اللغة وإنتاج الفكر!!

اللغة وإنتاج الفكر!!
إنتاج الفكر يخضع لآليات التفكير وليس للغته , فأية لغة يمكنها أن تنتج فكرا , إذا وضعت في مناهج إنتاجية وآليات إبداعية واضحة.
والذين يدّعون بأن اللغة العربية لا تنتج فكرا إنما هم على خطأ كبير وضلال وخيم , لأن التجربة الحضارية للعربية تؤكد مقدوريتها على الإنتاج الفكري , وبأنها تمتلك طاقات إبتكارية عالية ومتجددة ومطاوعة لزمانها ومكانها , وفيها قدرات إستيعابية لما تجود به العقول البشرية بأية لغة أخرى.
العيب ليس في اللغة العربية وإنما في عقول أهلها , التي تقولبت وتخندقت وتصندقت وإستنقعت وإنجست في الباليات والأجداث , وإمتنعت عن تنفس هواء الحياة المعاصرة , وإنغمست في إستنشاق ما هم عفن ونتن وجلاّب للسوء والبغضاء.
العيب في آليات التفكير التي ننسجن فيها , ونتقيد بتكراريتها ووسوساتها وبهروبنا من العقل , ولجوئنا إلى ما دونه من مبررات الإستجابات الإنعكاسية الحمقاء , التي تمنعه من النشاط والتفاعل اللازم لصناعة مسيرة التقدم والرقاء.
إن إلقاء اللوم على اللغة , يمكن تفسيره بالتبرير والإسقاط والتعجيز المقصود , الذي يهدف إلى نزع الأمة من هويتها , وقتل لسان وجودها المتميز الصدّاح.
كما أن القول بأن العربية لا تصلح إلا للشعر , فيه إجحاف وقصور نظر , لأن جميع لغات الدنيا تصلح للشعر , والشعر مكتوب بلغات الدنيا كافة الحيوية منها والمنقرضة , والعلم مكتوب بها جميعا أيضا.
فلماذا تستوعب اللاتينية كل النشاطات الأرضية وكذلك الفرنسية والصينية واليابانية , ونتهم اللغة العربية بأنها لا تستوعب شيئا غير الشعر , أن البعض يدعو إلى تحويلها إلى لغة دينية وحسب!!
ذات يوم رحت أبحث عن ناطق بالإنكليزية في شوارع اليابان فعجزت عن العثور على ياباني يتكلم الإنكليزية , وعندما سألت صديقي الياباني عن ذلك حدق بوحهي مستغربا وغاضبا وهو يقول : لا نحتاج للغة أخرى!!
فأعلمني مدى الإعتزاز بلغته وأن عز اللغات بعز أهلها , وقوتها من قوتهم , ومجدها من مجدهم , فإذا ضعف القوم ضعف ما يتصل بهم من ملامح ومميزات , وتتحطم أركان قيمتهم ومعاييرهم ووجودهم.
أيها المتهمون للغة الضاد بما تشتهي أنفسكم , وتتلفظون بفخر لغات غيركم , ما هي إنتاجاتكم الفكرية في اللغات الأجنبية التي تمشدقون بها وبقدراتها؟!
إن الذي لا يستطيع أن ينتج فكرا بلغته الأم لا يمكنه أن ينتج شيئا بلغات أخرى , ومعظم العرب المنتجين للفكر , أنتجوه بلغتهم العربية أولا ومن ثم بلغات أخرى , وجبران خليل جبران مثلا , وغيره من المبدعين العرب المعروفين.
فمن العيب أن ينهض من العرب مَن يتحدثون ويكتبون ويروجون لمفاهيم ضد اللغة العربية , وما العيب إلا فيهم وبنفوسهم الممرغة بالدونية والإنكسارية والعجز والفنوط والتهكم والمواقف السلبية من ذاتهم وموضوعهم , وأرجو منهم أن يقدموا لنا مثلا واحدا على أن العربية لا تنتج فكرا.
ومن الأفضل لهم أن يصححوا مفاهيمهم ويقولها بوضوح , أن العربي لا ينتج فكرا , لأنه متوحل في أطيان الباليات , ويأبى أن يكون في زمنه ويرى بعيون عقله ومنظار بصيرته , وأنه مكبل بعواطف وإنفعالات باثولوجية تصيبه بالعمى الحضاري , والنضوب الفكري والأخلاقي والقيمي الذي أوصله إلى أرزء المآلات والأحوال.
عاشت لغة الضاد خالدةً في ضمير الأجيال!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here