اللامساواة سبب الصراعات و الحروب

حسن عجمي

العامل الأساسي المُسبِّب للصراعات و الحروب هو اللامساواة. فحين لا يتساوى الناس يتصارعون لكي يتساووا. من هنا ، السبيل الوحيد لإحلال السلام كامن في تحقيق المساواة كالمساواة الاقتصادية والاجتماعية.

التاريخ البشري حافل بالصراعات والحروب. لكن ما سبب ذلك؟ إذا نظرنا إلى التاريخ فسوف نجد أنَّ معظم إن لم تكن كل المجتمعات عانت من اللامساواة كاللامساواة أمام القانون و اللامساواة في الفُرَص بالإضافة إلى اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية ما يدلّ على أنَّ العامل المشترك بين كل المجتمعات المُتصِفة بالصراعات والحروب هو فقدانها للمساواة. وبذلك نستنتج بحق بأنَّ فقدان المساواة هو السبب الجوهري لنشوء الصراعات و الحروب المتكرّرة عبر التاريخ.

هذا يُفسِّر أيضاً لماذا معاهدات السلام تُخرَق على الدوام و ذلك بسبب الاتفاق على إحلال السلام بلا تحقيق المساواة بين الجميع. فبما أنَّ اللامساواة سبب الحروب والصراعات ، إذن من المتوقع أن تفشل اتفاقيات السلام في حال عدم تحقيق المساواة كالمساواة الاجتماعية والاقتصادية بين جميع الأفراد. و لم تتحقق المساواة الحقيقية عبر التاريخ و لذا فشلت و تفشل اتفاقيات السلام و تَسُود الصراعات والحروب.

المساواة و الحرية تشكّلان كينونة واحدة لا تتجزأ. فالذين لا يتساوون مع الآخرين اجتماعياً واقتصادياً فتكون مواردهم أقل من الآخرين يصبحون سجناء قِلة ما يملكون فيخسرون الحرية في التصرّف كيفما يريدون. وبذلك ما يصدق على غياب المساواة يصدق أيضاً على غياب الحريات. و حين تغيب المساواة والحريات تثور الشعوب على دولها و الدول الداعمة لدولها فتولد الصراعات والحروب و تولد أعمال العنف والإرهاب كوسائل لإستعادة الحقوق و إن كانت ليست بوسائل إنسانوية. وبذلك أصل العنف والإرهاب والصراع والحروب كامن في غياب المساواة والحريات ولذلك خير علاج للصراع والعنف والإرهاب قائم على سيادة الحريات والمساواة.

كما أنَّ اللامساواة بين الدول كعدم المساواة في حقوقها و سماع مطالبها و تنفيذ مصالحها من قِبَل الدول الأخرى تؤدي إلى الصراع بين تلك الدول لكي تستعيد الدول حقوقها المفقودة ما يُؤسِّس لنشوء العنف والإرهاب والحروب. من هنا أيضاً ، اللامساواة مصدر أعمال العنف والإرهاب. كل هذا يرينا أنَّ السلام كقيمة إنسانية عليا نتيجة سيادة المساواة والحرية و أنَّ الحضارة الحقة و الحقيقية القائمة على

السلام نتيجة الحريات والمساواة. لا حضارة بلا سلام و لا سلام بلا عدالة متمثلة بالمساواة والحرية.

يمتلك هذا النموذج الفكري قدرة تفسيرية ناجحة ما يؤكِّد على صدقه. فمن خلال هذا النموذج الفكري ننجح في تفسير لماذا بعض المناطق الجغرافية كالشرق الأوسط و أفريقيا تعاني من الصراعات والحروب الدائمة بينما في مناطق جغرافية أخرى كأوروبا و شمال أمريكا قلّت فيها الحروب والصراعات مؤخراً. فبما أنَّ غياب المساواة والحريات يُسبِّب الحروب والصراعات ، و علماً بأنَّ بلدان أفريقيا والشرق الأوسط خالية من المساواة والحريات أو المساواة والحريات قليلة الحضور فيها ، إذن من المتوقع أن تنشأ الصراعات والحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا و أن تتكرّر باستمرار لغياب المساواة والحرية. أما في أوروبا وشمال أمريكا فالمساواة والحريات حاضرة بقوة في الفترات الأخيرة من تاريخها ما يُسبِّب الاستقرار و يمنع سيادة الصراعات والحروب فيها. هكذا غياب أو حضور الحريات والمساواة يُفسِّر بنجاح نشوء الحروب أو عدم نشوئها.

تصارعت الأنظمة السياسية عبر التاريخ كصراع الإمبراطوريات فيما بينها ولكن لم تتصارع الأنظمة الديمقراطية فيما بينها. ينجح النموذج الفكري السابق في تفسير هذه الحقيقة التاريخية. فبما أنَّ فقدان المساواة والحريات سبب الصراعات والحروب ، و علماً بأنَّ الإمبراطوريات خالية من المساواة والحريات بينما الديمقراطيات حاوية على درجات عليا من المساواة والحريات ، إذن من الطبيعي أن تنشأ الصراعات والحروب بين الإمبراطوريات و أن لا تنشأ بين الديمقراطيات. هكذا تنجح نظرية أنَّ إنعدام المساواة والحرية مصدر الحروب والصراع في تفسير انتشار الحروب بين الإمبراطوريات و عدم اقتتال الأنظمة الديمقراطية فيما بينها. و كل هذه النجاحات دلائل صدق النظرية القائلة بأنَّ غياب المساواة والحريات سبب الصراعات والحروب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here