الهجرة المليونية مخاض لولادة إقليم عامر مزدهر

جواد ملكشاهي
لاشك ان احتلال الكويت من قبل النظام الصدامي المباد كان بداية لعد تنازلي لأسقاط النظام بسبب تمرده على القوى الكبرى التي اوصلته للسلطة بانقلاب دموي وعصيانه على المجتمع الدولي برمته بسبب حروبه و ممارساته القمعية ضد ابناء الشعب العراقي واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا وقتل مئات الالاف من المعارضين والمدنيين العزل في القرى والمناطق التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية.
مع تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي من قبل قوات التحالف الدولي بقرار اممي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وهزيمة الجيش العراقي واندحاره بشكل مخزي،انتهز الشعب العراقي الفرصة واندلعت شرارة الانتفاضة في كوردستان ومحافظات الوسط والجنوب وسقطت عدة محافظات بيد الجماهير المنتفضة وبسبب التدخل الايراني ومحاولته لفرض ارادته وسطوته على المنتفضين،اعطت الولايات المتحدة للنظام الضوء الأخضر بقمع الجماهير واستعادة سيطرته على المدن والقصبات التي تمت تحريرها.
لم يتردد النظام بأستخدام اقسى واشد الاساليب لقمع ابناء الشعب العراقي حيث استخدم المروحيات المقاتلة وكلما يمتلك من الأسلحة والذخيرة لأخماد نار الثورة المندلعة ما اضطر ابناء الشعب الكوردي الى القيام بهجرة مليونية الى كل من ايران وتركيا في ظروف انسانية قاسية بعد استشهاد العشرات من الاطفال والنساء والشيوخ بسبب نقص المواد الغذائية ووعورة الطرق التي سلكوها والجوع والعطش.
هذه التراجيديا الانسانية ارغمت المجتمع الدولي الى اتخاذ اجراءات عاجلة لأغاثة اللاجئين واقامت جسور جوية لنقل المساعدات والامدادات لأنقاذ ارواح المدنيين الذين كانوا يعانون من ظروف قاسية للغاية في المخيمات التي اعدت لهم، لم تمضي اكثر من شهرين حتى اصدر مجلس الامن الدولي في 5 نيسان من عام 1991 قراره المرقم (688) وتحديد مناطق امنة في المحافظات الكوردية تحت غطاء دولي والسعي لأعادة اللاجئين الى مناطقهم الأصلية.
تحديد المناطق الآمنه وفرض الحظر الجوي في تلك المناطق كان مبعث طمأنينة للاجئين الذين كانوا يعيشون ظروف قاسية في المخيمات للعودة الى مناطقهم ومزاولة حياتهم،في هذه الاثناء كانت الاحزاب الكوردية المنضوية تحت الجبهة الكوردستانية قد فرضت سيطرتها بالكامل على محافظات اربيل ودهوك والسليمانية استعدادا لمرحلة جديدة من الحياة السياسية في كوردستان.
وفي محاولة اخرى للنظام للضغط على المناطق الكوردية قام بفرض حصار ظالم على تلك المناطق وسحب اجهزته الأدارية منها ما ادى الى خلق ازمة اقتصادية ادارية خانقة،لكن الجبهة الكوردستانية لم تيأس بل عملت بثقة عالية بالنفس لمعالجة الاوضاع وفتحت الحدود مع دول الجوار للتجارة واستيراد البضائع فضلا على ملئ الفراغ في الدوائروالمؤسسات الحكومية وبالاخص الدوائر الخدمية.
في خضم هذه الاوضاع الجديدة والدعم والاسناد العسكري والسياسي الدولي للمنطقة الكوردية بدأت الأستعدادات لأجراء انتخابات نيابية لتشكيل برلمان كوردستان و اول حكومة محلية لأدارة الأقليم واجريت اول انتخابات حرة في 19 ايار 1992 وتشكلت اول حكومة اقليمية برئاسة مهندس الاعمار السيد نيجيرفان بارزاني وشرعت بالعمل على توفير الخدمات ومن ثم الشروع بأعادة اعمار البنى التحتية في المدن والقصبات وصولا الى القرى والارياف.
بالرغم من كل المشاكل والمعوقات السياسية والامنية والادارية والاقتصادية وضعت الحكومة الفتية خطط وبرامج آنية وستراتيجية لأعادة الأعمار وشرعت بالبناء والاعمار بأمكانيات محلية ودعم متواضع دولي،الا ان الحكومة تمنكت من ايجاد مناخات للأستثمارات الاجنبية في الاقليم واستقطبت الشركات المختلفة للعمل  في المجالات المختلفة وبالاخص في مجال البنى التحتية وتوفير الخدمات وبناء مادمرته الحروب في كوردستان.
وفي زمن قياسي انجزت مئات المشاريع واصبحت اربيل العاصمة محط توجه اصحاب رؤوس الاموال للأستثمار واضحى الاقليم لايقل اهمية عن دول الجوار من حيث القوة الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات ودخول مئات الشركات الاجنبية سوق العمل في الاقليم وخلال سنوات قليلة تمكن رئيس الحكومة الشاب الطموح نيجرفان بارزاني من بناء اقليم عامر ومزدهر يضاهي الكثير من الدول التي تشكلت قبل عقود من تشكيل حكومة الأقليم.
واليوم وبعد مرور ثلاثة عقود على تشكيل حكومة اقليم كوردستان ورغم المشاكل مع دول الجوار والمركزبسبب العقليات التي ماتزال متمسكة بالنظام الشمولي المركزي ورغم الحرب ضد الارهاب التي خلفت اكثر من 12 الف شهيد ومصاب فضلا على مئات المليارات من الخسائر المادية ونزوح اكثر من مليوني نازح ولاجئ سوري وايراني الى اراض الاقليم وقطع موازنة الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية منذ 2014ولغاية نهاية 2020 اصبح الاقليم عاملا محليا واقليميا مهما للاستقرار وواحة للتعايش السلمي.
في الختام يبق ان نشير الى ان المخاطر الداخلية والاقليمية على اقليمنا ماتزال قائمة وهناك محاولات كثيرة لتحجيمه او حتى إنهائه وازالته بشكل كامل ما يستدعي الاحزاب والقوى السياسية الكوردستانية الى اعادة حساباتها وانهاء الخلافات والصراعات فيما بينها والعمل معا بروح الفريق الواحد للحفاظ على هذا الكيان القومي الذي قدمنا انهار من الدماء لبنائه وهي ثمرة عقود من النضال والذي يعد اللبنة الاولى لتحقيق الحلم الكبير في انشاء كيان مستقل في المنطقة.

 

في الأربعاء، ٣ آذار، ٢٠٢١ ٢:١١ م Jawad Kadem <[email protected]> كتب:
السيادة العراقية بين المطرقة الاقليمية والسندان الدولي
جواد ملكشاهي
سيادة الدول تعني الحق الكامل للنظام السياسي او الحكومة السلطة على البلاد واتخاذ قراراتها ومواقفها بنفسها بعيدا عن اية املاءات وضغوط داخلية وخارجية، اي ان الدولة تكون صاحبة القرار في كل مايخص مفاصلها المختلفة، وتكون سيدة على  ارض وسماء ومياه الوطن وسلامة الشعب وامنه القومي بمفهومه العام.
منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي والى اليوم، لم تمتلك الدولة العراقية السيادة بالمفهوم الدولي لها، اذ كان التدخل البريطاني في شؤونه واضح كوضوح الشمس في تحديد نوع النظام والفريق الذي يدير الدولة و كانت وماتزال الحكومة العراقية لاتشكل الا بتوافق العاملين الاقليمي والدولي،ويعد هذا بحد ذاته انتهاكاً فاضحاً للسيادة التي طالما تبجحت بها جميع الحكومات التي توالت على حكم البلاد.
لم تختلف انتهاك السيادة العراقية في العهد الملكي عن الجمهوري، حيث خلال العهدين لم نشهد حكومة وطنية منتخبة من الشعب بالمعنى الحقيقي تمتلك زمام المبادرة في  صنع القرار وترجمته على الارض، حيث كانت معظم الحكومات تاتي بانقلابات عسكرية دموية تديرها اجهزة مخابرات اجنبية وفقا لما تقتضيها مصالحها وامنها القومي.
بعد التغيير الذي حصل في 2003 وبدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية العراقية كنا نظن ان النظام السياسي في العراق قد تغير من نظام شمولي دكتاتوري مرتبط بدول وقوى اجنبية الى نظام وطني ينتخبه الشعب بناء على ارادته ومصالحه كأي دولة صاحبة السيادة على ارضها وخارطتها الجيوسياسية، الا ان ذلك كان مجرد حلما ورديا.
 بعد مضي ثمانية عشر عاماً من التغيير اخذت الحياة السياسية في العراق منحى اخر حيث لم يفقد البلد سيادته كاملة فحسب بل وقع تحت الاحتلال الانكلوامريكي، بحيث لم يكن بمقدوره اتخاذ اي قرارمهما كان بسيطا او ستراتيجيا، واضحى العراق ساحة مفتوحة لتدخلات جميع دول الجوار والمنطقة وذلك لارتباط القوى السياسية التي جاءت بها امريكا للسلطة بدول واجندات مختلفة، بحيث اصبحت التدخلات علنية والقوى السياسية لاتخفي بل لاتخجل من اعلان ارتباطها بهذه الدولة او تلك ولا الدول تخفي او تغطي على تدخلاتها في الشأن العراقي.
بعد اعلان النظام السياسي الديمقراطي المزيف من قبل واشنطن وحلفائها وكتابة الدستور ومن ثم اجراء اول انتخابات في عام ٣٠ يناير ٢٠٠٥ تعودنا بعد كل انتخابات برلمانية، وصول مندوبي او ممثلي واشنطن وطهران الى بغداد  للأتفاق على تعيين الرئاسات الثلاث بمباركة الدول الاخرى الحليفة والشريكة معها وبقاء اصوات الناخبين وصناديق الاقتراع مجرد ارقام وقصاصات ورقية لاختيار اشخاص مرتبطين بالقوى السياسية كنواب و وزراء ومادونهم.
ماتحدث به قبل ايام السفير الايراني في بغداد ايرج مسجدي لفضائية رووداو والتنديد بالتدخلات التركية في العراق وتحذيره لأنقرة من القيام باية عملية عسكرية في سنجار واطرافها ورد السفير التركي في بغداد على تصريحات مسجدي بدلا من الحكومة العراقية تظهر جليا مدى تدخل وتطاول الدولتين الجارتين على السيادة العراقية المفقودة بحيث تنظر طهران للعراق كمحافظة ايرانية وتركيا تعده ضيعة تركية وجزء من الأراضي التركية التي لايحق لأحد المساس به.
بعض القوى والاحزاب في الحكومة ومجلس النواب العراقي تحاول ممارسة لي الاذرع في قضية حصة اقليم كوردستان من الموازنة العامة لهذا العام وتطالب بهيمنة وسلطة الحكومة على جميع مرافق اقليم كوردستان في حين هي لاتكترث للانتهاكات الفاضحة للدول الاخرى للسيادة وكرامة الدولة العراقية.
بالنظرلتلك المعطيات المستدلة. عليه تتحمل جميع الاحزاب والقوى السياسية العراقية المشاركة في السلطة في العراق مسؤولية انتهاك سيادة العراق وامنه القومي ولايمكن اعادة السيادة والكرامة للبلاد الا بتجرد تلك القوى عن ارتباطاتها المعلنة وخضوعها لهيمنة دول الجوار والمنطقة والسعي من اجل بناء الدولة على اساس الانتماء الوطني وليس العمل من اجل مصالح الدول التي تملي على تلك الاحزاب والقوى ما تقتضي مصالحها.
في السبت، ٢٧ شباط، ٢٠٢١ ١١:٤٨ ص Jawad Kadem <[email protected]> كتب:

الاستاذ الفاضل انور المحترم ، الزملاء الاعزاء في موقع صوت العراق الموقر ، تحية اخوية صادقة ، مقال جديد بين يديكم للنشر مع شكري وتقديري لجهودكم الخيرة في خدمة الاعلام الحر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here