في سياسة الاخلاق نهضتنا “وانك لعلى خلق عظيم”

في سياسة الاخلاق نهضتنا “وانك لعلى خلق عظيم”

ان اهم قيمة بشرية اودها الله في البشر هي الاخلاق فالتحلي بمكارمها ترفع معتنقها الى مكان عالي. ومن فقدها فلا تنفعه صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حتى حج. ان افضل مدح من الله لرسوله هذه الاية القرانية الكريمة “وانك لعلى خلق عظيم”. كما ان رسول الله نفسه قال في حديث صحيح انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق. اما في القران الكريم فهناك اكثر من 1500 اية تتعلق بالمعاملات الاخلاقية بين الناس. في حين لا تزيد ايات العبادات بمجملها عن 130 اية فقط على افضل تقدير.
ان الاخلاق التي نتكلم عنها ومكارمها تتلخص في قيم محورية اساسية اهمها الصدق والعدل والشجاعة والكرم ومساعدة الملهوف والبر بالوالدين وحسن المعشر والتسامح.
لقد كانت وما زالت الاخلاق في كل الاديان والمعتقدات الارضية والسماوية مجال فخر وثناء. فلقد مدح الشعراء العرب قبل وبعد الاسلام هذه الخصلة البشرية النبيلة. فقال احمد شوقي مثلا: صلاح امرك للاخلاق مرجعه فقوم النفس بالاخلاق تستقم. وقال ابو الاسود الدوءلي: لا تنه عن خلق وتاتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم. وقال ايضا: ابدا بنفسك وانهها عن غيها فاذا انتهت عنه فانت حكيم. وقال الشاعر العربي: قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس اموات.
لقد افسدت السياسة الغربية وعلومها الجامعية الاخلاق من خلال ممارساتهم المراوغة وازدواجية تصرفاتهم فقد مارسوا الكذب والتزوير على نطاق واسع واغلبهم يسير على هدى كتاب الامير لميكافيلي. الذي ينصح السياسيين بربط قوت الشعب بهم ضمن مبدأ جوع كلبك يتبعك. كان وزير اعلام هتلر غوبلز افضل مثال للكذب والدجل المنهجي.
كان من المفترض ان يناى المسلمون عن هذه الممارسات لان الاسلام يحرم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. ويعتبر الكذب من الكباير وشهادة الزور من اكبر الكبائر وخيانة الامانة خصلة من خصل النفاق التي تؤدي بصاحبها الى الدرك الاسفل من النار. لكن النخب السياسية العربية لم تجد غير الجامعات الغربية لدراسة السياسة والعلوم السياسية. التي كانت تعتمد على معايير تضع الاخلاق في خدمة المصالح المادية التي تخدم في نهاية المطاف الشركات الراسمالية الكبرى.
لقد خسر ويخسر العالم باستمرار لغياب المعايير الاسلامية التي تضع الاخلاق والقوانين فوق كل اعتبار وينبغي على الخليفة او الامام او الرئيس المسلم في صدر الاسلام ان ينصاع صاغرا لراي القاضي المسلم حتى لو كان ضد مصلحته. ان الاخلاق التي جسدها الاسلام في عموم سياسته كانت تخدم بعدل كبير معاملات الناس. قد ارست موازين شرعية لا يمكن تجاوزها. فقال رسول الله: قل الحق ولو على نفسك. وقال ايضا: من غشنا فليس منا. ثم قال: لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه.
ان الازمة الحقيقية التي تمر بها منطقتنا العربية الاسلامية هي في الحقيقة ازمة اخلاقية تخلت شعوبنا عن قيمها النبيلة سابقة الذكر. مما اسقطت اثارها التدميرية على السياسة والاقتصاد اضافة الى تدهور العلاقات الاجتماعية بين مكونات الشعب الواحد. لا يمكن اذن اعادة اللحمة بين الشعوب غنيها وفقيرها حاكمها ومحكومها ذكرها وانثاها دون اعادة القيم الاخلاقية وجعلها المعيار الاساسي للسياسيين. فما لم تكن القيم الاخلاقية الفاضلة هي الميزان والفيصل والمؤشر لقبول ممارسة العمل السياسي والاقتصادي بل والعام ايضا للاشخاص في بلداننا. فان الفضائح المالية والاخلاقية والسرقات المليونية والغش والكذب والخداع لن يتوقف اطلاقا.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here