكتُ بموقفي المدافع عن اصدقائي
البعثيين والقوميين وانتهى النقاش بغير اتفاق فالتفتَ علي ملا عيسى اليهما وقال لهما لا
تضربوه فابتسمتُ وعدتُ للصف لاستكمال المحاضرة واصدقائي القوميين والبعثيين لا يعلمون
ولم اتطرق اليها الا اليوم لتكون نقطة ضوء في علاقاتي مع اصدقائي الذين تخلو عني بعد
الانقلاب البعثي في 8 شباط 1963.
وقد سمعتُ بعد الانتهاء من الدوام أن طلابًا دخلوا المستشفى جراء الاعتداء عليهم فذهبتُ
استطلع الموضوع فصادفني جبار مايود وهو من البعثيين يبكي ويولول وهو في عربة المرضى
ويدفع به احد المضمدين الى ردهات المستشفى فالمني مشهده البائس .
كما سمعتُ باخرين من المشتبه بهم في المستشفى وقد تضرروا جراء الاعتداء وممن اتذكرهم
حبيب جليل وهو الان صديقي على الفيسبوك كما اني لا انسى ما دار بين ابي ونافع حول اسماء
ذكرهم له كي يقوم بحمايتهم ومنهم ما زالوا على قيد الحياة يتذكرون ذلك.
استمر الشيوعيون وهم اسياد الساحة والزعيم الاوحد يُبارك ويستقبل اصحاب مجزرة الموصل
ومجزرة كركوك الى يوم 5 ايلول 1959 حيث القى خطابه في كنيسة ماريوسف الذي حدد فيه
موقفه من الشيوعيين ووصمهم بالفوضويين ومن هذا الخطاب انحدر خطّهم البياني .
ففقد الشيوعيون زعيمهم الاوحد وفقد الزعيم انصاره المخلصين وانكشف ظهره لأعدائه
وهم القوميون والبعثيون والاقطاع وكل المتضررين من الجمهورية ومن الشيوعيين مع مؤازرة
المرجعية الشيعية بفتواها لهم بأن الشيوعية كفر والحاد ناهيك عن المرجعية السنية التي ترى
الزعيم شعوبيًّا لا يُمثلهم وعليهم الاطاحة به بأي ثمن ومعهم االاجهزة الامنية والاستخبارية .
**********************************************************
الدنمارك / كوبنهاجن الاثنين في 15 / آذار / 2021

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here