المخابرات والإعلام .. والبحث عن ” المعلومة “

المخابرات والإعلام .. والبحث عن ” المعلومة ”

حارث الربيعي

عرض شيق أتحفنا به الباحث الإعلامي حامد شهاب ، من خلال كتابه الموسوم ” تسريب الاخبار والحرب النفسية في أجهزة المخابرات ” والذي صدر مؤخرا عن دار أمجد للطباعة والنشر والتوزيع الأردنية ، وبطباعة وتصميم رائعين للغلاف وطريقة عرض لمضامين الكتاب ، ويكاد يكون من وجهة نظر الكثيرين ممن إطلعوا على مضامينه وفصوله العشرة ، أول كتاب عراقي منهجي، يعرض للمتتبع في أجهزة المخابرات ، كيف تكون شكل العلاقة بين جهازين غاية في الأهمية ، ويشتركان في مهمة الحصول على ” المعلومة ” ، لكنهما يختلفان في طريقة عرضها ، فالأول يتجه بها الى إطارها السري المحدود ، بعد ان يتحقق من صحتها بوسائله المعروفة ، ويتوصل الى خيوطها واهدافها ، والآخر يبحث عن ضالته في أن تكون مادة إعلامية للاثارة ولفت الانظار ، الى ما يريد نقله أو تناقله ، من أخبار وأحداث مهمة يرى فيها الجمهور مبتغاه ، عندما يطلع عليها أو يبحث عنها.

لقد سلط الباحث الإعلامي ، الذي عمل في صحف ووكالات أنباء عدة وأشرف عليها وكذلك عمله في مراكز بحثية عديدة ، منذ نهاية السبعينات، سلط فيها الضوء على جوانب كثيرة من تلك المهمة الشاقة التي تختص بها الأجهزة الاستخبارية وتكون وسائل الاعلام ساحتها الرحبة ، بالرغم من ان الأخيرة ولجت بعض سمات من هذا النوع وادخلت التسريب في كثير من مضامين اخبارها ، حتى راح الكثيرون يفقدون ثقتهم بكثير من الاخبار والتقارير التي تعرضها الصحف والفضائيات ، بعد ان اشتركت وسائل الاعلام مع الاجهزة الاستخبارية في صيغ من هذا النوع ، وكانت بعض وسائل الاعلام وبخاصة الصحف، تعدها مادة دسمة لإثارة القاريء أو المشاهد أو المتتبع ، وهي عمليات تسريب الأخبار، وتدخلها في مانشيتات اخبارها المهمة على صدر صفحاتها الأولى وفي داخل تقاريرها الإعلامية بين ثنايا صفحاتها الأخرى وبين اخبار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.

ولم يقتصر الكتاب على التوغل في سمات العلاقة بين أجهزة المخابرات والاعلام ، وطبيعة مهام الأجهزة الاستخبارية ، بل راح يخصص فصولا أخرى كثيرة لأسس ومبادي العمل الإعلامي والتلفزيوني وبخاصة في ميدان الحوارات التلفزيونية، وسمات وخصائص القائمين عليها، ونظريات إعلامية مختلفة في التضليل الإعلامي والحرب النفسية، وقد وضع لنا ” خارطة طريق” للعمل التلفزيوني الناجح وبخاصة في ميادين من يقومون بمهمة الحوارات التلفزيونية .

كما أفرد الباحث الإعلامي حامد شهاب ، الفصل الأول من كتابه للحديث عن طبيعة مهمة تسريب الأخبار ، كونها تختص بها الأجهزة الاستخبارية، وعرض بإختصار مهام جهاز المخابرات في عمليات تسريب الأخبار، وكيف يتم إختيار كفاءات ومهارات متمرسة لهذا الغرض، من كبار المختصين والعاملين في الحقل الإستخباري والاعلامي من ذوي الخبرة، كونها تعد ممارسة على صعيد خاص ومحدودة جدا، وقدم رؤية غاية في الأهمية لمن يتولى تلك المهمة في تلك الأجهزة وكيف يقود مساراتها الهادفة في الاتجاه الصحيح!!

وهنا يؤكد الباحث الإعلامي في مقدمة كتابه أن هدفه الأساس من إعداد كتابه ( تسريب الاخبار والحرب النفسية في أجهزة المخابرات ) هو ” أن يكون هذا الكتاب شاملا لموضوعات مهمة من مباديء وأسس علم المخابرات وأساليب وعلوم وتوجهات الحملات الدعائية للحرب النفسية الحديثة وغاص في أعماقها، إذ لم تتطرق إليها الدراسات البحثية السابقة بشيء من التفصيل”.

ويبرر الباحث الاعلامي ولوجه هذا الميدان الحيوي البارع بأن ” إهتمام كتب ومؤلفات الحرب النفسية في الدراسات السابقة، خارج العراق وداخله ، كانت تتركز على تبيان ماهية الحرب النفسية وأسسها وأساليبها وتوجهاتها وأهدافها، في إطارها النظري الأكاديمي، دون الغوص في أعماق أحد فروعها المهمة ومكنوناتها ومضامينها الدعائية، الذي هو تسريب الأخبار أو فبركة الاخبار ، أو ما تسميه بـ ” فن الإختلاق ” ، كما كانت تطلق عليها أجهزة المخابرات الروسية في تنظيراتها الدعائية قبل عقود ، وبخاصة كتب الـ ” كي جي بي ” في زمن الإتحاد السوفيتي السابق” .

وأتفق كثيرا مع الباحث بأن صدور الكتاب الجديد ، سيكون فرصة ثمينة للباحثين في مراكز البحوث والدراسات المتقدمة وكليات الإعلام في جامعاتنا، ومؤسسات صنع القرار والكليات العسكرية المتقدمة، في هذا الكتاب المثير لجانب مهم من جوانب الحرب النفسية فرصتهم الثمينة لسبر أغوار هذا العلم الحيوي من علوم الإعلام، وتشجع طلبتها ودارسيها على إختيار عناوين أكثر إثارة لدراساتهم في البحث الإعلامي المتخصص بمهام جهاز المخابرات وعمليات تسريب الأخبار والحرب النفسية، وفن تسريب الأخبار، لكون المصادر والكتب التي تناولت هذا الميدان كما هو معروف ، قليلة، بل نادرة أحيانا، إن لم تحاول دراسات أخرى أن تقترب من شواطئه أو تلامس بعض توجهاته.

وكلنا أمل أن تجد فيه أكاديميات الإعلام وكلياته ومؤسسات البحث العلمي ضالتها في أن يكون معينها الذي سيرفدها بأسرار وخفايا وخيوط هذه الصنعة البارعة وفنونها، وكيف يكون بمقدورها أن تخصص جانبا كبيرا من اهتماماتها لهذا العلم الحديث، سعيا منها إلى أن تجد من يعينها بوضع إطار نظري يسهل على دارسيها وبخاصة في مراحل الماجستير والدكتوراه أن يضعوا هذا الفن المتقدم من الحبكة الإعلامية والصياغة الأسلوبية في مقدمة اهتماماتهم، ما يضيف كنزا إلى معارفهم وعلومهم في علوم الإعلام والحرب النفسية وفي مجالات العمل البحثي الأكاديمي، ليكون لهم زادا روحيا يغذي قريحتهم ويؤجج عقولهم لتركب سفينة الإبداع إلى حيث الذرى وتسلق سلالم النجاح.

وأقولها بكل صدق ، لقد شجعتني فصول الكتاب العشرة على قراءتها بالتتابع ، وبإسلوب مشوق وموضوعات في غاية الإثارة والعرض الممتع لجوانب خوض غمار الحرب النفسية وعلاقتها بأجهزة المخابرات، في العراق ودول المنطقة، وكيف توظف تلك ألاجهزة العمل الإعلامي الدعائي في ميادين تسريب الأخبار والحرب النفسية، والباحث بهذا يقدم خدمة جليلة لأي جهاز استخباري يريد تطوير إمكاناته وكوادره، كما أنه يشكل مادة مثيرة لإهتمام رجال الإعلام والمحترفين لتطوير قابلياتهم الاعلامية وبخاصة في ميدان صياغة الأخبار وتقديم البرامج التلفزيونية التي خصص لها الباحث عرضا شيقا عن سمات القائمين عليها ، وسبل إدارة الانشطة الاعلامية الفعالة القادرة على جذب إهتمام الجمهور، الذي سيجد فيها مبتغاه للحصول على المعلومة أو المتعة والاستمتاع بما يطلع عليه من معلومات، يجد من الصعوبة أن تهتم بها بحوث أخرى ، بهذه الأهمية ، ما يشكل نجاحا للباحث لخوضه تلك المهمة الشاقة ، ونعتقد أنه أجاد فيها أيما إجادة ، شاكرين له تقديم كتاب إعلامي استخباري إحترافي ، في زمن يكاد ظهور الكتاب ، في أكثر الفترات التي عاش فيها العالم عامة والعراق بخاصة ظرفا عصيبا ومأساة كورونا المروعة ، التي أصابت النشاط الإبداعي بشلل كبير .

كما يعد صدور الكتاب الان تحديا لكل الصعاب من أجل أن يظفر بتقديم مادة إعلامية ، نالت ثناء وتقدير كل من تصفح هذا الكتاب وإطلع على مضامين فصوله العشرة المثيرة للانتباه .. مع خالص تقديرنا له .. وأمنياتنا له بالنجاح والتألق الدائم ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here