فقاعة استقطاع الضريبة من الموظفين
باسل عباس خضير
هؤلاء الذين ينفقون الكثير من وقتهم في رمي الفشل الذي تعانيه الحكومات على حجم الرواتب التي تدفعها الدولة للموظفين يتناسون بأنهم السبب في هذا الفشل ، فاغلب التعيينات التي تتم سنويا ليس لها أساسا او معيار او عنوان لان غاياتها تتوزع بين التخبط والفساد وإرضاء الكتل والأحزاب او إحداث التوازن بين الطوائف والقوميات والمحافظات ، وجميعها وليس اغلبها تمت بمعزل عن مجلس الخدمة الاتحادي الذي تشكل ولم نلمس منه شيئا لأنه بلا عمل ولا تأثير ، وصحيح أن هناك ترهلا واضحا قي الوظائف في كل الأماكن في العراق كما إن هناك تباينا في دفع الاستحقاقات والمكرمات ، ولكن من غير الصحيح جعل الموظفين شماعة في أسباب العجز الذي يتكرر كل عام في الموازنات ، ليس لان ذلك غير موجود ولكن لأنه يسهم في إضعاف الدولة وأجهزتها وإفقادها الكفاءة والفاعلية ، لان الموظفين يفترض أن يكونوا الأداة الأساسية وقوة الدولة في تنفيذ المهام والواجبات ، وإشعارهم بأنهم عورة مالية تستنزف الموارد والإمكانيات ربما تجعلهم يعيشون حالة من الشعور بأنهم غير مهمين في الحياة ، سيما عندما تقترن تلك التصريحات بأرقام يطلقها مستشارين وخبراء تشير إلى إن معدل عمل الموظف لا يزيد عن 8 دقائق وكأنهم يعملون بمعزل عن التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة التي يجب أن تقوم بها الإدارات في كل المنظمات ، وكما يقولون فان العبرة ليس بالتشخيص وإنما بالمعالجة لهذه الحالة التي تشهد عقما في الإجراءات لان الحالة تزداد يوما بعد يوم والتعيينات لم تنقطع ولها كثيرا من التبريرات ، وهي قضية لا يتحمل تبعاتها الموظفين لأنها مسؤولية مشتركة للسلطات التنفيذية والرقابية ومن يعنيهم الأمر في البلاد .
وبسبب الشعور بان الوظيفة العامة باتت تشكل عبئا على الحكومات فأنهم يستخدمونها كوسيلة سهلة لمعالجة المشكلات المتعلقة بارتفاع النفقات ، فمرة يسمحون بالتمتع بإجازة براتب اسمي لمدة 5 سنوات ومرة يصدرون قرارا بتقليص العمر الأعلى للوظيفة بجعله 60 عام ومرة يشجعون الخروج المبكر من الوظيفة بعمر 45 عام ، وهي بمجملها قرارات تزيد الأمور تعقيدا ولا تشكل أية معالجات ، وفي ظل الانعدام الناجع لجعل الوظيفة العامة رافدا في زيادة الناتج المحلي وتفعيل قطاعات الاقتصاد وبالنظر لزيادة الإنفاق الحكومي وعدم القدرة على تنوع الإيرادات ، يجتهد البعض في إيجاد وسائل أخرى لتقليل نفقات الوظائف لا من خلال العمل على زيادة إنتاجيتهم وتحويلهم إلى قوة عمل تنتج لكي ينتعش الاقتصاد وإنما من خلال تخفيض مدخولاتهم بفرض الضرائب عليهم بشكل يعرض الكثير منهم إلى الفقر والعوز وربما يشجع بعضهم على مزيد من الفساد ، ولم تنقطع أخبار الرواتب والضرائب منذ أعوام وقد تحولت إلى شبحا يخيف محدودي الدخل بعد تخفيض سعر الدينار والطفرة غي الوراثية في الأسعار ، فقد اقترحت الحكومة جدولا لفرض الضرائب على الموظفين في المادة 20 من مشروع قانون الموازنة (المقترح ) إلى مجلس النواب ، والأخير راجع الموضوع ووجد انه في غير محله الصحيح ربما لقرب الانتخابات ، فبشروا الموظفين بإلغاء هذه المادة والعدول عن استقطاعاتهم من خلال العمل بالاستثناءات التي صدرت سابقا من قانون الضريبة رقم 113 لسنة 1982 ، وعدوا ذلك كجزء من بديل عن الصفعة التي وجهت لجيوبهم من تغيير أسعار صرف الدولار ، وفي لحظة الشعور بان الدولة تأخذ بيد وتعطي باليد الأخرى تفاجئوا بكتاب وزارة المالية / مكتب الوزير بالعدد 880 في 13/4/2021 الموجه إلى الأمين العام لمجلس الوزراء ، الذي يتضمن المباشرة باستقطاع ضريبة الدخل على مجمل رواتب ومدخولات الموظفين ابتداءا من بداية 2021 على أن يتم الاستقطاع المباشر من راتب شهر نيسان واستقطاع المبلغ المتراكمة لأشهر ( كانون الثاني ، شباط ، آذار ) بإقساط خلال السنة نفسها مستندين إلى الفقرة ج من المادة 34 من قانون موازنة 2021 .
ودون الدخول في التفاصيل الفنية والقانونية للموضوع فان ما حصل هو خطا في التعبير ومرونة ( شيطنة ) في التفسير ، فالمادة 34 من قانون الموازنة تتعلق جميعها بالشركات ولكن ورد في الفقرة ( ج ) منها عبارة توحي بالإطلاق ( إلغاء جميع الإعفاءات والاستثناءات الكمركية والضريبية الممنوحة بقرار من مجلس الوزراء ) ، وبطريقة ما فسرت تمسكت المالية بكلمة ( الاستثناءات ) واعتبرت بان النص يشمل إلغاء استثناء الموظفين من الضرائب الواردة في القانون 113 لسنة 1982 ، وهو موضوع جدلي ( وليس من اختصاص المحكمة الدستورية ) والمالية ترمي الكرة في مجلس الوزراء ، وليس دفاعا عن مجلس النواب وإنما للحقيقة ، فان نيته لم تتجه لفرض ضرائب على رواتب الموظفين بدليل إلغاء المادة 20 ( السابقة ) كما إن الإيرادات المخمنة التي صادق عليها والواردة في الجدول ( أ ) الملحق بقانون الموازنة المتضمن تفاصيل الإيرادات لم تدرج فيه ايرادات ضرائب دخل الموظفين ، ويشكل هذا الموضوع فقاعة يجب التخلص منها لان جلود الغالبية العظمى من الموظفين لم تعد تتحمل مزيدا من الانخفاض في قدراتهم الشرائية ، فرواتبهم لم تزداد منذ 2008 بل انخفضت بعدة مرات ومتطلبات المعيشة تتعقد كل يوم ، ونتوقع بان يتم التوصل لحل لهذا الموضوع في جلسة الثلاثاء القادم لمجلس الوزراء بطريقة السهل الممتنع الذي يريح الموظفين ، وهي ليست مكرمة او عطية من احد وإنما لكي لا يلحق بالعديد منهم الضرر بسبب تفسير لكلمة ضمن قانون .