سهرة مع الجن (قصة قصيرة)
اليوم كان يوماً استثنائياً ، منذ وصوله وحتى هذه اللحظة كان ينظر الأستاذ الي ويبتسم ، أنا من دون التلاميذ الأخرين ، لاحظت ذلك كما قد لاحظ جميع التلاميذ ذلك منذ البداية وكأن لديه مفاجئة لي ، لذا لن يخبرني بحضورهم ، سوف يبلغني بعد ان ينصرفوا .
فعلاً ، ما إن إنصرفوا طلب بقائي ، لم ينتظر خروجهم حتى لفني بذارعه مبتسماً :
– اليوم يجب ان تذهب .
– ماذا ؟ .
– لقد وقع عليك الاختيار .. كما أنك كنت متفوقاً طيلة الأشهر الست التي قضيتها تحت اشرافي ورعايتي.
كم كنت سعيداً بذلك ، مرت ستة أشهر وأنا أنتظر هذه اللحظة ، الأن لاح لي بريق من الأمل ، آن الأوان كي أغير حياتي والى الأبد ، سئمت الفقر والفاقة ، العوز والحاجة ، العطالة والبطالة ، وأنتظار التعيين والوظيفة بعد أن مضت عشرون سنة على تخرجي من الجامعة ، آن الأوان كي أحقق أحلامي بعيداً عن الحكومة والوقوف على أبواب المسؤولين والدوائر الحكومية .
كنت في نشوة ، كنت أعيش اللحظة ، حين قاطعني الأستاذ قائلاً:
– يجب أن تذهب اليوم الى المدينة .. خذ هذه الوريقات .. لكل مرحلة ستمر بها ورقة تعليمات يجب ان تنفذها بالحرف الواحد.
صامتاً ، تناولت الوريقات ، على ان افتح اول وريقة عند وصولي عصراً الى المدينة ، هرعت مسرعاً ، حتى دون أن أخبر أهلي ، انطلقت بي السيارة الى تلك المدينة ذات المقابر الكثيرة والواسعة ، هناك ، عندما وصلت ، فتحت الوريقة الأولى ، فإذا مكتوب فيها :
– اسرق سبع تمرات فقط ستكون طعامك حتى صباح اليوم التالي ولا تتناول أي شيءٍ أخر.
عجيب حقاً ، سبع تمرات فقط ، ليلة كاملة ، ثم ماذا ؟ أسرقها ! ، ما هذا ؟ ، ما الذي يجري ؟ ، أيكون الأستاذ قد خدعني ! ، حسناً ، أنا لا أسرق ولن أسرق ، طويت الوريقة ورميتها جانباً ، وانطلقت الى السوق ، سبع تمرات لا تكفيني قط ، لكن .. ماذا عن التعليمات؟ ، لا تهم مخالفتها طالما وإنها تخالف تعاليم الاسلام والخلق الحسن ، حسناً ، اشتريت نصف كيلو تمراً ، أخذت منه سبع تميرات ، ووزعت الباقي على بعض الفقراء ، ثم اشتريت نفر كباب ونصف كيلو بصل وكيلو موز وكيلو برتقال وكيلو تفاح ونصف كيلو من العرموط المتعرمط (الناضج)، حملت كل شيء وانطلقت نحو المقبرة .
وقفت على بوابة المقبرة الكبيرة ، فتحت الوريقة الثانية ، فإذا مكتوب فيها :
– إياك أن تقرأ شيئاً من القرآن .. وأشغل نفسك في أول أغنية تداعب مخيلتك حتى تصل الى المكان.
فعلاً إن الأمر غريب ، الاستاذ طيلة الأشهر الست كان يوصينا بقراءة القرآن ، فما حدا على ما بدا ، أرادني أن أسرق ثم لا أقرأ القرآن وأنا أسير بين القبور ، إنها مفاجئة غريبة جداً ، أين ذهبت تعاليم ومحاضرات هذا الأستاذ عن الدين وتعاليمه الحنيفة ؟ ، المهم ، سوف أدخل المقبرة وأغني ، لكن ماذا أغني؟ ، فجأة وعلى حين غرة ، غزت ذهني أغنية من أيام الطفولة كنا نغنيها مع أطفال الحي ، سأشغل نفسي بها حتى أصل الى المكان المحدد:
(( أنا أحب الحمامات … أنا أحب الدجاجات .. أنا أحب الحيوانات .. وأحبك جداً يا سمنان
أنا أحب الأرانب … أنا أحب الثعالب ..أنا أحب السناجب .. وأحبك جداً جداً يا حصان
باوع عالحمامات ..يطيرن في السموات .. يفترن على البيت .. زاجل الاجي ورخيت
لالا …لالا…لاااااااااااااه
أنا أحب الحمامات … أنا أحب الدجاجات .. أنا أحب الحيوانات .. وأحبك جداً يا سمنان
أنا أحب الأرانب … أنا أحب الثعالب .. أنا أحب السناجب.. وأحبك جداً جداً يا حصان
باوع علدجاجات .. على الديج ملتمات .. يكلله الليلة يمنه بات ..
عدنه شعير وحنطات …
لالا …لالا…لاااااااااااااه
أنا أحب الحمامات … أنا أحب الدجاجات .. أنا أحب الحيوانات .. وأحبك جداً يا سمنان
أنا أحب الأرانب … أنا أحب الثعالب .. أنا أحب السناجب.. وأحبك جداً جداً يا حصان
هل تعرف سغيفريد .. ما عنده شي مفيد
لم اكمل الأغنية ، فزعت وارتجفت عندما سمعت صوتاً غريباً من بين القبور قال:
– يا معتوه !.. لو تعلم ما نحن فيه لما غنيت !.
كان حقاً مرعب ، على كل حال لست معتوهاً ، لكن .. سوء طالعي أجبرني على خوض هذه المغامرة المرعبة ، وكل المغامرات مرعبة ، لعل هذه الأكثر رعباً ، فالغاية تبرر الوسيلة ، أريد أن أكون غنياً وأتزوج بزوجة جميلة ، وأشتري بيتاً كبيراً وسيارة فخمة وكمية كبيرة من الذهب والفضة والمجوهرات والأوراق النقدية ، دعونا من هذه الاحلام ، فزعت وركضت بكل ما أستطيع من سرعة حتى المكان المحدد ، حيث سألتقي بالعفريت عطعطوطي المفتاح لملك الجن السابع ، وقد اكتفي به إن تمكنت من تحقيق أحلامي ، جلست ، وبعد أن هدأ روعي تناولت الوريقة الثالثة وقد كتب فيها:
– لا تصلي ابدا لا المغرب ولا العشاء .. ثم لا تستقبل القبلة بل اجلس مستدبرا القبلة.
ما هذا الكلام يا استاذي ؟ تماماً على العكس مما علمتنا ، لم يكن الاتفاق هكذا ، فقد كان الأستاذ يوصينا بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها ، لماذا قلبت كلامك كله رأساً على عقب ، فتحت الوريقة الرابعة :
– كل التمرات السبع .. وتجرد من كل ملابسك .. كما خلقتني يا ربي!.
يا للهول ! ، أتعرى في هذا المكان الموحش وبين القبور ، تماماً ومن كل الملابس ، يا للفظاعة ، لم أكن أتصور للحظة أن الأمور تدار بهذه الطريقة ، على كل حال لا يمكنني التراجع ، سوف أستمر ، الغاية تبرر الوسيلة ، لكني سأخالف التعليمات ، أكلت التمرات وأديت صلاة المغرب ومن ثم صلاة العشاء ولن أتعرى ، ثم فتحت الوريقة الخامسة :
– العفريت عطعطوطي لن يحضر لك ما لم تطلب حضور ابنته المدللة الأميرة عطعوطة ذات الحسن والجمال ، في هذه الحال ، أربط رجليك بحبل كي لا تهرب ولا تتقدم نحوها ، ثم أربط يديك بحبل اخر كي لا تلمس منها شيئاً .
لم تخبرني كي أجلب معي حبل يا أستاذ ، من أين سآتي بالحبل في هذا المكان وفي هذه الساعة ؟ ، فتحت الوريقة التي تليها :
– ستحضر الوصيفات أولا سيطلبنك منك ان تتراجع عن طلبك حضور الأميرة عطعوطة وسيقدمن لك سلة من الذهب والجواهر النفيسة مقابل ذلك .. إياك أن تلمس شيئاً وأصر على طلبك لحضورها سوف يلححن عليك بالتراجع لا تقبل التراجع وأمض قدماً .. ولا تلمس شيئاً مما في السلال .
حسناً ، نزعت البنطلون أحكمت ربط رجلاي ونزعت قميصي وربطت كلتا يدي ، كنت قد أشعلت البخور ، لم أخبركم أني قد جلبت معي كمية لا بأس بها من البخور ، وشرعت بتلاوة العزائم والأقسام التي تسمى نورانية ، الأمر مضحك وإن كان مخيفاً على أي حال ، مضت ساعة ولاحت في الأجواء أشباح بيضاء تقترب مني ، فإذا هن الوصيفات كما وصفهن الأستاذ ، كل واحدة تحمل سلة من الجواهر النفيسة والثمينة ، أخبرتني احداهن إن الأميرة عطعوطة في مكان بعيد ولا يمكنها القدوم بسبب انشغالاتها ومشاغلها ، عرضن عليّ المجوهرات مقابل أن انسحب.
– أنت تبحث عن الغنى .. هذه ستغنيك طوال حياتك وستمتد ثروتك حتى أحفادك !.
– كلا ..كلا .. أريد مقابلة الأميرة عطعوطة.
بعد مداولة شرسة وتفاوض مرير وافقن وانصرفن ، على أن تأتي الأميرة عطعوطة في غضون نصف ساعة وعلامة حضورها دخان أبيض ، جلست انتظر ، حررت يداي وتناولت الموز ، مضت نصف ساعة ولم تأتي ، كيف سأشغل نفسي ؟ ، يجب أن أشغل نفسي بشيء ، فتشت الأكياس ، لقد نفد الموز والبرتقال والتفاح ، لم يبق سوى العرموط (الكمثرى) ، لا شيء غيره ، بينما كنت أهم بإخراج واحدة ، فإذا بدخان أبيض ينسل من بين القبور ، بدا كأنه يحضتنها احتضاناً ، لقد كان أبيضاً لدرجة أنه قد أزال الظلمة من المكان ، لو كان هناك شخص قريب لتمكن من رؤية الدخان ، و ربما رآني ، دسست يداي في القميص الذي لففته كالحبل ، كي أبدو مقيداً ، بمجرد أن بدأ الدخان بالتكاثف أمامي كالعمود ، فجأة ، ظهرت فتاة حسناء عارية تماماً ، لم يسبق لي رؤية فتاة عارية من قبل وبهذا الشكل ، كما لم يخبرني الأستاذ الروحاني من إن الأميرة عطعوطة ستكون عارية ، لكنه أكد كثيرا وصوته لا يزال يدوي في ذهني ومخيلتي :
– لا تلمس شيئاً .. إياك !.
الأن ، فهمت ما يقصد ، تقدمت نحوي تتمايل كالأفعى ، بخطى ثابتة ، قالت بصوت رخيم:
– كم أحب شباب الأنس العاري ! .
ثم ابتسمت وضحكت ، فقلت لها مستفهماً فأجابت :
– ألست أنت عارٍ !.
فعلاً ، في البداية كنت قد رفضت التعري ، لكني تجردت من بنطالي كي أربط قدماي وكذلك تجردت من قميصي كي أربط يداي ، ونسيت أني قد تعريت بهذه الطريقة ، ثم أردفت :
– كم احب الولد العاري !.
لصوتها وقع في قلبي ، هيجني أشد هياج ، واستمرت بمداعبتي بكلام لن اخبر أحداً عنه ، اقتربت مني أكثر وأكثر ، حتى تمكنت من رؤية مسام بشرتها ناصعة البياض ، وكنت أتشوق أكثر كي أتقدم أنا بدوري لها ، لكن تحذيرات الأستاذ لا زالت ترن في أذني :
– إياك .. ثم إياك!.
كانت المبخرة تبعد عني نصف متر ، وقفت عندها ، يمكنني رؤية تفاصيل هذا الجسد العاري وكل زواياه ، حتى إني أحسست بحرارته ، وهبّت نسائم عطرة نحوي ، فتراجعت بدوري ، لكن ببطء ، حيث لا يمكنني التراجع طالما رجلاي مقيدتان ، شعرت بشيء من الخوف والرعب ، ممزوجةً بشيءٍ من الأثارة ، فجأة ، ابتعدت عني واستلقت على أحد القبور وقالت بصوت واثق:
– هيّا !.
لا أعرف ، هل هو الخجل أم الخوف ؟ ، فلم يسبق لي ذلك مع أية أنسية ، بحثت عن عذر فوجدته:
– ألست متزوجة؟.
– نعم.
– إذا لا يمكنني معاشرة المتزوجات .
هل هي البلاهة أم ذكاء شديد ؟ ، نهضت مستقيمة وعلى وجهها ظهرت آثار الغضب تقدمت نحوي مسرعة وصرخت في وجهي من مسافة قريبة جداً :
– لقد قبلت دعوتك .. فلم لا تقبل دعوتي؟.
هكذا ، لا يمكنني الوصول الى العفريت عطعطوطي إن أغضبتها ، يجب أن ارضيها وأمتص غضبها ، قلت لها أخشى من زوجك فقد ينتقم مني ، فقالت:
– لا أخشى عليك من الملك عطعطران زوجي الحالي .. لكن ربما ازواجي السابقين سوف يطاردونك.
– ولماذا تريدينني أن أقع في مأزق كهذا؟.
– أنت ذكي ويمكنك الافلات منهم .. لكني أريد أن اغيظهم وأغضبهم فهم لا يحتملون شقاوتي .
– كم زوجاً لديكِ؟
– سبعة وسبعون!.
ما هذا الرقم أيتها الأميرة ! ، سبعة وسبعون زوجاً لديك ، تريدين مني أن .. ، كلا لن أفعل ، أنا لست كذلك ولا يمكنني فعل ذلك ، أنت بالنسبة لي كقطعة الحلوى التي تحوم فوقها اسراب الذباب ، نعم ، الجميع يحب الحلويات ، لكن يجب الاهتمام بالصحة أيضاً ، بدت إنها مقتنعة من كلامي وبادرتني السؤال:
– إذاً .. ماذا تريد مني؟.
– أريد من خلالك أن أصل الى أبوكِ العفريت عطعطوطي .. فأنت أبنته المدللة وهو لا يرفض لك طلباً.
– هكذا إذاً… كم أنت ذكي ! .. حسناً لك ذلك .. أنت تستحق .. لكن هل لديك القدرة لمقابلته؟.
– نعم .
– ولماذا تريد مقابلته ؟.
– أريد أن أكون غنياً .. أشتري بيتاً وسيارة وأقيم مشروعاً كبيراً يدر عليّ المال الكثير الوفير .. وأنهي حالة البؤس والشقاء.
– هذا فقط .
– نعم .. لا شيء أخر.
دخلنا في نقاش حاد وجدال مطول ، لا يخلو من بعض الرومنسيات ، التي لن أخبركم عنها كي لا تعرفوا مدى خبرتي في هذا العالم فتقتبسون وتتعلمون مني ، في نهاية المطاف أخبرتني إنها جداً سعيدة للتعرف عليّ ، ووعدتني إن أبوها سوف يأتي في غضون ساعة , وبدأت بالانصراف تدريجياً ، كما جاءت ، تحولت الى سيل من الدخان الأبيض الثلجي الناصع ، وبدأ ينسل متراجعاً من بين القبور ، كما جاء إنسحب وتلاشى ثم أختفى كل شيء ، وعدت للجلوس وحيداً ، منفرداً ، حررت يداي بعد إن شعرت بالجوع ، وتناولت كيس العرموط (الكمثرى) وشرعت بتناولها واحدة واحدة بشغف وشهية مفتوحة وكنت أردد :
– سوف أتعرمط مع هذه العائلة ! .
مرت ساعة كاملة وأنا أقرأ العزائم والأقسام الخاصة بحضور العفريت عطعطوطي ولم يأت بعد ، أكملت قراءة العزائم بالعدد المطلوب كاد البخور ينفد وأنا أردد :
– هيّا أقبل أيها العفريت عطعطوطي .. أقبل دعوتي وشم دخنتي .
بين حين وأخر أضع قليلاً قليلاً من البخور خشية أن ينفد وينهار كل شيء ، بدأت أشعر باليأس ، هل سوف يلبي هذا العفريت دعوتي؟ ، ربما نعم وربما لا ، لكنه لا يرفض طلباً لأبنته المدللة قط ، لذا أنا على أمل اللقاء به .
مرت ساعة ونصف ، ولاحت لي أولى علامات حضوره ، ثلاثة اعصارات هوائية صغيرة بدأت تظهر أمامي ، على مسافة خمسة أمتار ، أحدها يقترب مني ، من على جانبي ظهر دخان أسود كثيف ، يقترب من الاعصار القادم نحوي ، ثم التصق الدخان من كلا الجانبين بالإعصار ، تشكلت هيئة سوداء يبدو إنها بشعة ، كأبشع مما تتخيل ، دب الرعب في صدري وفكرت بالهرب من أعماق دواخلي ، لكن أرجلي مقيدة ، لا أملك الوقت الكافي كي أحرر رجلاي وأهرب ، في هذه اللحظة بالذات فهمت السبب في ربط الاقدام ، كي لا افر .. ولا أفكر بالفرار حتى .
بكلام بطني وبصوت يشبه احتكاك الحديد الصدأ خاطبني :
– يا ولد .. كم أنت شقي !.
لم أقوى على الرد ، فلا زلت أحاول استيعاب الصدمة ، أردف:
– نعم .. شقي جداً .. كي تطلب لقائي .
استمر من جانبي الصمت ، في هذه اللحظة تذكرت كلام الأستاذ من أنه سوف يحاول اخافتي ، لا عليّ الا أن لا أخاف ، خيّل لي إن الأرض تشققت ، وظهرت اسراب من النمل ، حجم النملة أكبر من وزة ، تتقدم نحوي بجوع ونهم ، كأنها تريد أن تلتهمني ، قلت في نفسي هذا وهم ، مجرد وهم ، لا شيء من الحقيقة ، ثم ظهرت عقارب ضخمة الحجم من خلفي ، تلتها طيور عملاقة قادمة من فوقي ، ثم هبّت روائح كريهة ملأت المكان ، روائح تزكم الأنوف ، كدت أختنق ، انسل الى داخلي الضعف ، لكني استجمعت قواي قائلاً (كل ذاك وهم .. لا حقيقة له) ، يجب أن أصمد أكثر ، فقد قطعت أشواطاً كثيرة كي أصل الى هذه المرحلة.
سمعت أصوات اللهب من خلفي ، شعلة كبيرة من النار ، يجب أن لا ألتفت ، وأبقى مركزاً على العفريت عطعطوطي ، لكن الشرار يتناثر من خلفي وأصاب ظهري بلسعات خفيفة ، يجب أن أتحمل ما يجري فالقرار كان قراري من اللحظة الأولى ، أما أن أنجح وأفوز أو أموت أو أجن ، شعور غريب وضغط يفوق قدرات وطاقة الإنسان العادي ، لا أعرف كم مضى من الوقت ، لكني وحتى هذه اللحظة لا زلت حياً وسليماً ، جسمانياً وعقلاً ، لذا فلتكن الكرة التالية لي ، استجمعت قواي وحاولت النطق فأفلحت :
– أيها العفريت عطعطوطي لم أتوقع إنك بهذه البشاعة وإن الأميرة عطعوطة الجميلة ابنتك .. كما لم أتوقعك عفناً الى هذا الحد .. أنتم معاشر العفاريت إلا تستحمون ؟!.
صدم لكلامي ، كان يتوقع أن اتوسل به كالأخرين ، حسناً ، أنا هكذا ، أتصرف على سجيتي ، لا أجيد فنون التملق ولست بارعاً به ، ظهرت عليه علامات الغضب ، وتبادلنا أطراف حديث ساخن ، لا أذكر كل تفاصيله ، وتفاصيل أخرى غير صالحة للنشر ، قلت له:
– أريد أن أكون غنياً .. أشتري بيتاً وسيارة وأفتح مشروعاً كبيراً يدر عليّ المال الكثير الوفير .. وأنهي حالة البؤس والشقاء… كيف تستطيع مساعدتي؟ ، استعرض لي شيئاً من قدراتك.
– حسناً ايها الولد الشقي .. أنا أجيد تسليط المرض والنزيف والقتل والوباء والطاعون.
– لحظة .. لا أريد ذلك.
– حسناً .. كما وأجيد تفريق الأخ وأخيه والزوج عن زوجته وتفريق وتشتيت العائلة الواحدة وتفريق الأصدقاء والجماعات .
– لحظة .. لا أبحث عن ذلك .
– حسناً .. وأجيد أيضاً كل فنون السحر والشعوذة وإنزال الخراب.
– هيه أنت ماذا تقول؟ .. كل ذلك ليس من شأني.
– حسناً .. أجيد أيضاً عقد الألسن وتسليط النار والحرارة في أجساد الأنسيين وممتلكاتهم .
– لا أبحث عن ذلك .. أتفهم!.
– حسناً .. أجيد أيضاً أعمال المحبة والشبشبة والتهييج وسلب العقول وتسليط الجنون.
– لا شيء من ذلك يستهويني.
– ماذا تريد إذاً يا ولد؟.
– أريدك أن ترشدني الى أماكن الكنوز فاستخرجها .
هنا ضحك بصوت مرتفع وقال:
– لو اكتشفت كنزاً سوف أحتفظ به لنفسي .. لم أعطيك إياه !.
تبادلنا أطراف جدال عقيم ، ثم حدق في الأفق وقال (سوف تشرق الشمس يجب أن أنصرف فقد جئت من مكان بعيد خارج العراق) ، لم يتبقى لشروق الشمس إلا نصف ساعة تقريباً ، تبادر الى ذهني سؤال :
– لا تجلبون معكم سوى الخراب .. أنتم أيها القادمون من خارج العراق!.
لم يجبني فقد بدأ بالإنصراف كما جاء ، جلست وحيداً ، أشعلت سيكاره ، أندب حظي العاثر ، لم أدع باباً إلا وطرقته ، ولم أوفق في أي مشروع عملته ، حتى هذا المشروع رغم الخطر الكامن فيه لكني لم اتركه ، طرقته بإقدام ، وكانت النتيجة الفشل كما هي الحال في كل مشاريعي السابقة ، أثناء ذلك راودتني فكرة جديدة ، سوف أعود الى هذا المكان في الليلة القادمة ، وأعرض على الأميرة عطعوطة الزواج ، فقد أعجبت بي كثيراً ، سأكون زوجها ذو الرقم الثامن والسبعون ، لا بأس في ذلك ، لعلي عندما أكون زوجا للأميرة قد أحصل على شيءٍ من ثروتها ، ولابد أن تساعدني هي بدورها .
كنت غارقاً في التفكير ، حتى إني قد نسيت نفسي لازلت نصف عاري ، والبخور لازال يتصاعد من المبخرة ، وقدماي لا زالتا مقيدة ، حين سمعت أصواتاً بشرية فيما يبدو إنها قادمة نحوي .
– أنا متأكد إني قد رأيته هناك .. نعم هناك .
– أنظر لا زال الدخان يتصاعد .
– يبدو إنه لم ينصرف بعد.
يبدو إنهم عدة شباب ، ربما خمسة أو ستة أو أكثر ، هل هم قادمون نحوي ؟ ، ماذا يريدون مني؟ ، سمعت أحدهم يناديهم بأسمائهم :
– علوش أنت من هناك .. كيواط بطه أذهب الى تلك الجهة .. أبو درعة أنت سد عليه ذاك الطريق .. ميدو محارة أنت أغلق عليه ذاك الطريق .. وأنت يا ناجي دنكه تعال معي!.
واقعا ، لم ارتح لسماع تلك الأسماء ، وشعرت بالقلق ، ارتديت قميصي على عجل و حاولت النهوض ، تعثرت ، بسبب قيود قدمي ، حاولت تحرير قدمي لكني لم أكن بالسرعة الكافية ، كانوا أسرع مني ، فظهر أمامي شخصين ، ضخام الجثة ، بيد كل منهما عصا غليظة ، ثم سمعت أقدام الأخرين من خلفي وجانبي .
– لا حي لا ميت يسلم منكم.
– ماكو حرمة للمقابر.
– أنتم السحرة والمشعوذين ما تخافون الله !.
كانت هذه أخر كلمات سمعتها ، حاولت الرد لكن بسبب الهلع والرعب تحشرجت الكلمات في حنجرتي ولم تخرج بصورة مفهومة (أريد أن أكون غنياً!) ، وكان أخر شيءٍ رأيته ، يداً تمسك بعصا غليظة ارتفعت نحو السماء ، ثم هوت على رأسي ، عندها لا أذكر شيئاً مما حدث !.
حيدر الحدراوي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط