فلسفة : هل يستوي في النهاية، ان اكون قد جئت للحياة وألاّ اكون قد جئت ؟

فلسفة : هل يستوي في النهاية، ان اكون قد جئت للحياة وألاّ اكون قد جئت ؟ *
د. رضا العطار

قد يخيل الينا في بعض الاحيان ان الحياة حقيقة تجريبية تقع بين سرين : سر الولادة وسر الموت. ولكن الواقع ان الحياة نفسها سر غيبي (ماورائي) لا تكفي لتفسيره واقعة الاستمرار الزماني. صحيح ان الألفة قد لا تجعلنا نفطن الى تلك (الغرابة العميقة) التي يتسم بطابعها، حياتنا البشرية المتناهية. ولكن من المؤكد انه حتما يضرب القدر بعصاه السحرية شخصا عزيزا علينا، فاننا عندئذ لا نلبث ان نفيق من غيبوبتنا الفكرية لكي نتأمل الحياة غلى ضوء تفكيرنا في الموت.

يقول الفيلسوف الرواقي سكان : (انني لأشعر بانه قد كان من الممكن لي ألاّ اوجد – – – أجل فلقد كان في الامكان ألاّ اكون على الاطلاق، لو ان والدتي لقيت حتفها قبل ان تلدني – – – واذن فأنا لست بموجود ضروري او واجب الوجود ) واضاف ) لا بد لنا من ان نعيش كل لحظة من لحظات الزمان كما لو كانت هي الأخيرة ).

ولولا الموت، لما انبثقت أصالة الحياة الغيبية الماورائية من غمرة الابتذال اليومي !
وحينما قال الفيلسوف الاغريقي افلاطون ان ( الحياة هي تأمل الموت ) فانه كان يعني بذلك ان للموت طابعا فلسفيا يولّد لدينا الاحساس بالغرابة او الشعور بالدهشة !
لكن افلاطون في غير ما حاجة الى (الموت) من اجل التفكير في اصالة الحياة، لأنه يدرك منذ البداية ان الاستمرار الزماني نفسه هو سر الاسرار.

والحق ان ثمة فارقا كبيرا بين ( مالم يوجد ) اصلا و ( ما لم يُعد بعد موجودا ) !
وآية ذلك انه حتى حين يجيء الموت فيطوي حياة الموجود البشري، فستظل الحياة التي عاشها هذا الموجود حينا من الزمن، واقعة ثابتة هيهات لأية قوة في الوجود ان تمحوها او ان تجعلها وكأن لم يكن !

واذا كان في استطاعة الموت ان يهدم كل ما كان يملكه الموجود الحي او ان يقضي على (كل) ما كان يستمتع به، فانه لن يقوى مطلقا على الغاء واقع وجوده بحيث يجعله وكأن لم يكن ! صحيح ان هذا الحدث هو مجرد حدث عرضي عابر ولكن هذا الحدث العابر نفسه حقيقة ابدية خالدة ! فليس في استطاعة اية قوة في الوجود ان تطمس معالم حياتي من انفعالاتي واحاسيسي ومشاعري فضلا عن انجازاتي المادية والمعنوية، وكأنني لم اعش اصلا. او كأنني لم اهوى ولم اعشق يوما – ومعنى هذا انه لا يمكن ان أستوي في نظر الوجود ان أكون قد عشت ووجدت بالفعل، وألاّ أكون قد وُجدت او عشت اصلا.

فلا غرو ان يصرخ – لامارتين – في قصيدته المشهورة (البحيرة) قائلا :
( ليقولوا ما يقولون، لقد احببنا بعضنا وكنا عاشقين.! )

فانه كان يعني بذلك واقعة وجودهما – – – واقعة حبهما، قد تسجلتا الى الابد في سجل الزمان. فلن يملك احد بعد الاف السنين سوى ان يقول ( لقد احببنا، لقد عشنا )
فالانسان الموجود في صميم هذه الحياة – هو كائن فائق للطبيعة Surnatural
فنحن جميعا كائنات شخصية فريدة لا تقبل الاعادة وقد تكون كل كرامتنا وكل قيمنا وقيمتنا في اننا نمضي ونموت دون ان نُصبح عدما محضا وكأننا لم نكن اصلا او كأننا لم نوجد يوما ! واذا كان التناهي بالنسبة الينا قيمة لا متناهية، فذلك لان السر الخفي يكمن عنده في معجزة الحياة.

اختتم الموضوع بقصيدة ( وللعمر بقية ) للشاعر الدكتور محمد ربيع :

ادركت ان الحياة مسرحية عبقرية
وكائنات الكون ممثلون محترفون
يلعبون ادوارا مرسومة متوارثة عشوائية
حزينة سعيدة عابسة باسمة غوغائية
بعضها مثير وبعضها ممل
بعضها مريح وبعضها مريب
وكثيرها بلا طعم، او لون اوقضية

الحياة والممات فصول متتابعة جدلية
رواية واقعية خيالية هزلية
مكتوبة بكل اللغات والكلمات والرسومات
مشاعر حب، خوف، ثورة، كبت، وحرية
عمر ينتهي ليعود في ثوب جديد
يعيد الشيخ فتى والعجوز صبية

هكذا قال لنا الاجداد والقدماء
حكماء العهود الغابرة والانبياء
والغموض يبقى هو الحقيقة السرمدية
لا احد يعرف متى تنتهي المسرحية

* مقتبس من كتاب مشكلات فلسفية لمؤلفه الدكتور زكريا ابراهيم استاذ علم الفلسفة في جامعة القاهرة. مع اضافة لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here