واشنطن بوست: أماكن التلقيح في العراق خالية.. والناس معترضون

ترجمة/ حامد احمد

حالما اخترقت ابرة الحقنة جلدها، فتحت تمارة عامر عينيها وكأنما تفوق من حلم. قضت الطريق وهي داخل السيارة في غفوة تفكر بوالدها متمنية لو كان معها. شعرت وكأنها كانت في صدمة .

ثم استذكرت عند شعورها بوخزة الابرة الباردة في ذراعها فيما بعد بجملة مشاعر جاءت على عجل، كانت تلك المشاعر خليطا من حزن وأمل وفرح بالوقت نفسه. وبعد ان قضت سنة جحيم بعملها اليومي في ردهة علاج مرضى فايروس كورونا، تبادرت الى ذهنها وجوه المرضى الذين توفوا هناك.

ولكن تفكيرها في والدها كان في مقدمة كل تلك الذكريات، وكيف انهما كانا يحلمان بهذا اليوم قبل ان يدخل فايروس كورونا بيتهم.

الطبيبة عامر انفجرت بالبكاء الاسبوع الماضي عندما تذكرت اباها وهي جالسة على كرسيها في احدى مستشفيات بغداد. فقد توفي من اعراض كورونا قبل ان يأتي اللقاح الى البلد . وصول لقاحات كورونا الى العراق خلال الاسابيع الاخيرة اعطى العاملين في المجال الطبي أملا في ان وجود منفذ لمغادرة هذا الوباء هو أمر ممكن. ولكن بدلا من ذلك، فان حالات الاصابة بدأت تبلغ ذروتها. يوم أمس سجلت وزارة الصحة 7972 حالة اصابة جديدة وهي مقاربة لاعلى حد تم تسجيله، مع توقع مسؤولي الصحة باحتمالية تصاعد الاصابات اليومية أكثر في وقت هناك تلعثم في برنامج التلقيح في العراق فضلا عن وجود تراخ في الالتزام باجراءات الوقاية بين الناس مثل ارتداء الكمامات او الحفاظ على التباعد الاجتماعي إلا العدد القليل جدا .

من بين الذين تلقوا اللقاح حديثا هم فيالق الكادر الطبي العراقي، الذين يقولون انهم يشعرون وكأن الآخرين ينظرون ما قد يحصل لهم وذلك وسط الشكوك المنتشرة حول اللقاح . تقول الطبيبة عامر، التي تلقت اللقاح هي وزوجها ووالديه، “الناس لا يثقون بأي شيء. حتى لو اعطيتهم حقائق علمية فانهم لا يصدقونها”. حتى قبل ان تنتقل بلدان مثل اسبانيا وايطاليا الى الحد من استخدام لقاح اوكسفورد استرا زينيكا، مستشهدين ببحث غير واضح حول اعراض جانبية محتملة، فان اكثر من نصف العراقيين الذين تمت مقابلتهم ضمن دراسة اخيرة اجراها البنك الدولي قالوا بانهم يشككون باللقاح، او انهم ضد تسجيلهم للتلقيح . السلطات تلقي باللوم على الناس لارتفاع الاصابات بمعدلات قياسية وتحثهم على تلقي اللقاح .

خبراء صحة يعزون احد اسباب هذا الشك لهاجس منتشر بين الناس بعدم ثقتهم في المؤسسات الصحية بعد عقود من فشل حكومي بهذا القطاع، مشيرين الى ان السلطات العراقية أضعفت مؤخرا ثقة الناس بهذا الاجراء وسلامة اللقاحات .

علي المولوي، محلل مستقل يتابع حركة سير القاح قال “التأخيرات التي حصلت في استلام الشحنة الاولى من اللقاح مضافا لها تصريحات متناقضة من مسؤولي الصحة قد ساهمت بدون شك في زعزعة ثقة الناس بالسلطات الصحية .”

النظام الصحي العراقي كان متدهورا حتى قبل انتشار الوباء، بتعرضه لعقود من حالات فساد وقلة تمويل. ويقول عاملون في المجال الطبي ان التحديات التي واجهوها خلال مرحلة الوباء هذه كانت قاسية جدا .

برنامج التلقيح في العراق بدأ في آذار مع وصول اول 50000 جرعة لقاح سينوفارم تبرعت بها الصين، ومن ثم شحنة اخرى من 336000 جرعة لقاح اكسفورد – استرا زينيكا وذلك عبر مبادرة دولية مدعومة من منظمة الصحة العالمية لضمان توزيع عادل للقاحات .

اعداد اللقاحات تعتبر ضئيلة مقارنة بحجم احتياجات العراق البلد الذي يبلغ تعداده 40 مليون نسمة. مع ذلك وبعد مرور شهر على البدء بالتلقيح فان 118,000 شخص فقط تلقى اللقاح .

خلال الايام الاولى من الشروع ببرنامج التلقيح، اصطف عراقيون خارج منشآت طبية في تجمعات يعلو صخب الحديث فيما بينهم. فهم يتساءلون، هل وخزة ابرة اللقاح تؤذي؟ وهل ان اللقاح ناجح؟ وماذا عن الأعراض الجانبية؟ تلك الطوابير قد تقلصت الى اعداد قليلة. داخل مركز محمد الجواد الطبي في بغداد، يقول الطبيب غسان محمد الذي يشرف على برنامج التلقيح في المنشأة ان معدل الذين يتلقون اللقاح هو 10 اشخاص يوميا .

وقال محمد “بصراحة يؤلمني ان ارى هذا الوضع. لو استطعنا فقط ان نجعل كل الناس يتلقحون لكان اسعد يوم في حياتي .”

عندما اخذت الطبيبة عامر الاسبوع الماضي الجرعة الاولى من لقاح استرا زينيكا عند مستوصف صحي في بغداد، كانت اروقة المستوصف خالية وكذلك المنشآت الصحية عبر البلاد كانت هادئة. اللذين سجلوا للتلقيح كانت غالبيتهم من الكادر الطبي. والآخرون هم من كبار السن، حيث ذكروها بوالدها .

عند رجوعها في السيارة اخرجت هاتفها النقال وفتحت موقعها على فيسبوك وكتبت رسالة لوالدها ولكل من قد يلقي بالا. كتبت تقول برفقة صورة لوالدها “كورونا اخذتك بعيدا عني قبل ان يحالفك الحظ بأن تأخذ اللقاح. انا فقط اريد ان اخبر الناس وان اترجاهم بان يأخذوا اللقاح. بامكانكم عبر اللقاح ان تنقذوا ارواح احبائكم .”

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here