“الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا…”

“الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا…”

سواء في العراق او في فلسطين او سوريا او دول الخليج او دول شمال افريقيا تسير الامور من سيء الى اسوء. السلطات السياسية المفروضة من قبل امريكا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا وروسيا تتراجع هيمنتها على الارض وعلى الجوانب الاقتصادية. بالمقابل فان الدول الاستعمارية لا تستطيع قيادة تلك البلدان بصورة مباشرة لان لها من المشاكل ما يكفيها بسبب كورونا او الصراع المتعدد الاشكال بين امريكا وروسيا والصين. لذا فانها حائرة في ايجاد البدائل لتلك السلطات السياسية المحلية الفاشلة. اما المصيبة الكبرى فان الشعوب العربية قد اصابها القنوط واليأس وتنزع نحو التنافس المادي لاقتناء الدنيا وما فيها. لقد سبق ان فرطت بعقيدتها وهويتها وهي في تيه وظلمات.
من المؤكد ان النصر من عند الله لكنه لن يتحقق دون النجاح في امتحان البلاء في الباساء والضراء. “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين”. ان هذا التمحيص ضروري للتعرف على الوطني الحر الشريف من الانتهازي العميل الوضيع. عندها سيمنح الله للقلة القليلة الصابرة المحتسبة التي وكلت امرها الى الله النصر المؤزر.
هذه الفترة هي افضل فرصة لبناء الانفس والاوطان لبلداننا العربية فجميع الدول الاستعمارية منشغلة بهمومها وتريد ان تخلص شعوبها مما تعانيه نتيجة الركود والكساد الاقتصادي بعد ازمة جائحة كورونا. لذا فمن الممكن لقوى الخير العربية الوطنية من جميع الاتجاهات السياسية ان تضع خارطة طريق تسيطر فيها على زمام الامور وتفرض ما تريد من مطالب وطنية. يمكنها ان تعيد ترتيب الاوراق المبعثرة شرط وضع مصلحة عموم الشعب فوق المصالح الايدولوجية والحزبية والشخصية.
ان تجربة المسلمين الاوائل التي تحدثت عنها الايتين القرانيين 173 و 174 من سورة ال عمران تحدثنا عن نفس الظروف التي نمر بها اليوم. حيث القيل والقال والتحبيط والاشاعات والتخذيل وانه لا امل بالنصر. فتقول تلك الايتين “الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم”.
لقد اشارت تلك الايات الى نفس المرض الذي نعانيه اليوم في وقت المحن والخوف والضعف العسكري والاقتصادي واشاعات الاحزاب الظالمة وتدلنا على علاجه بالصمود والصبر والتوكل على مسبب الاسباب ثم تبشرنا بالنتائج التي سيسوقها الله. ولن يتمكن العدو من احداث الاضرار التي يخطط لها ضد ارادة ألشعب لان الله هو ناصره والمتكفل به.
ما احوجنا ان نترجم الايات القرانية التي نباتنا باسباب انتصار اجدادنا وسلفنا الصالح على اساليب حياتنا اليومية في بلداننا العربية ونعيد الثقة عمليا بقدرة وقوة الله تعالى ونحرر انفسنا من الخوف والتردد والدونية. ان غياب برنامج عملي للتغير وتفرعن السلطات المحلية حرف اولويات الشعوب. التي ياست من الخروج من عنق الزجاجة. ان ما زاد الطين بله تدهور المستوى التعليمي والاقتصادي. لكن الضربة القاضية ضياع الهوية بحيث لا يحرك تلك الشعوب اية قيمة عليا للحفاظ على اصلها ودينها وعروبتها.
من المهم ان نعترف ان دولنا العربية اليوم يقودها اشخاص محليين اشترى المستعمرون ضمائرهم بثمن بخس. لقد تحولوا بمرور الوقت الى طابور خامس لرعاية مصالح تلك القوى. هؤلاء الوكلاء لا يسمحوا باي تغيير وليسوا على استعداد للعودة الى الصف الوطني. لان وجودهم وقوتهم ومصالحهم مرتبطة ارتباطا وثيقا باستمرارية بسط سيطرة المستعمرين على مقدرات الشعوب.
كما ان شعوبنا ونخبها السياسية والاقتصادية حتى الوطنية لم تتمكن حتى الان من طرح برنامج واقعي من ثقافة هذا الشعب خارج اللعب السياسية الاجنبية المفروضة شرقا او غربا. مع العلم بان طريق النهضة لا تصنعه تجارب الغير والمعجزة الهية لن تاتي الا لمن يستحق. لقد مرت دول العالم بمثل هذه التجارب ونجحت لوضع شعوبها وبلدانها على طريق التنمية والتقدم. فلم تتحول الصين مثلا الى دولة عظمى الا بعد ان غلقت حدودها واختارت اشتراكيتها وشيوعيتها من عمق مجتمعها وتحملت مصاعب جمة في بداية الامر. لان الكبار انذاك الاتحاد السوفياتي وامريكا يريدون فرض منهاجهم وتجربتهم عليها. نفس الشيء مرت به الهند وتركيا وايران وماليزيا. فرنسا صنعت نهضتها بنفسها بعد الثورة الفرنسية والمانيا واليابان رغم خسارتهما في الحرب العالمية الثانية. اما دولنا العربية فلا تزال تمضغ وتكرر نفس التجارب الفاشلة التي جربتها منذ اكثر من قرن. لا تزال دولنا تدور ما بين تطبيق الرأسمالية المتوحشة ودكتاتوريات الشرق الاستئصالية. فلا ينبغي اذن والحالة هذه ان نتوقع ان ينصرنا الله او ننتظر نعمة من الله وفضل. او ان لا يمسنا سوء من الله ويمنحنا رضوانه. لاننا نبحث عن العزة والنصر من الدول التي استعمرتنا واذلتنا.
ما لم نعزل انفسنا عن العالم ونبدا من الصفر لبناء اوطاننا اخلاقيا ونتبع سياسة نابعة من ثقافة الشعب بعيدة عن هيمنة الكبار ونظامهم المدمر. ما لم نتخلص من هيمنة الدولار وصندوق النقد الدولي ونظام الامم المتحدة الذي يعمل لتخدير الشعوب العربية والفقيرة. سنبقى خارج التاريخ وربما حتى نخرج من الجغرافيا وفق الاستراتيجية الصهيونية الحالية التي تريد ان تؤسس دولتها من النيل الى الفرات. اي سيكون تيهنا اسوء بكثير من تيه بني إسرائيل الذي دام اربعين سنة في عهد النبي موسى عليه السلام.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here