كامب ديفيد

كامب ديفيد

نظام حكم وليست معاهدة

محمد سيف الدولة

[email protected]

يخطئ من يتصور أن معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 26 مارس 1979، والتى تحل هذا الشهر ذكراها الثانية والاربعون والمشهورة باسم اتفاقيات كامب ديفيد، هى مجرد اتفاقية ثنائية استطاعت مصر من خلالها استرداد ارضها المحتلة، مقابل اقامة علاقة طبيعية مع (اسرائيل) وبعض الترتيبات والتنازلات الامنية والعسكرية المصرية فى سيناء.

***

فكامب ديفيد هى أشمل وأخطر من ذلك بكثير؛ هى نظام حكم كامل متكامل، وضعه الامريكان و(اسرائيل) وحلفاؤهم لتفكيك مصر التى حاربت وانتصرت فى حرب 1973، وبناء مصر اخرى تابعة للامريكان لا ترغب فى قتال (اسرائيل) او فى تحديها، وان رغبت لا تستطيع. ان كامب ديفيد هى عصر كامل قائم بذاته ونظام حكم يتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتنا منذ سبعينات القرن العشرين حتى يومنا هذا.

انه ذلك النظام الذى كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الامريكى لحكم مصر، والذى يمكن تلخيصه فيما يلى:

1) تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح الا بإذن (اسرائيل) وفقا للملحق الامنى من المعاهدة، حتى تظل رهينة التهديدات الاسرائيلية المستمرة، بما يمثل اقوى اداة ضغط واخضاع فعالة لاى ارادة مصرية، خاصة فى ظل عقدة 1967 التى لا تزال تسيطر على العقل الجمعى لمؤسسات الدولة المصرية.

2) مع اعطاء الامريكان موطئ قدم فى سيناء، وقبول دخول قواتهم الى هناك لمراقبة القوات المصرية، ضمن ما يسمى بقوات “متعددة الجنسية والمراقبين” التى يرأسها سفير فى وزارة الخارجية الامريكية ولا تخضع للامم المتحدة.

3) مع اعطائهم تسهيلات لوجستية فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى، قال عنها الامريكان، انها كان لها دورا كبيرا فى نجاح قواتهم فى غزو العراق.

4) مع الانخراط فى كل احلافها العسكرية، والالتزام بما تقيمه من ترتيبات امنية فى الاقليم، وتنفيذ الادوار والمهام التى تطلبها منا فى حروبها واعتدائاتها العسكرية فى المنطقة بدءا بما يسمى بحرب تحرير الكويت مرورا بغزو افغانستان والعراق .. وحتى يومنا هذا.

5) تصفية الاقتصاد الوطنى الذى كان يدعم المجهود الحربى اثناء الحرب، واستبداله بمعونة عسكرية امريكية 1.3 مليار دولار تستهدف ترسيخ النفوذ الامريكى فى مصر واحتكار غالبية التسليح المصرى والتحكم فى موازين القوى لصالح (اسرائيل) مع تسليم الاقتصاد المصرى الجديد لصندوق النقد والبنك الدوليين لادارته وتوجيهه والسيطرة عليه.

6) تاسيس نظام حكم سياسى جديد تكون على راس اولوياته حماية امن (اسرائيل) والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامريكية، التى يجب ان توافق على شخصية رئيس الجمهورية وفقا للتصريح الشهير للدكتور “مصطفى الفقى” عام 2010، مع فرض حصار سياسى وامنى على كل من يرفض الاعتراف باسرائيل ويناهض اتفاقيات كامب ديفيد.

7) استئثار وسيطرة راس المال الاجنبى والمحلى على مقدرات البلاد وثرواتها. وصناعة طبقة من رجال الاعمال المصريين تكون لها السيادة على باقى طبقات الشعب، وتقوم بدور التابع والوكيل المدافع عن مصالح وسياسات الامريكان والصهاينة فى مصر.

8) تصفية اى تيارات وطنية ايا كانت مرجعيتها الايديولوجية، تناهض الولايات المتحدة و(اسرائيل)، مع كسر شوكة الشعب المصرى والقضاء على روح الانتماء الوطنى لديه.

9) وتفاصيل أخرى كثيرة لا نزال نعيش تحت وطأتها حتى اليوم.

***

ان الذين يدَّعون ان (السلام المصرى الاسرائيلى) اصبح امرا واقعا وراسخا اليوم، وواحدا من اهم الركائز والمسلمات والثوابت التى تقوم عليها الدولة المصرية ومؤسساتها وسياساتها، ويدَّعون ان التطبيع الجارى اليوم على قدم وساق بين عديد من الدول العربية وبين (اسرائيل)، يثبت صحة وحكمة الطريق الذى انتهجته مصر مبكرا منذ اربعين عاما، ويتهمون قوى المعارضة الوطنية بانهم ما زالوا يعيشون فى العصور الوسطى، ويسفهون مواقفهم التى تناهض (اسرائيل) وترفض الاعتراف بشرعيتها والتطبيع معها وتطالب باسقاط المعاهدة والتحرر من قيودها وآثارها المدمرة…

الى هؤلاء، نقول ونؤكد أن فصل النهاية لم يكتب بعد، وأن الامور يستحيل ان تستقيم وتستقر فى مصر أو المنطقة كلها، بعد عام او عقد او بضعة عقود الا بعد تحرير مصر من براثن التبعية ومن قيود المعاهدة لكل الاسباب التى ذكرناها عاليه، بالإضافة الى تحرير كامل الارض المحتلة وتطهير المنطقة كلها من هذا الكيان المسمى باسرائيل.

وتأملوا حالة الرفض الشعبى المصرى القاطع للتطبيع مع العدو رغم مرور 42 عاما على المعاهدة، فهذا الشعب الكريم الذي قد يظهر للبعض احيانا انه قد خضع واستسلم للامر الواقع، ما ان نال حريته الحقيقية لبضعة شهور قليلة ابان ثورة يناير، الا وانطلقت جموعه الغاضبة لحصار السفارة الاسرائيلية واغلاقها فى سبتمبر 2011، لتعيد وتؤكد حقائق ثابتة على مر التاريخ من ان الشعوب لا تستسلم ابدا لاعدائها. فلعلها تكون عبرة لمن يعتبر.

*****

القاهرة فى 26 مارس 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here