سلطات واختصاصات الادعاء العام بالعراق بين النظريه والتطبيق..؟

سلطات واختصاصات الادعاء العام بالعراق بين النظريه والتطبيق..؟

بقلم
الدكتور جلال الزبيدي
حقوقي وأستاذ جامعي

الادعاء العام في العالم المتحضر يشكل أحد أهم الضمانات الدستوريه لمأسسة دولة المواطنه والقانون. وتكريس مبدأ المشروعيه في الحياة السياسية العامه. هذا وان وظيفة واختصاصات جهاز الادعاء العام يختلف بأختلاف وطبيعه السلطه السياسيه والاقتصاديه والتركيبه الاجتماعيه للدوله.. حيث نجد المدعى العام في العديد من الدول يمتلك سلطات واختصاصات واسعه تمتد احيانا لتغطي الرقابه على أعمال ونشاطات السلطتين التنفيذيه والتشريعيه لابل وقد تصل إلى إقالة رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس النواب من أجل الحفاظ على النظام العام والتصدي للفساد والجريمه المنظمه وتهديد مقومات الدوله الدستوريه في العديد من الدول المؤوسساتيه؟ ولكن بجانب آخر نجد الادعاء العام مهمشآ ونادرآ مانسمع له فعاليات وأنشطة قانونيه شجاعه وهذا للأسف مايحدث في الكثير من البلدان في ظل غياب سلطة القانون.. والعراق أنموذجآ لغياب دور وسلطة جهاز الادعاء العام في ظل تنامي الجريمه السياسيه وشيوع ظاهرة السلاح المنفلت وسطوة المليشيات المسلحه على الحياة السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه واستفحال ظاهرة الأغتيالات والاختطافات وانتهاك آدمية الإنسان.. وأبرز دليل على ذلك مقتل وجرح أكثر من30 ألف متظاهر مدني ودون أن نسمع صوتآ قانونيآ لرئيس الادعاء العام بالعراق وهو الأمين على الدعوى العموميه بالنيابه عن الشعب. وعندما نستقرأ الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 نجد أن الادعاء العام هو أحد المكونات الاساسيه للسلطه القضائيه بالعراق حيث قالت الماده89منه(تتكون السلطه القضائيه الاتحاديه من مجلس القضاء الأعلى والمحكمه الاتحاديه ومحكمة التمييز الاتحاديه. وجهاز الأدعاء العام……)؟ والملاحظ هنا أن المشرع الدستوري بالعراق أفرد أحكام دستوريه تحدد الحقوق والواجبات لمجلس القضاء الأعلى وللمحكمه الاتحاديه لكنه تجاهل أو تنكر للأسف في تكريس نصوص دستوريه مماثله للأدعاء العام وهذه واحده من المثالب والمطبات الدستوريه والذي يؤشر لعدم أحترافيه واضعي التشريعات الدستوريه بالعراق. وعلى الرغم من الأهمية الاستثنائيه لجهاز الادعاء العام في تكريس دولة المؤسسات والقانون وتتويجآ لذلك صدر القانون رقم49 لسنة2014 الذي ينظم سلطات واختصاصات الادعاء العام بالعراق والذي سأقوم بمناقشة بعض أحكامه لاحقآ.. عمومآ الادعاء العام بالعراق انيطت به وظيفة الدفاع عن( الحق العام) كونه الأمين على تحريك الدعوى العموميه نيابة عن المجتمع؟ علمآ أن المدعى العام ليس فقط له سلطة تحريك الدعوى العموميه ومباشرتها بل وايضآ المشاركه في التحقيق والمحاكمه والطعن في تنفيذ الأحكام القضائيه. ولذلك للمدعي العام بالعراق دورا هامآ ((ماقبل المحاكمه وأثناء المحاكمه ومابعد المحاكمه)) لكن للأسف لم نشاهد انه قام باستخدامها في نشاطه القانوني لتكريس العداله القضائيه بالعراق؟ فهو الجهاز القادر على التصدي للجريمه المنظمه وملاحقة حيتان الفساد وحماية مؤسسات الوظيفه العامه من الفساد المالي والإداري وملاحقة مهربي النفط ومافيات المنافذ الحدوديه وملاحقة الجرائم الجنائيه ذات الطابع السياسي والتصدي للمليشيات والسلاح المنفلت وعمليات الأغتيالات والاختطافات الممنهجه..؟
حقآ نحن نفتخر بالمورث التأريخي المهيب للأدعاء العام بالعراق.. فلا زلنا نتذكر باعتزاز كبير دور المدعى العام بالعراق سابقآ لسنة 1960 طيب الذكر المستشار الدكتور عبد الأمير عبد الغفار العكيلي. الذي شغل هذه الوظيفة خلال فترة حكم المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم.. والمستشار عبد الأمير العكيلي من الشخصيات القانونيه والفقهيه البارزه عراقيا وعربيآ. وبالمناسبة الرجل كان مستقلا ولا ابالغ إذا قلت انه كان يكره السياسه. وقد تخرج من كلية الحقوق ببغداد في عام 1943.. وحاز على الدبلوم العالي الجنائي من كلية الحقوق بجامعة فؤاد الاول(جامعة القاهره)
حاليآ.واصبح رئيس قسم القانون الجنائي بكلية الحقوق ببغداد. كما آشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه بالقانون. وكان بحق رمزا مشرفآ للفقه والقضاء العراقي..وكان الرجل شجاعآ وعادلآ حيث يذكر أن المناضل المرحوم عبد الرزاق الصافي تم إلقاء القبض عليه في عام 1952 لاشتراكه في تظاهرة وثبه كانون. وقد أصدر القاضي حكمآ بالإفراج عن عبد الرزاق الصافي لكنه قام بالهتاف بالمحكمه قائلآ ( تعيش وثبة كانون شوكه في أعين الاستعمار والمرجعيه)؟ وقرر القاضي بسبب هذا الهتاف الحكم على الصافي بالسجن 11شهرآ مع إيقاف التنفيذ لأن الهتاف كان يشكل أهانه للمحكمه..؟ وكان ممثل الادعاء العام بالدعوى هو المستشار عبد الأمير العكيلي. والذي سأل الشهود عن الوقت الذي حصل فيه(الهتاف) فهل كان (أثناء المحاكمه ام بعد المحاكمه) فأجاب الشهود بعد انتهاء المحاكمه وبعد تلاوة قرار الحكم..؟ ولذلك قال العكيلي في مطالعته القضائيه أمام القاضي ((مادام الهتاف قد حصل بعد تلاوة الحكم فلم يعد للمحكمه من وجود قانوني وبالتالي لا وجود لاهانة للمحكمه))؟؟؟ هذا بعضآ من شواهد الموروث التأريخي المجيد للأدعاء العام ورجالاته بالعراق سابقآ.
وفي الوقت الراهن نستطيع القول إن سلطة الادعاء بالعراق واسعه قانونيآ أيضآ لكنها غير مفعله عمليآ للأسف؟ فولايته القانونيه تجمع مابين(سلطة الاتهام وسلطة التحقيق وسلطة الطعن بالأحكام) حيث من واجب المدعى العام جمع الادله والتحقيق وإقامة الدعوى بالحق العام. وله حق ممارسة صلاحية قاضي التحقيق على أعمال المحققين وأعضاء الضبط القضائي وواجبه يحتم عليه النظر في شكاوى المواطنين والاطلاع على أوامر إلقاء القبض وأيضا اوامر إطلاق السراح الصادره من المحاكم. وهو ملزم في الكشف السريع عن الجرائم المرتكبه أو قيام المحاكم بالممَاطله بتأجيل المحاكمات أو تعطيلها دون وجود مسوغ قانوني.؟ وعززت ذلك الماده 02/ثانيا من قانون الادعاء العام رقم 49لسنة2017 حيث قالت(دعم النظام الديمقراطي الاتحادي وحماية أسسه ومفاهيم في إطار احترام المشروعيه واحترام تطبيق القانون). كما أن سلطة الادعاء العام بالعراق بالغة الأهمية والخطوره في مجال مكافحة الفساد وسرقة المال العام لكنه للأسف تغافل عنها وتناسى دوره الملزم به قانونآ. حيث أشارت الماده 05 من قانون الادعاء العام بالعراق سالف الذكر على دوره في(( التحقيق بجرائم الفساد المالي والإداري وكافة الجرائم المخله بواجبات الوظيفه العامه والمنصوص عليها بقانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة 1969.. وعليه أن يحيل الدعوى خلال 24 ساعه إلى قاضي التحقيق من تاريخ توقيف المتهم))..؟ وللأسف لم نشهد للأدعاء العام بالعراق أن باشر سلطته بهذا المجال.؟ لابل أن هيئة النزاهة ومحاكمها هي التي تقوم بهذه الوظيفه؟ ومما يعزز حديثنا أعلاه ما تكلمت عنه الماده 02/ أولا من قانون الادعاء العام حيث تقول ان سلطة الادعاء العام بالعراق (( تهدف إلى حماية نظام الدوله وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على اموال الدوله والقطاع العام)).لكن نشاهد يوميآ هذا الانهيار المتسارع للقطاع العام وكيف أصبحت أموال الدوله العامه وعقاراتها مستباحه بشكل علني من قبل القوى الطفيليه في السلطه السياسيه والبرلمانية والأحزاب الدينيه ومكاتبها الاقتصاديه ودون أن يتحرك الادعاء العام للايفاء بالتزاماته القانونيه الذي أكدها قانون إنشائه..؟ وهذا يعكس جليآ التناقض الصارخ بين الواقع النظري والتطبيقي لجهاز الادعاء العام بالعراق؟
واخيرا أن المشرع الدستوري وقع في منظومه من الإخفاقات التشريعيه المعيبه والمتناقضه حيث أشارت الماده01/أولا من قانون الادعاء العام رقم49 لسنة 2017بانه جهاز( يتمتع بالشخصيه المعنويه وبالاستقلال المالي والإداري) معنى ذلك أنه شخصيه قانونيه مستقله وله موازنته وجهازه الإداري والمالي المستقل.. وهو أنه دستوريآ احد مكونات السلطة القضائيه.. لكن المستغرب أن القانون المذكور يقع في تناقضات وعيوب جسيمه حيث سمح القانون المذكور لمجلس القضاء الأعلى ترشيح رئيس الادعاء العام من قبله وكذلك تعيين المدعين العامين بالمحاكم.. وهنا اشير بما ان جهاز الادعاء العام شخصية قانونيه مستقله اداريآ وماليآ كان يجب قانونيآ أيضآ إخراج جهاز الادعاء العام من وصايه وهيمنة مجلس القضاء الأعلى. فكان الأجدى والأجدر دستوريآ وقانونيآ أن يتم انتخاب المدعى العام بالعراق من قبل المدعين العامين بالمحاكم. كونه أحد مكونات السلطة القضائيه دستوريآ أسوة بمجلس القضاء الأعلى.. وذلك أيضا تكريسآ لمبدآ المشروعيه ولقيم الديمقراطيه القضائيه بالعراق…
والله من وراء القصد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here