تمثال المرأة الميسانية والتأويل الخبيث

شاكر حمد

نشرموقع الأخبار- نوري علي- هذا اليوم(21/4/2021) صورةً لتمثال المرأة الميسانية من عمل النحّات المرحوم أحمد البياتي؛ يُلفت الإنتباه ما ورد في التعليق: ( نصب ” تسواهن ” أو المرأة الميسانية… التي وقفت إلى جانب المقاتلين العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت بين عامي 1980-1988.).

في الإشارة إلى أنه أكبر تمثال في العالم العربي وإنه شيِّد في الثمانينيات وإنه يُمثل المرأة الميسانية التي وقفت إلى جانب المقاتلين في الحرب العراقية الإيرانية ثم الإشارة إلى سنوات الحرب؛ في كل ذلك ربط مُحكم يُفيد بالمعنى أن المرأة الميسانية(الشيعية) شاركت المقاتلين ضد إيران (الشيعية) دفاعاً عن الحكم البعثي السنّي.. بمعنى أدق أن التمثال رمز من رموز القادسية الثانية.. وهنا مربط الفرس..

ولأجل ذلك نلقي الضوء على ظروف عمل التمثال. هذا التمثال وفكرته من إبداع وإنجاز الفنان النحّات المرحوم  أحمد البياتي. في البدء شغل موضوع المراة إهتمام الفنانين الميسانيين الرواد ؛ المرأة العاملة في معامل الطابوق والكوَّر, والفلاّحة في الحقول والأهوار, والمرأة الكاسبة في الأسواق. كان الموضوع شاغلاً للرواد أمثال عبد المنعم مسافر وعبد الرحيم البياتي (شقيق النحات أحمد البياتي) وصبيح عبود وكاظم جبر وشوكت الربيعي وأحمد أمين وغيرهم. كانت المعارض السنوية تُقدم الموضوعات الشعبية المتنوعة وبشكل خاص حياة الناس وما يتعلق بموضوعات النساء العاملات؛ على سبيل المثال كان عبد المنعم مسافر يُسمي لوحة المرأة (عمارية). معلومٌ أن المرأة الميسانية تُشارك الرجل في الإنتاج وفي مسؤولية الأسرة؛ وأحياناً يقع الجهد الأعظم من العمل الشاق على النساء, خصوصاً في الريف, في الزراعة بكل مراحلها وفي الصيد. أما في المدينة فالعاملات من الأوساط الفقيرة يتحملنَّ عبء المعيشة إضافةً إلى مسؤوليات الأسرة؛ كعاملات البناء ومعامل الطابوق ونقل الماء إلى البيوت أيام إفتقار البيوت إلى شبكات مياه الشرب؛ ترافق ذلك الزمن مع موجات من النزوح من الريف إلى المدينة وإنتشار البطالة في صفوف النازحين والشباب في زمن الإقطاع والحكم الملكي. كان موضوع الحياة الريفية يتصل مباشرةً بوجود المرأة في اللوحة؛ وقد تناول فنانوا ميسان هذا الموضوع بأساليبهم الخاصَّة وحسب تخصصاتهم الفنيَّة. من بين أهم الأسماء كان إسم أحمد البياتي الذي نشأ في بيئة إجتماعية فنية برعاية شقيقه الأكبر عبد الرحيم الذي أكمل دراسة الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة في بغداد أواخر الخمسينيات ولمّا عيِّن للترديس في المتوسطة المركزية في العمارة إتَّخذ من قاعتها مشغلاً للنحت؛ فظهرت على يديه تماثيل كبيرة لهرقل وفينوس والتماثيل الأولمبية الرياضية نُصبت في نادي العمارة الرياضي في تلك الفترة؛ ونستطيع أن نقول أن فن النحت دخل مدينة العمارة لأول مرة على يدي عبد الرحيم البياتي وعبد المنعم مسافر. في هذا المناخ الفني, وفي مطلع الستينيات كان أحمد البياتي يتطلع إلى دراسة الفنون وفن النحت بصورةٍ خاصَّة فقرر أن يُسافر إلى إيطاليا ويدرس على حسابه الخاص. ولمّا أكمل الدراسة عاد إلى مدينته وكان يحمل في ذاكرته موضوع المرأة (العمارية). في أواسط السبعينيات إشتغل مجموعة نماذج تُمثل المرأة وبعد إستحصال موافقات إدارية ومالية من المحافظة والبلدية بدأ العمل في التمثال. من المناسب هنا الإشارة إلى أن هذذه الفترة, السبعينية, شهدت حملة تزيينية للساحات في جميع المحافظات وتصميم نافورات ونصب تماثيل تُعبِّر عن الموروث الشعبي والموضوعات الفولكلورية؛ فظهرت المشاحيف والآلات الموسيقية والخيول وتماثيل الشعراء وقصص ألف ليلة وليلة وكان ذلك مشروعاً ثقافياً وسياحياً يعود إلى السبعينيات ودخول أموال فائض أسعار النفط العالمي.

إتَّبع النحّات أحمد في تمثالة أسلوباً غير مألوف في النحت العراقي؛ ما عدا تمثال ساحة النسور في بغداد لمحمد الحسني. وتمثال الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية الذي صنعه الفنانون الفرنسيون, ومثله تمثال المرأة حاملة السيف (روسيا الأم)  وهو تمثال كبير جداً.

كان عمل أحمد يُحاكي عمل شركة إنشاءات للحديد؛ العمل ليل نهار؛ فالعمل يقوم على تجزئة الغلاف الخارجي للتمثال على شكل صفائح مطروقة تُثّبَّت على هيكل حديدي وتتكامل الأجزاء بواسطة اللحام فوق القاعدة مباشرةً. نستطيع أن نقول أن أحمد البياتي إختزل دراسته الإيطالية في هذا التمثال.

وإنتهى التمثال قبل إندلاع الحرب العراقية الإيرانية أو ربما في بداياتها؛ ولم تكن الحرب ذات صلة بموضوع العمل؛ إنما هو يرمز للمدينة الجنوبية و الحياة والعمل .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here