الاستغلال السياسي للدين والطائفة 

ادهم ابراهيم

الاديان والطوائف في عالمنا العربي والاسلامي لم تعد مجرد ايمان وانتماء الى دين او طائفة معينة والدفاع عنها فكريا ، بل اصبحت إستراتيجيات خطيرة لتنفيذ اهداف سياسية ومصالح دولية واقليمية متعددة . وعندنا في العراق وسوريا ولبنان واليمن والان في ليبيا وتونس ، وقبلها في مصر والجزائر تم توظيف الدين والطائفة لتفتيت المجتمعات العربية واضعافها وبالتالي السيطرة عليها ، واذا اخذنا العراق انموذجا نجد ان اول خطوة قام بها الامريكان عند احتلال العراق  تشكيل مجلس حكم يستند على طوائف ومكونات لتقسيم المجتمع الواحد الى فئات متناحرة . وجاء الدستور ليعزز هذا المبدأ . الا اننا نجد في امريكا مثلا اديان وطوائف شتى ، ولكن الدستور الامريكي لم يؤسس الدولة على وفق هذه التقسيمات سواء على صعيد السياسة اوتوزيع السلطات الاجتماعية . 

لقد تحولت الشعوب العربية الى طوائف متناحرة ، تحت شعارات اسلامية متعارضة ، حتى اصبحت الحروب الطائفية السمة الاساسية لهذه المجتمعات ، وبذلك يتم التخلص من كل فكر عربي جامع او تقدمي او حضاري للبلدان العربية .
وتم تاكيد هذه السياسة بعد حرب 1973 التي اثبت فيها العرب قدرتهم على مواجهة التمدد الصهيوني ، واعطى مؤشرات خطيرة على امن الدولة العبرية .

واذا كانت الدول العربية تواجه اسرائيل كل عقد من الزمان تقريبا ، فان العرب الان يحاربون بعضهم بعضا داخل كل دولة عربية ، وهناك من يسأل مالذي فعله العرب ؟

وكأنه وجد الحل !

لقد فعل العرب على ضعفهم مالم يفعله دعاة الممانعة والمقاومة والشعارات الاسلامية الاخرى .

التحالف الاستراتيجي الاسرائيلي الامريكي وظف الاختلاف الطبيعي بين الطوائف والقوميات الى حروب اهلية دامية مازالت مستعرة الى وقتنا الحاضر ، بدل التعايش السلمي الذي كان سائدا .
وجعل من تركيا وايران ودول اخرى مخالب قط اقليمية لتنفيذ هذا المخطط . 
ولو كانت هناك حرب طائفية فعلية فلماذا لاتتقاتل تركيا  وايران مثلا . ولماذا ينسقون مواقفهم لتجنب أي صدام محتمل . بل انهم يتبادلون المصالح والمنافع على أرضنا العربية . وحتى البيادق التي يلعبون بها هم العرب انفسهم ، بعدما تم تغيير معتقداتهم وافكارهم على مدى سنوات من تطبيع السلوك الجمعي العربي وتحويله الى ديني طائفي متعصب .
وبعد تنفيذ الحرب الطائفية المفتعلة في العراق تم تجنيد السوريين للقتال فيما بينهم قبل ان يسخروا فيما بعد في حروب اقليمية مثل ليبيا واذريبيجان غيرها .

وفي اليمن تم استغلال طموح الشعب اليمني( بما فيه الزيديين والحوثيين) لحكم عادل وآمن ، فحولوا الحراك الجماهيري اليمني الى حرب طائفية لم ولن يستفد منها احد ، فحل الجوع والمرض والخراب في كل مكان .

لقد شهد جيل كامل بأم عينيه عملية شيطنة وتشتيت صراع الشعب ضد الدكتاتوريات والأنظمة السلطوية في المشرق العربي ومغربه ، وحرفه إلى صراعات محلية واقليمية ، تتبنى خطاب الشحن المذهبي والطائفي . وقد ساهم هذا الاستقطاب في تهميش مطالب الشعوب وتطلعاتها إلى الكرامة والحرية .
ورافق ذلك استخدام الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات لتأليب الناس بعضهم ضد بعض . ففي العراق مثلا هناك اكثر من خمسين محطة فضائية طائفية ، اضافة الى محطات اقليمية وعربية موجهة لهذا الغرض .

لم يدرك العرب الى يومنا الحاضر مخطط تقسيم وتفتيت مجتمعاتهم وبالتالي افشال دولهم . هذا المخطط الذي بشر به بريجينيسكي مستشار الامن القومي في عهد الرئيس كارتر . والذي يقوم على اساس التفتيت الطائفي والعرقي للدول العربية .
لقد صرح أرييل شارون الذي كان وزيرا للدفاع فى مقابلة مع صحيفة معاريف فى 18/12/1981 أن الظروف مواتية لتحقيق مشروع تفتيت الدول العربية، وبسط الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة .

في مصر وهي اهم دولة في العالم العربي ، تم افتعال العديد من الفتن الطائفية ، وخصوصا بعد ثورة 25 يناير ومثلت اكبر تحدي للشعب المصري . وفي عهد محمد مرسي ، اصبحت الخطابات الطائفية اكثر وضوحا ، مما اثارت المرارة في صفوف المصريين . ولولا الحركة التصحيحية للجيش المصري بمؤازرة الشعب الواعي لذهبت مصر الى المجهول .

وبعدها تحولت الدول العربية الى منطقة حروب اهلية طائفية فتم تدمير الدولة في سوريا ، ثم لبنان وليبيا  . وفي العراق قامت الحكومات  المتعاقبة بتجريده من الصناعة والتجارة والزراعة . وعطلوا الطاقة الكهربائية عصب الحياة التكنولوجية فانتشرت البطالة بين الشباب وعلى الاخص في الجنوب البائس الفقير .  ونشروا الرشوة والفساد وتزوير الانتخابات والتلاعب بالرأي العام في كل مكان ، وانسحب ذلك الى اغلب الدول العربية التي تعطلت فيها كل مقومات الحياة الكريمة .

في العصر الحديث قامت دول كثيرة ، غربية وشرقية بتفكيك التكتلات الدينية والعصبية التي كانت سائدة عندها ، ليحل محلها افكارا وعقائد وطنية تستند على ايديولوجيات سياسية واجتماعية . فساعد هذا التوجه على نشر روح المواطنة والتعاون المشترك في الدولة الحديثة . وعزز قيم التسامح واحترام الآخر ومعتقداته ، بعيدا عن اي انتماءات دينية اوطائفية .

الوطن هو بيتنا الكبير والسقف الذي ياوينا ويضمنا ويحمينا . ويتوجب علينا تعزيز الروح الوطنية والولاء له والدفاع عنه لاتفتيته وتقسيمه .

 
وكما بدأت عمليات التوظيف الطائفي لتخريب المجتمعات العربية من العراق بعد احتلاله ، فان عودة الوعي ستأتي هي الاخرى من العراق ،  وسيعود الوعي الجمعي العربي البعيد عن التوجهات السياسية الدينية والطائفية في كل المنطقة . ليحل الفكر التقدمي المتحرر الواعد بمستقبل أفضل .
ادهم ابراهيم
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here