الإسلام والعنف

الإسلام والعنف
عبدالله عطية شناوة

خلفت جرائم الأرهاب لدى البعض إنطباعا بأن الإسلام، كدين، منتج تلقائي وبالضرورة للعنف والإرهاب والتمييز بين البشر، وانه لا يمكن ان يستجيب لروح العصر، ويتحول الى طاقة روحية إيجابية تحث على السلام والتعاون والمحبة.

ويستند أصحاب هذه التصورات على نصوص إسلامية مقدسة تستثير العنف، وعلى حوادث دموية طبعت أغلب مراحل التأريخ الأسلامي.

نقطة الضعف الخطيرة في هذا التصور ان أصحابه يغفلون ان الدين، أي دين، ليس كتلة سرمدية صلدة تختفظ بخصائصها بغض النظر عن المكان والزمان. بل هو ظاهرة اجتماعية، تأخذ بالإتجاهات العامة لتطور المجتمع الذي تنشط فيه. فأن ساده التخلف تخلفت معه، وان نشط المجتمع علميا وحضاريا، أضطرت لمجاراته والتطور معه.

تخلف المجتمعات الإسلامية العلمي والحضاري، لم يخلق ظروفا ملائمة لتطور الدين، باتجاه حضاري انساني. ويطبع هذا التخلف بطابعه حتى الديانات الأخرى في الشرق، إذا ما قارنا مسيحيته بمسيحية الغرب. وقد لا يجمع بين المسيحيتين المذكورتين سوى الأسم. وربما يكون المسيحي الشرقي أقرب الى المسلم الشرقي من حيث التزمت والتشدد منه الى المسيحي الغربي. وهنا يستثنى المسيحي الشرقي من الميل الى استخدام العنف الجماعي، ربما إرتباطا بكونه يعيش في مجتمعات لا يشكل المسيحيون فيها إلا أقلية. وأكدت تجربة الحرب اللبنانية في القرن الماضي ان المسيحي ليس أقل ميلا للعنف من مواطنه المسلم، ولا أقل قسوة منه، برهنت على ذلك (مجزرتي صبرا وشاتيلا). وذلك ارتباطا بالتكافوء الديموغرافي النسبي بين المسيحيين والمسلمين في لبنان السبعينات.

وهناك نقطة ضعف أخرى في الطرح الذي يربط العنف بالإسلام أستنادا الى نصوصه، تتمثل في أن أغلب أصحابه، ذوو إطلاع جيد على النصوص الإسلامية والفقه والتأريخ الإسلاميين، لكنهم يفتقرون الى اطلاع ومعرفة مماثلين على لنصوص المقدسة للديانات الأخرى، وخاصة الديانتين “الإبراهيميتين” الأخريين، وتأريخهما، ويبنون تصوراتهم وأحكامهم على الواقع الراهن للمجتمعات التي ارتبط تأريخها باليهودية والمسيحية، غافلين عن التشابه الكبير بين الدعوة الى استخدام العنف وتبريره في النصوص القرءآنية وبين نصوص العهد القديم في الكتاب المقدس، وربما كان الطرح القرءآني نسخ لها مع بعض التصرف. وغافلين أيضا عن ما شهدته المجتمعات المسيحية من صراعات وحركات تنوير وإصلاح هائلة، على خلفية ثورات علمية ومعرفية عظمى أفرزت مفاهيم وقيم سلوكية وأخلاقية، وأنماط ومناهج تفكير، لم يعرف العالم الاسلامي مثيلا لها في قرون السبات التسع الأخيرة.

ولا شك ان قرون السبات في العالم الإسلامي، وإقتصار حقول المعرفة خلالها، في مجتمعاته، على “العلوم” الدينية والفقه الديني، لم تساعد على بناء قاعدة معرفية، لمراجعة تلك “العلوم” وتطويرها، بما يساعد على تطوير النظرة الى الدين وأحكامه، وإكسابها مضامين ومحتويات جديدة. وجعلها تنفتح على مناهج تفكير إنسانية، تخرجها من التفسير الحرفي، وإعادة تحديث خطابها، كما جرى في المجتمعات ذات التأريخ “المسيحي”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here