الفلسفة .. تجلي للعلوم ام خيال لها

الفلسفة .. تجلي للعلوم ام خيال لها
الكاتب مهند الهلالي

لا يخفى على الكثير من المتابعين والمهتمين في شؤون العلوم الطبيعية ان تناولها والخوض فيها يكون باساليب متعددة ومتنوعة ، فمنها الاسلوب الاكاديمي ومنها البحثي ومنها الفلسفي وهذا الاخير يشهد سجالات واراء متناقضة البعض منها مؤيد والاخر رافض حسب رأي صاحب الطرح او الفكرة ..
ما يميز هذا الاسلوب عن نظيراته التحليلية والتفصيلية لاي من العلوم انه لا يخوض فيما هو مثبت لديه من نظريات او نتائج تم التعامل معها واختبارها والتعرف على الجوانب الايجابية والسلبية لعناصرها التكوينية انما يخوض في ماهية تلك العلوم والاسباب التي ادت الى نشوئها مستخدما كل الوسائل التي من شأنها اثبات نظرياته حتى لو تطلب الامر الذهاب بعيدا عن فحوى هذا العلم وربط التوضيحات بجوانب مترابطة مع الجوهر او غير مترابطة من الاساس ، المهم ان يجد الحقيقة التي كانت وراء ظهور شيء لم يكن له وجود في حقبة زمنية معينة .
وبالرغم من عدم ارتياح العلماء لهذا النوع من الاساليب في شرح اختصاصاتهم وافكارهم ولجوئهم الى الشرح الاكاديمي التقليدي الا انهم لا يستطيعون الغاء او التقليل من اهمية هذا الاسلوب كونهم يعرفون ان لكل شيء مصدرا وان المصدر لعلومهم مفقود الهوية ، فمن البديهي ان يشغل الفراغ بنظريات اخرى ولكونهم ايضا لا يملكون الاسلوب الاقناعي المقترن بالدليل اللغوي والحسي والعلمي الذي يتحدث به الفلاسفة بل ذهب مجموعة من هؤلاء الفلاسفة الى درجة التحايل في طرح الافكار لايصال فكرة ما قد يكون لها وجود او ليس لها وجود من الاساس وهذا النوع سمي في عمق التاريخ بمجموعة ( السفسطائيين ) الذي عرفوا لاحقا بعلماء اللغة والاقناع لقدرتهم الخيالية في التغلب بأي حوار مع اي كان واثبات ما يقولون حتى لو كانوا لا يملكون الحجة او الدليل لما يطرحوه مستخدمين قدرتهم على التأثير والاقناع عبر التلاعب بالمفردات اللغوية واساليب الحديث .. هؤلاء ليسوا محور حديثنا خلال هذه المقالة لكن تم التطرق اليهم للتفريق بينهم وبين الفلاسفة الملتزمين بشروط النقاش العلمي والصدقي لايصال الحقيقة ليس الا لجمهورهم ومتابعيهم سواء كانوا من النخبة ام من العامة ولكل من الشريحتين الطريقة التي تناسبها في الشرح والاستيضاح ..
هنا نرغب بتناول بعض التناقضات للعلماء التقليديين المرتبطين باجندات الحركة العلمية العالمية وشروط طرحها والطرق المؤدية لذلك ، هذه التناقضات تتجسد باعتماد الرأي الفلسفي ونظريات الفلاسفة المعروفين والمتخصصين في مجالاتهم من جهة ومن جهة اخرى تسقيط تلك النظريات والعمل على تتفيه اصحابها والتقليل من شأنهم في وقت لم يطرحوا اي بديل او دليل يثبت عكس ما كفروا به من نظريات ..
ان الاسباب التي تدفع بهؤلاء العلماء الى عدم تبني الرأي الفلسفي تأتي من الاساس لاعتماد الفلاسفة احيانا على تفسيرات تناقض وتنفي ما يتم تداوله اكاديميا لدى هؤلاء العلماء والمدرسة العالمية التي انبثقوا منها فهم اصبحوا امام مفترق طريقين احدهما يستدعي القتال لاخر رمق في سبيل الحفاظ على مكاناتهم العلمية وهو ما يعكفون حاليا عليه او الاعتراف بأن جميع ما يدعون به ويدرسوه لطلبتهم انما هو افتراء ليس له اي اساس من الصحة او المرجعية العلمية ، وهذا يتنافى مع مبادئ الانسانية التي تعتبر العلوم الحياتية امانة لدى من توصلوا اليها وانهم مرغمون على طرحها كما هي لصون امانة الشعوب التي تستحق الحقيقة لا التضليل والخداع والتستر وراء حجب ليس لها اي تفسير علمي منطقي ..
وفي غمرة ما تقدم لسنا بصدد الدفاع عن مجموعة ومهاجمة مجموعة اخرى فالاثنان معا نعتبرهما نحن ككتاب جزءا من شريحة مجتمعية واحدة ، غير اننا نحاول الغوص بايجاز عن مشكلة علمية طالما كانت سببا في تشتيت العقل البشري وضياعه وسط اراء متشعبة متناقضة تدفع بنا وبالبسطاء من القوم الذين لا يملكون اي قدرة او امكانية للتفريق بين الحقيقة والخيال للخوض والغوص في تلك التفاصيل ما ينجم عنها فوضى عارمة كانت وراء معظم ما نعانيه من مشاكل علمية سواء في التلقين الاكاديمي او البحث الخارجي للمهتمين ولعل تداعيات ذلك شاخصة للعيان ولا تتطلب الخوض فيها كثيرا ..
المطلوب وحسب وجهة نظرنا رغم صعوبة المهمة ان نكون اكثر حنكة من اصحاب الاختصاص ليس بتفصيلية العلم المعين انما باسلوب التعامل مع محيطه ذلك المتعلق بالاطلاع عليه ومعرفة خطوطه العريضة وهذا حق للجميع والسبب الذي قام التعليم الاكاديمي لاجله فما اهمية التعلم ان لم يكن من حقنا معرفة الحقائق والاطلاع عليها ، فالمطلوب اذن ان لا نقاطع او نتخذ موقفا او حكما على اي من الفريقين المتخاصمين انما اعطاء انفسنا فسحة من الوقت للاطلاع على الرأيين ان كانا متناقضين ومخاطبة العقل قبل تبني اي منهما احتراما للذات وابتعادا عن اي تعصب علمي او عقائدي متوارث عبر حقب زمنية وسلالات ليس بالضرورة ان تكون على حق فلربما كانت متماشية مع واقع فرض عليها ولم تسنح لها الظروف للتعرف على الحقيقة كما هي الان حيث نعيش وسط انفتاح علمي تكنلوجي جعل العالم عبارة عن قرية صغيرة لا يمكن خلالها اخفاء اي من الامور حتى لو اتفق العالم واجمع على هذا الاخفاء ..
مما تقدم وذكرناه في موضوعنا نرغب بإيصال رسالة مفادها ان التعرف على العلوم الطبيعية او التكوينية لا يمكن اختزالها بمجموعة من الاشخاص ايا كانت قدرات وسمعة اعضائها انما بالتنوع والتنور الفكري الذي يدرس ويتناول جميع متعلقات البحث المراد الخوض فيه والمقارنة بين الاراء المختلفة والتبصر في حججها ومقارنة هذه الادعاءات بتفاصيل موضوعات ذات صلة ربما يراها الباحث غير ضرورية انما هي اساس وشرط للوصول الى المبتغى ، فالعلوم المختلفة يراها الطارئون عليها انها مختلفة غير انها مترابطة ترابطا محوريا وما تشظيها الا لغايات لا يمكن لنا الخوض فيها لحساسيتها البالغة ، بل اذا ما تمعنا ببعضها لاكتشفنا ان الترابط لا يمكن فصله بينها وهي مكملة لبعضها البعض انما ضعفت وتشظت بسبب تفريقها وتفريق الاختصاصات وبالتالي جعل ذوي الشأن منقوصي المعرفة ليسهل ايقافهم وتسييرهم بالشكل المقرر لهم من قبل جهات معينة ربما هي غير مستترة ومعروفة للمتتبعين ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here