أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٥)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ الثَّامِنَةُ

(٥)

نـــــــــــــــــــــزار حيدر

{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

ومِن شرُوطِ النَّجاح العفُو والصَّفح والتَّجاهُل، فلا تُشغِل بالكَ بالإِنتقامِ والردِّ على كلِّ خطأ يرتكبهُ الآخر بحقِّكَ، خاصَّةً إِذا كانَ تافِهاً يُرادُ منهُ إِشغالكَ عن رسالتِكَ وأَهدافِكَالعُليا، فالصَّبرُ والتحمُّل أَولى من الردِّ في كثيرٍ من الحالاتِ والأَحيانِ {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}.

وتتضاعفُ ضَرورةَ ذلكَ إِذا كُنت مسؤُولاً او مُتصدِّياً للشَّأنِ العام.

كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر {يَفْرُطُ مِنْهُمُ [الرَّعيَّة] الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِيتُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ}.

إِنَّ بعضهُم يخطأُ بحقِّكَ لمُجرَّدِ الحسَدِ {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ} خاصَّةً إِذا كُنتناجِحاً مُنتِجاً مُنجِزاً هادِفاً وهوَ فاشِلٌ عاجِزٌ مُستهلِكٌ كسولٌ [ذَيلٌ].

ومنَ النَّاسِ مَن يُشغِلهُ لهوَ الحديثِ عن مُتابعةِ رسالتهِ في الحياةِ، فاحذر الإِستدراج لأَنَّهُ يُضيِّع عليكَ فُرَص النَّجاح.

تدبَّر في قولهِ تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

أَتذكَّر مرَّةً أَنَّ صديقاً صدوقاً إِتصَّلَ بي ثائِراً مُنزعجاً، مُشفقاً، خائِفاً ومرعُوباً، قائلاً بعصبيَّةٍ؛ أَلم تُتابع حملةَ التَّسقيطِ والتَّشهيرِ الظَّالِمة التي يشنُّها الثُّلاثي المَشؤُوم[الذَّيلُ والبوقُ والجُوكر] ضدَّك؟!.

لماذا لا تردَّ؟! أَوليسَ لصبرِكَ حدُودٌ؟!

فأَجَبتهُ بحِكمةٍ وهدُوءٍ مُتمثِّلاً بقَولِ الشَّاعرِ؛

لو كلُّ كلبٍ عَوى أَلقمتهُ حَجراً

لأَصبحَ الصَّخرُ مِثقالاً بدينارِِ

ثُمَّ نصحتهُ أَن لا يلتفِتَ للتَّافهينَ إِذا ما نبحُوا، فتجاهُلهُم هوَ الحلُّ! ثُمَّ ذكَّرتهُ بقولهِ تعالى {هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّاوَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

لقد وردَت التَّوصية بالإِعراضِ عن الجهَلَةِ، الذين جُهدهُم الغيبة فقط والتَّشهير والتَّسقيط وإِثارة النَّعَرات بشتَّى أَشكالِها، في أَكثرِ من آيةٍ في القرآن الكريم منها قولهُتعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقولهُ تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.

لماذا؟!.

لأَنَّكَ مهما بلغتَ مِن العلمِ والمَعرفةِ والحِكمةِ والمَنطقِ السَّليم فستعجزُ عن مُجاراتهِم والردِّ عليهِم لإِقناعهِم مثلاً أَو ليعدُلُوا عن أُسلوبهِم المُتهافِت وطريقَةِ تعاملهِم المُتسافِلةِ.

إِنَّها بِضاعتهُم فكيفَ يتركونَها؟!.

إِنَّ من أَدواتِ النَّجاح هي أَن تُعاملَ النَّاسَ بأَخلاقِكَ وليسَ بأَخلاقهِم كما وردَ في الحديثِ الشَّريفِ عن رسولِ الله (ص) لقَولِ الله تعالى في مُحكمِ كتابهِ الكريم {إِنْأَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ} فترُدَّ على كلِّ خطأ بسلوكٍ صحيحٍ.

يقُولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) يوصي ولدهُ الحسَن السِّبط المُجتبى (ع) {احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِه عَلَى الصِّلَةِ، وعِنْدَ صُدُودِه عَلَى اللَّطَفِ والْمُقَارَبَةِ، وعِنْدَ جُمُودِه عَلَىالْبَذْلِ، وعِنْدَ تَبَاعُدِه عَلَى الدُّنُوِّ، وعِنْدَ شِدَّتِه عَلَى اللِّينِ، وعِنْدَ جُرْمِه عَلَى الْعُذْرِ}.

ويقولُ الإِمامُ زَين العابدينَ (ع) في دُعاءِ مكارمِ الأَخلاقِ {اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وَأُثِيبَ مَنْحَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ، وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ}.

فما الذي يُميِّزكَ عن التَّافهِ بأَخلاقهِ سِوى رِفعَةَ أَخلاقِكَ؟!.

وفي قِصَّةِ الأَخوَينِ هابيل وقابيل درسٌ عظيمٌ ينبغي أَن نضعهُ نُصبَ أَعيُنِنا دائماً لننجحَ.

تقولُ القِصَّة {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَلِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَأَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

حالاتٌ مُماثِلةٌ يمرُّ بها الواحدُ مِنّا يوميّاً، والخاسِرُ هُوَ الذي ينشغل بنباحِ الكلابِ التي تنتشرُ اليَوم في كلِّ وسائلِ التَّواصلِ الإِجتماعي، فيقرأَ لها أَو يسمعَ مِنها نِباحاً لايُغني ولا يُسمن من جوعٍ ثُمَّ ينشغِلُ بالردِّ عليها أَو مُجادلتِها!.

نصيحتي للذينَ يُنشدُونَ النَّجاح ويسعَونَ لتسجيلِ الإِنجازاتِ وتركِ بصمةٍ في حياتهِم أَن يتجاهلُوهُم مهما قسَوا عليكُم ولا تردُّوا عليهِم إِلَّا بكلمةِ [سلاماً].

{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }.

تمثَّلُوا بقَولِ الشَّاعر؛

يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ

فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً

كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا

١٦ نيسان ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here