أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٩)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ الثَّامِنَةُ

(٩)

نــــــــــــــــــــــــزار حيدر

{وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}.

ولا يتمُّ ذلكَ إِلَّا بحريَّة التَّعبير والتي لا تتحقَّق إِلَّا بحريَّة التَّفكير التي تتحقَّق فقط بحريَّة القِراءة والتَّعليم.

قالَ تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

مُشكلتنا أَنَّنا وضعنا أَنفُسنا، عقُولنا وتفكيرنا واستنتاجاتِنا وبالتَّالي وعيِنا، في قوالبَ ثابتةٍ حرَّمنا على أَنفسِنا تجاوزها، ولذلكَ فإِنَّ كلَّ ما نقرأَهُ ونُفكِّر فيهِ ونستنتجهُ لايتجاوز هذهِ القوالب والصَّناديق المُقفلة.

ما حصرَ عندنا مجال الجِدال بينَ الأَسود والأَبيض، وبينَ الإِيمان والكُفر، فأَنتجَ الفكر التَّكفيري والتعصُّب والتزمُّت الأَعمى! فكيفَ سنتجادل بالَّتي هي أَحسن؟!.

هذهِ الأَزمة أَنتجت لنا مشاكلَ في قراءةِ التُّراث والتَّاريخ وبالتَّالي في استيعابِ مُتطلَّبات الحاضِر والتَّخطيط للمُستقبل.

إِنَّ التَّاريخ الذي نريدهُ درُوساً وعِبر وتجارب لا يمكنُ قراءتهُ إِلَّا بالحريَّات الثَّلاث [القِراءة والتَّفكير والتَّعبير] أَمَّا إِذا قرأناهُ بالقوالبِ الجاهزة فلن ينفعَ في شيءٍ أَبداً لأَنَّناسنستنسخ تفسيراتهِ وقراءاتهِ البشريَّة كما هيَ وبالتَّالي فلن يضيفَ شيئاً لوعيِنا وفهمِنا.

كذا الحال إِذا قرأنا تجاربنا التي صنعناها بأَنفُسِنا أَو كُنَّا شهُوداً عليها، ولذلكَ يكثُر فيها الدَّجل والإِدغال والتَّضليل!.

كما أَنَّ الحاضر الذي نعيشهُ لا يمكنُ أَن نُنتج لهُ رُؤية إِذا قَولبنا قراءاتَنا وتفكيرنا وتعبيرنا عن وعيِنا واستيعابِنا.

وسيُنتج لنا النِّفاق!.

أَمَّا المُستقبل فهو كذلك لا يمكنُ قراءتهُ لرسمِ خُططهِ إِلَّا بالحريَّات الثَّلاث أَمَّا القوالب الجاهِزة فتُكرِّر الماضي فقط ولا تُقدِّم رُؤية جديدة للمُستقبل.

إِنّّ التَّنازل عن حريَّة التَّعبير ستضطرُّكَ للتَّنازل عن حريَّة القراءَة وحريَّة التَّفكير، وعندها ستتحوَّل إِلى ببَّغاء [إِمَّعةٍ أَو ذيلٍ بالمُصطلحِ الحديثِ!] تُكرِّر ما يقولهُ الآخرونعندما تدعهُم يقرأُون ويفكِّرُون بالنِّيابةِ عنك، وهي الحالة التي تنتشر اليَوم في مجتمعاتِنا، فكثيرُون عندما تسأَلهم عن رأيٍّ يُدافعُونَ عنهُ بحماسةٍ ويُقاتلُون بأَسنانهِم منأَجلهِ يُجيبكَ بالقَول؛ إِنَّ فُلان يقولُ كذا وزَيد يعتقد كذا وعمرُو يتصوَّر كذا.

إِنَّ التَّنازل عن حريَّة التَّعبير بمثابةِ التَّنازل عن الشخصيَّة وعن الذَّات، فالذي يعجز عن التَّعبير عن نفسهِ وعن رأيهِ سيعجز عن التَّعريف بشخصيَّتهِ، فالشَّخصيَّةُ بالتَّعبير،ولذلكَ قال أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا، فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ}.

إِنَّ مَن يتنازل عن حُريَّتهِ في التَّعبير ينفي أَهميَّة القِراءة الموسوعيَّة لمُختلفِ الخلفيَّات، فتراهُ لا يقرأ إِلَّا لخلفيَّاتٍ مُحدَّدةٍ ولا يستمع أَو يُتابع إِلَّا لخلفيَّاتٍ مُحدَّدةٍ، وهو بذلكَيستسلم لصحَّة هذهِ الخلفيَّة المُحدَّدة من دونِ أَن يعطيها نسبةً ما من الخطأ وعدم الصحَّة، كما أَنَّهُ يحكم على بقيَّة الخلفيَّات بالخطأ والغلط من دونِ أَن يحتمِلَ لها نسبةً مامن الصحَّة.

إِذا أَردنا أَن نعرفَ الحقائق فينبغي علينا أَن نتحلَّى بعقليَّةٍ مُنفتحةٍ تقبل الصَّدمة، لأَنَّنا نحمل في أَذهانِنا الكثير من القوالبِ التي ورِثناها رُبما بِلا وعيٍ أَو دراسةٍ أَوتفكيرٍ وتمحيصٍ وبحثٍ.

إِنَّهم صنعُوا من تلكَ القوالب ومُحتوياتها معاجز ومُقدَّسات وخطُوط حمراء لحمايتِها من النَّقد أَو حتَّى الحِوار العقلاني المنطقي! وبالتَّالي لقمعِ حريَّة التَّعبير.

وحمَوا أَنفُسهم من الرَّأي الآخر بعناوينَ مُقدَّسة {إِنْ هِىَ إِلَّآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ}.

فكُلُّ السلطويِّين ومَن يدورُ في فلكهِم مُستفيداً منهُم يفعل الشَّيء نفسه! فأَنتَ تقفُ دائماً وسط خطُوط حمراء ومُقدَّسات ومعاجز لا يجوزُ لكَ تجاوزَها عندما تُفكِّر وعندماتسأَل.

إِحذر أَن ترمي نفسكَ في بئرٍ أَو تسجُنَ نفسكَ في زنزانةِ الأَفكار، إِقرأ وفكِّر في الهواءِ الطَّلق، وإِذا كنتَ اليَوم عاجزاً عن التَّعبيرِ عن رأيكَ بحريَّة لأَيِّ سببٍ كانَ مِنهاالخَشية من الغَوغاء فهذا لا يعني أَن تتوقَّف عن القِراءة والتَّفكير بحريَّة، فسيأتي اليَوم الذي تجد نفسكَ فيهِ قادرٌ على التَّعبيرِ بحريَّةٍ.

إِنَّ القَوي هو الذي يرسم الخطُوط الحمراء لنفسهِ فأَنتَ مَن تُحدِّدها لنفسكَ ولا تدع أَحداً يضع لكَ أَيَّ خطِّ أَحمر وإِلَّا فستجد نفسكَ مسجوناً في شرانقِ القراءةِ والتَّفكيروالتَّعبير!.

ويتضاعف خطر تأثير الخطُوط الحمراء عندما تتيقَّن بشيءٍ ثمَّ تتنازل عن يقينكَ لصالحِ رأيِ الآخر.

يقولُ تعالى {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ}.

أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فيقولُ {لَا تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلًا وَيَقِينَكُمْ شَكّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا}.

وأَخيراً فإِنَّ خطر الإِستسلام للخطُوط الحمراء يكمنُ في أَنَّها تفرض عليكَ الرَّأي الذي لم تقتنع بهِ والفِكرة التي لم تطمئِنَّ لها وبذلكَ تورِّطكَ فيما لم تتثبَّت منهُ، فترى نفسكَمُستسلماً لأَفكارها وآرائِها لمُجرَّد أَنَّها تدورُ في دائرةِ القُدسيَّة والقوالب الجاهزة.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ لولدهِ الحسن المُجتبى (ع) مُحذِّراً {ودَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ والْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ وأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَه فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَحَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ}.

٢٠ نيسان ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here