دولة الكراسي؟!

دولة الكراسي؟!

أية قوة سياسية مهما كان نوعها وتوجهها وإسمها , ما أن تأتي إلى الحكم حتى تقع فريسة لعدم وعيها وفهمها لمعنى القوة ودورها في بناء المجتمع , ولجهلها خبرات ومهارات توظيفها لتحقيق السعادة لها ولمجتمعها , تعيش في مأزق حتى تتهاوى وتنتهي.
والوصول إلى الحكم يعني الجلوس على كرسي يرمز لمنصب , وله دور وتأثير في الواقع من حوله.

وفي مسيرة الدول المتأخرة , تتكرر مأساة صناعة الكراسي وإغفال صناعة دولة النظام والقانون , وتمضي السنوات والأطراف مشغولة بجد وإجتهاد وقصر نظر , ونفقية رؤية وتبعية وتخبط في بناء دولة الكراسي , أي أن الكرسي هو الدولة والهدف والغاية والوسيلة معا , ولا شيئ سواه يمكن أن يفي برغبات الجالس عليه من أية جهة كانت.

ويتم فيها تسخير الديمقراطية لتحقيق دولة الكرسي , ولهذا فأن الإنتخابات تتميز بآليات لا ديمقراطية , وإنما بآليات كراسي , وهذا يعني الخداع والتضليل وسرقة الأصوات لتحقيق رغبات الكراسي , التي لا تهمها إلا مصالحها وتسعى لتأكيدها.

إن الخروج من دولة الكراسي وما تجلبه من ويلات وتفاعلات سلبية وخسائر مادية ونفسية ومعنوية , وما تسهم فيه من خراب وتداعيات , لا بد أن يعتمد على آليات ذات قيمة وطنية وإنسانية , بعيدا عن كل منطق ضيق ورؤية منحرفة نابعة من الكرسي.

وآليات دولة الكراسي تختلف عن آليات دولة النظام والقانون , التي تعتمد على المواطنة الصالحة وإعلاء قيمة ودور المواطن , وتحقيق الموازنة ما بين الحقوق والواجبات , والنظر إلى الجميع
بعين واحدة وبمنظار المساواة والحق والعدالة.

فالمواطنون متساوون في الحقوق والواجبات , ويجب أن يكون هناك دستور ديمقراطي إنساني وطني , يضمن القيمة والكرامة ويساهم في التقدم والقوة والسعادة لأبناء الوطن.

ودولة النظام والقانون ليست شعارات وإدعاءات وكلام في الصحف وأجهزة الإعلام , بل تحتاج إلى طرح واضح دقيق وإقران صادق ما بين القول والفعل.

إن ما يجري في بعض المجتمعات ترسيخ لدولة الكرسي , وطمس لدولة الشعب والديمقراطية والحرية والنظام.

فدولة القانون تتبع للوطن ومصلحته وحقوق أبنائه وأمنهم وكرامتهم , وتوفير أسباب الراحة والحياة الكريمة المعاصرة لهم , وهذه مسؤوليتها الأساسية.

إن الإنتقال من دولة الكرسي إلى دولة القانون , يحتاج إلى قائد تأريخي نزيه جريء شجاع , مؤمن بوطنه وشعبه , ومترفع عن كل نظرة منحرفة وموبوءة بالآفات السلوكية , ويكون نقيا طاهرا إنسانيا نبيلا عادلا , لا يلين أمام قبضة الكرسي , فهو أعلى شأنا منه وأعظم , ولا يسقط ضحية بيد حاشيته ومستشاريه الطامعين , ويلتزم صوت شعبه ويجاهد في سبيل إزالة الفقر والجهل والمرض , ويسعى لتحقيق برامج الرعاية الإجتماعية التي تكفل السكن اللائق والملبس والمشرب والطعام , ويكون للناس المعوزين أبا يجمعهم ويرأف بهم ويساعدهم على قضاء حاجاتهم.

فالمواطن أعز ما يملكه هذا القائد.

فهل سيجود الزمان بقائد يعشقه ويحب أبناءه , وينذر حياته في سبيل سعادتهم ورفاهيتهم , وإزالة أسباب الضيم والقهر عنهم.

سؤال يصدح في أرض العباد فهل من جواب , لكي تتحقق دولة الوطن القوي المعاصر وتنهزم دولة الكرسي المكابر؟!

و”إن القوة لا تتأتى إلا عن طريق الحق الذي يحميه القانون”

وختاما , فدولة الكراسي بلا أولويات , لأن الكرسي فيها يلغي جميع الأولويات , ودولة النظام والقانون ذات أولويات وطنية واضحة وفقا لحاجات المجتمع والوطن.

ويبدو أن المسافة ما بين (الدولة) و (الكرسي) لا زالت بعيدة , فصيغة الإنتخابات عليها أن تعبر عن إرادة الدولة والوطن لا غير.

ولكي تُبني دولة النظام والقانون يجب أن يكون السلوك السياسي على جميع المستويات منسجما معها , ومؤمنا بها ويسعى لتحقيقها بصدق وإخلاص راسخ!!

فهل إنتقلنا من الظلم والفساد إلى الأمن والنزاهة والعدل والمحبة والنظام أم دخلنا أتون الظلام؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here