النمطية الخائبة!!

النمطية الخائبة!!
وصلتني رسالتين تمثلان نمطية التفكير السائدة في واقعنا , والمساهمة في صناعة وتثمير الويلات والتداعيات , أولهما تتحدث عن الدول الأوربية في بداية القرن العشرين إجتمع قادتها بقيادة بريطانيا العظمى آنذاك , وهدف الإجتماع الإجابة على سؤال كيف نبقى في القمة والقوة , وكان الجواب أن نهيمن على المنطقة العربية لما فيها من ثروات وخصائص ستراتيجية وبواسطتها نتحكم بالعالم.
وتمخض الإجتماع عن خطة كان أولها تحرير المنطقة من قبضة الدولة العثمانية , وزرع جسم غريب فيها , وتمزيقها وإشاعة الإحتراب بين أهلها , وتسخير الدين لتنازعاتها وإلهائها ببعضها , وحكمها بالنيابة بواسطة حكام مأجورين أو ينفذون الأجندات بحذافيرها.
وثانيهما أن فلان الفلاني يريد أخذ النفط , وأنه يعمل بجد وعزيمة وإصرار على مصادرته من أهله , وهو يقولها بصراحة أن الدولة الفلانية عليها أن تدفع الفاتورة , وأنها في الحقيقة دولة مرهونة بإرادة جارتها , وأهلها يفترس بعضهم بعضا كالوحوش , ومن الواجب أخذ نفطها منها.
وأصحاب الرسالتين يدعون للتظلم واللطم والتسليم بالأمر الواقع وتأكيد الإنكسارية والشعور بالإمتهان.
وهذا الأسلوب في التفكير هو السائد في واقعنا منذ بداية القرن العشرين , وما أسهل الميل للتغني بالأعذار وتخليقها , ولهذا ترانا قد درجنا على إسطوانة , لماذا تخلفنا فيأتيك الجواب الفوري بسبب الدولة العثمانية وسياساتها الغاشمة , ولماذا بقينا نراوح في مكانهم, سيكون الجواب بسبب الإستعمار الظالم.
ولماذا تقدمت الدول التي كانت بعدنا وتمزقنا, قالوا إنها الصهيونية والإمبريالية.
فلكل سؤال جواب جاهز عاجز!!
و تسأل عن الفعل والعمل , فتواجَه بالصمت والوجوم !!
وعندما تحث على الجد والإجتهاد تتهم بالطوبابية والخيالية والفنتازيا!!
وحالما تتملكك الحيرة والعجب , يأتيك القول بأنه قدر مكتوب , وقد قال بذلك فلان وفلان , ويأتونك بأحاديث مختلقة وكلمات منسوبة لرموز تأريخية أو دينية!!
وتزداد حيرة ودهشة , وتريد حلا فيكون الرد , هذه دنيا فانية وعلينا أن نشقى فيها ونتعذب لكي نفوز بنعيم الآخرة!!
وما أن تذكّر بالدين , حتى تهب بوجهك عاصفة إنفعالية هوجاء تلقي بك في وديان الكفر والإرتداد عن سواء السبيل!!
وهذه النمطية التفاعلية دمرت الوجود العربي , وقيّدت الأجيال بأصفاد الجمود والتعفن والمراوحة في مستنقعات آسنة تتكاثر فيها عظايا الضلال والبهتان.
فالحياة تنازع وتصارع ويفوز فيها القوي الأمين على مصالحه وأهدافه , وينهزم فيها الضعيف الخائن لمصلحته والتائه بلا أهداف.
فالعرب أعداء أنفسهم ومصالحهم وأوطانهم وشعوبهم , ويلقون باللائمة على الآخرين الذين يتربصون الفرص فينتهزونها وينفذوا من خلالها , وينقضون بأنيابهم ومخالبهم على فرائسهم الوديعة , التي تحلم بالآخرة وتنكر الدنيا وما فيها.
إن الحياة غاب شرس بحاجة إلى تحدي وكفاح وتماسك , وإتحاد وتعاضد وإيمان مشترك بالهدف والغاية المستقبلية الحاضرة في الوعي الجمعي , وهذا ما ينقص العرب ويمنعهم من التخلق والتحقق المعاصر , فبرغم توفر عناصر القوة فيهم , لكنهم يحولونها إلى مصدر ضعف وهوان وهذا ديدنهم , والأمثلة عديدة ولا تحصى , وفي القرن الحالي لدينا الكثير منها , إبتداءً بالعراق وإنتهاءً بما يحصل في منطقة الخليج , كما أن تحويل نعمة النفط إلى نقمة وسلاح ضد العرب , لأفصح دليل على إرادتهم المضادة لذاتهم وموضوعهم.
فلماذا نلوم الآخرين ونتهمهم , وهم الغيارى على مصالحهم ونحن ألد أعداء مصالحنا؟!!
فمتى سنستفيق من غينا ونؤمن بالذود عن مصالحنا متحدين؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here