فرات المحسن
حدد موعد لإجراء العملية الانتخابية في تشرين الأول المقبل،ولكن عادت التسريبات لتستبعد مرة أخرى إجراءها في ذلك الموعد.
ومع كل تلك المواقف المترددة وبمرور الوقت نجد الكتل والقوى والفصائل السياسية واذرعها المليشياوية الحاكمة، واستباقا لموعد الانتخابات المتوقع، تحاول تقديم نفسها كحامية للديمقراطية والسلم المجتمعي، وتصر على اتخاذ العديد من الوسائل الدعائية لإثبات حسن نواياها والتوافق مع خيارات الناس. وتدعي ممارستها لحراك سياسي يسعى لبث الوعي والسلوك الانتخابي الديمقراطي، وتتزين لغتها بتعابير الكياسة السياسية والثقافية، وترفع شعار النبل الأخلاقية وقبول الأخر ونبذ العنف.
ولكن عقدة الوجاهة المفتعلة هذه والإشهار المخادع لقيم الخير والسلوك الحضاري الفجائي والغريب عن طبيعتها، تفضحه منظومة الأفعال والسلوك العبثي والأناني والمشين الذي تتعكز عليه وتمارسه في تعاملها مع الأحداث اليومية والناس ومؤسسات الدولة، ويطغي على جميع تصرفاتها الانفعال والتطير والاستعداد للغدر بالأخر المخالف وهدر إنسانيته. ونتائج حراكها على الأرض يفضحه سلوكها المتدني وممارساتها للخداع والإيذاء وسوء النية، مما يجعلنا على يقين تام بأن هذه الأحزاب والقوى المسلحة بعيدة كل البعد عن الطباع الحضارية المدنية والأخلاق النبيلة. وفي النهاية فهي قوى مخادعة غير مؤتمنة الجانب، ولا يمكن تصديق وعودها وعهودها، ولا تحمل بالمطلق غير فكرة السيطرة على إدارة الدولة ومؤسساتها لغرض الإبقاء على حضورها الدائم بين مفاصل الدولة وسرقة مواردها.وفي المغزى العام لعملها هذا، تأمين مصالحها والجهات المرتبطة بها، وسعيها الدائم لإقصاء من يريد التنافس أو الحصول على ما يضمن بعض الحريات المدنية والكرامة الإنسانية والمواطنة ألحقه .
وهذه الأحزاب ومليشياتها حريصة كل الحرص وتقاتل لأجل إبقاء آليات وهيكلة الانتخابات مثلما عليه، وتحت سطوتها وسيطرتها، ولا يمكن السماح بتغيير قواعد اللعبة وإقصاء وأبعاد أتباعها عن إدارة مكاتب المفوضية في جميع محافظات العراق، وهو الوضع الذي يسمح لها بشكل ناجز التلاعب بصناديق الاقتراع وفرض الخيارات. ولذا تراهم يدفعون عن أنفسهم بقسوة ووحشية، قلق التغيير بالتصدي لأية محاولة لفرض قانون جديد وحقيقي للانتخابات ومثله لمفوضية مستقلة أو قانون منصف للأحزاب المشاركة.
وتستغل في ذلك سلطة الإعلام كوسيلة للضغط على خيار الناس وتضليلهم ومن ثم تشويه أفكارهم.وبعد أن أمتلكت هذه الأحزاب قوة المال ومن ثم الإعلام، فهم يسخرون أيضا القضاء لصالحهم،ويتدخلون في الكثير من حيثيات ووقائع المحاكمات والجلسات واتخاذ القرارات. وبات الكثير من رجال القضاء يخضع لسطوتهم ويلبي طلباتهم وينفذ رغباتهم، ليس فقط في التغطية على جرائم الفساد المالي والإداري التي تقترف بشكل يومي وواسع، وإنما وصل الأمر لصلب العملية الانتخابية. فحين ارتفعت الأصوات منادية بوجوب استقلالية مفوضية الانتخابات، وتفضيل خيار القضاء لإدارة ملفها ،سارعت القوى السياسية والمليشيات على الموافقة، ولكن فرضت شروطها على الجميع وسمحت بتشكيل المفوضية من قضاة ليس بينهم من هو بعيد عن الارتباط بتلك الأحزاب، وعين رئيسا للمفوضية قاضيا كان تابعا ومرشحا لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وكأجراء وقائي استباقي رفضت تلك الأحزاب إحداث أي تغيير يطال موظفي مكاتب المحافظات السابقين وهم جميعا من بقايا فروض المحاصصة.
وتصر الأحزاب الحاكمة واذرعها على عدم سن قانون حقيقي للأحزاب يضمن ظهور كيانات حزبية بأنظمة داخلية وعضوية تخضع لشروط الشفافية والصدق والمسؤولية الوطنية، وبما يضفي على العملية الانتخابية طابع الاحترام والعقلانية . ولكن خيار السلطة وأحزابها يتوافق والإبقاء على الترشيح والتسجيل المفتوح على مصراعيه لمن يمتلك المبلغ المطلوب تسديده للمفوضية، ليسجل ككيان أو حزب دون التدقيق بطبيعته وأهدافه وحصوله على الشروط المناسبة التي تؤهله لخوض الانتخابات. وهذه الحالة تكون وسيلة فعالة من وسائل تشتيت الأصوات والاستحواذ عليها لاحقا وفق قاعدة منحها للفائز الأكبر.
ومثلما ترفض أحزاب السلطة وتوابعها فكرة الرقابة والإشراف ألأممي على الانتخابات خوفا من الفضائح على المستوى الدولي، فأنها تصر على اعتماد الخلط بين العد اليدوي والبايومتري في المكاتب والمواقع التي يتعذر أو يعطل جهاز قراءة البطاقة البايومترية فيها، أو في حالة ظهور اعتراض لاحق على نتائج الانتخابات، وهذا الأمر يمثل الدالة الكبرى لسعيها استغلال ذلك وتمرير عمليات تزوير واسعة لاحقا.
جميع هذه الدلالات تأخذ قيمة متدنية أمام المال السياسي والسلاح المنفلت.فالمال السياسي الذي عمرت به خزائن المكاتب الاقتصادية للأحزاب والمليشيات والذي يأتي عبر عمليات سرقة أموال الدولة والسيطرة على المنافذ الحدودية وتهريب النفط وابتزاز أصحاب الشركات والتجار وتجارة المخدرات وجميع أوجه الكسب غير المشروع. ومع تدني وعي الناس وضعف الضوابط الأخلاقية وتفشي البطالة وفقر الحال وانعدام الكفاءة وغياب مشاعر الانتماء والمسؤولية الوطنية، عندها يكون المال السياسي عاملا حاسما في شراء الذمم والأصوات وتخريب العملية الانتخابية.
ولكن الأكثر خطورة وتأثيرا على وقائع الحياة اليومية للناس وباتت الحياة معها تتجاوز طاقة الاحتمال، ويفقد المجتمع توازنه بسبب كثافة وجودها وحضورها، هي معضلة انتشار السلاح بمختلف أنواعه الخفيف والثقيل، وامتلاكه واستخدامه من قبل العشائر والمليشيات وعصابات الجريمة. واستفحل أمر هذا السلاح بعد هزيمة داعش ومن ثم سعي إيران للتوغل بعمق في الشأن الداخلي العراقي عبر تشكيل مجاميع مسلحة ترتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني. وبسبب فقدان الحلول الحكومية في مجابهة هذه المعضلة المرعبة، نجد اليوم أن هناك اختلال كبير بتوازن القوى الوجودي بين هذه القوى المسلحة وسلطة الحكومة، وولد هذا الأمر حالة مفرطة من الخوف والقلق والتوتر عند أبناء الشعب، خاصة بعد أن صمتت الحكومة ومن ثم فقدت هيبتها وتعرضت للاهانات والتقريع المباشر حين الاستعراضات المسلحة التي تقوم بها تلك الفصائل بين فترة وأخرى في العاصمة أو باقي المدن العراقية، ودائما ما تترافق تلك الاستعراضات المسلحة ببيانات وبوسترات تتحدي سلطة رئاسة الوزراء وقوى الأمن والجيش العراقي دون أن تجد رادع يردعها.
هذه القوى والفصائل والمجاميع المسلحة سوف تكون رهان وحصان السبق في الانتخابات القادمة وهي اليد الضاربة للأحزاب الحاكمة وإيران أيضا، بعد أن صنف بعضها ضمن مؤسسات الدولة العراقية وتستلم وتستخدم أموال وتجهيزات السلطة ذاتها، وسمح لها المشاركة بالانتخابات مع امتلاكها واعتزازها المفرط بقوة ما تجنيه من سلاح وقدراتها على حسم الكثير من الاعتراضات والخيارات بقوته . فسوف يعهد لهذه الفصائل حسم النتائج عبر تكليفها بتوجيه رسائل تنبيه وتحذير مسبق للجميع، عن مغبة التصويت خارج المنظومة التي تكفل إعادة ذات الهياكل التي بنيت عليها إدارة الحكم والسلطة في العراق منذ عهد رئيس الإدارة المدنية للاحتلال الأمريكي بول بريمر ولحد الآن.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط