علاء كرم الله
يتناقل الكثيرين في أحاديثهم وفي مناسبات معينة حديث ينسب للرسول العظيم محمد (ص)، ما نصه ( تخيروا نطفكم فأن العرق دساس)، في حين ثبت بأن لا صحة لهذا الحديث أبدا!!، وأعتبره فقهاء الأسلام وكتاب السير والأحاديث النبوية من الأحاديث الباطلة والضعيفة!. وهنا لابد من الأشارة بأن الأحاديث النبوية الشريفة للرسول العظيم محمد (ص)، تعرضت الى الكثير من التشويه والتلفيق والدس والتأويل والأضافات ، فقد نقلت ألاف الأحاديث على لسان الرسول (ص) التي لم يقلها!، والتي لم يتفق عليها الفقهاء وكتاب السير والحديث، ولا زالت أحاديث الرسول (ص) موضع جدال ونقاش كبير وكثير!. وعن موضوع الحديث أعلاه فقد أجمع الفقهاء وعلماء الدين مثل: أبن ماجة، وأبن عدي، والدار قطني، والخطيب، وكذلك صححه الألباني ، حيث أجمعوا:((( بأن هذا الحديث ، غير ثابت بهذا اللفظ وورد بلفظ آخر هو(تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا أليهم)، والكفاءة المقصودة هي بالدين والخلق، فقط وأما الكفاءة في النسب فهي غير معتبرة!، وكذلك نقل عن أبن عمر وأبن مسعود وعن محمد بن سيريه بأن المقصود: هو أختيار المرأة الصالحة ذات الدين والخلق لأنها المربية لأولاده والحافظة لفراشه))). الى هنا أنتهى ما ذكره الفقهاء عن الحديث. ومثلما يتضح من هذا الحديث الضعيف والباطل حسب ما جاء على لسان الفقهاء المذكورين آنفا، بأنه يخص عند أختيار المرأة للزواج!، ولا أدري لماذا يخص به المرأة فقط؟، ولماذا لا يخص به الرجل أيضا؟، فأن صح مثل هذا الحديث!، فالعرق يدس أن كان للمرأة أو الرجل!، وأيضا جاء بالتفسير للحديث أعلاه ، بأنه يتم أختيار المرأة الصالحة ذات الدين والخلق لأنها المربية لأولاده والحافظة لفراشه، أرى وقد يتفق معي الكثيرين، بأن التفسير ينطبق على الرجل أيضا ولماذا المرأة فقط؟، لأن الرجل هو رب الأسرة وزعيمها والمشرف والموجه والمربي للجميع والحافظ هو ليس لفراش الزوجية فقط وأنما الحافظ للأسرة ولبيت الزوجية ككل، أليس كذلك!؟. وبعيدا عن هذا الحديث أن كان حديث ضعيف السند وغير صحيح وأن كان حديث متفق عليه، أرى أنه أصلا، لا دخل ولا أثر للعرق ولا الدين، في البيئة الأجتماعية والأنسانية التي ينشأ بها الأنسان ويتربى فيها، لأنه سيكون نتاج تلك البيئة!. فعلى سبيل المثال: لو تبنت عائلة كريمة واضحة ومعروفة متكونة من أم وأب وأبناء، طفل من دور الرعاية
الأجتماعية أو من دور الأيتام ممن لا يعرف لهم أب ولا أم ولا نسب يعني وبمعنى أوضح ( لقيط)!، ليعيش ويتربى معها ، ووفرت له الرعاية الأنسانية والصحية والتربوية وأحاطته بجو من الحنان والألفة والمحبة ووفرت له كل سبل العيش الكريم الى أن نشأ وكبر ودخل المدارس ثم الجامعة، السؤال : كيف سيكون وضع هذا الأنسان من الناحية الأخلاقية والتربوية أن كان ولد أو بنت؟ الجواب، بالأكيد سيكون أنسان صالح للمجتمع لما يتمتع به من صفات وقيم ومباديء نبيلة تربى عليها وأخذها من محيط الأسرة الكريمة الطيبة التي تبنته وربته ومن المحيط الأجتماعي الذي كبر وعاش فيه، حتى وأن كان عرقه ونطفته من أم زانية وأب قواد!!، يعني وبتأكيد أكثر حتى وأن جاء من صلب ورحم حرام مائة في المائة؟!. ولنضرب مثلا آخر ولكن بصورة معكوسة: ونأخذ طفل من عائلة كريمة ومن نسب واضح ونقي وطاهر، لنأخذ هذا الطفل الذي نفترض جدلا أنه فقد عائلته لأي سبب كان!، ويتم وضع هذا الطفل وتربيته وسط أجواء عائلية وأجتماعية سيئة لا يسمع فيها ألا السب والشتم والكفر والكلمات البذيئة ولا يشاهد ألا المناظر المعيبة والمرفوضة أجتماعيا، وينشأ ويكبر وسط هذه الأجواء الموبوءة بكل العيوب الأجتماعية والأخلاقية، فكيف سينشأ، وكيف سيكون مستقبله؟، من الطبيعي والمنطق أنه سيكون أنسان غير سوي وسيء الخلق ويميل الى الأجرام وأرتكاب الخطأ!، لأنه أخذ كل أخلاق وصفات البيئة الأجتماعية التي تربى وكبر فيها، وستنعدم أية أثار لأي عرق يربطه بأمه وأبوه على الرغم من أنهم كانوا أناس صالحين!؟. ولنا بقصة الشاب الأسترالي / العراقي! ( أيمانويل) خير دليل على موضوع مقالنا بكل تفاصيله، رغم أن قصة هذا الشاب غريبة وأقرب الى الخيال!، (وسأروي لكم القصة بتصرف مني مع الحفاظ على مضمونها طبعا). شارك (أيمانويل) بالبرنامج العالمي الشهير( أكس فاكتور) بنسخته الأسترالية، وقدم نفسه للجنة التحكيم كمغني ويمتلك صوتا جميلا!، ومن الطبيعي أن اللجنة تسأل الشخص المشارك عن عمره ومن أية مدينة جاء، أجاب (أيمانويل)، بلغة أنكليزية واضحة حاله حال أي مواطن أسترالي!، لأنه لا يعرف اللغة العربية!، بأنه ولد في منطقة حرب، بلا بطاقة ولا هوية، ولا جواز ولا يعرف ماهو أسمه، ويقدر عمره 17 سنة، وأنه عراقي الأصل!!، فهنا أصاب اللجنة والجمهور الحاظر وكل من شاهده وسمعه الذهول وساد صمت غريب في الأجواء وكأن الطير وقفت على رؤوسهم!، لا سيما وأن ( أيمانويل) كان معوق!!، يمشي بساق واحدة والأخرى مشلولة وفيها ضمور وبيدين معوقتين، حتى أنه بالكاد أستطاع أن يمسك (المايك) عندما بدأ بالغناء!، وأكمل ( أيمانويل)، شرح قصته للجنة وللجمهور، بأنه وجدوه مع أخيه المعوق أيضا مرمين في صندوق! وهو كان مصاب بطلق ناري!، فتم جلبه الى دار الأيتام!، يقول (أيمانويل)، بأنه لم يكن يفهم أي شيء من الأصوات التي يسمعها!.
شاءت الصدف أن تزور( كيلي) مديرة رعاية الأطفال الأسترالية دار الأيتام هذه في العراق!، وهنا لا بد من التوضيح بأن (أيمانويل)، لم يذكر أية تفاصيل عن السنة والتواريخ؟، ولكن يبدوا واضحا أنها كانت بعد الغزو الأمريكي الغاشم للعراق عام 2003 !، ويكمل قصته للجنة قائلا عندما وجدتني أمي ( كيلي)!، ويقصد هنا أسم مديرة مؤسسة رعاية الأطفال حيث أخذ أسمها!!، يكمل قائلا كانت أمي (كيلي) كملاك أخذتني وجاءت بي مع أخي الى أستراليا لغرض أجراء جراحة لي!، يقول فوقعت أمي في حبي وأحتضنتني وربتني ولهذا أنا أخذت أسمها وسميت نفسي (أيمانويل كيلي)!، ثم قال للجنة بأن بطلتي هي أمي ( كيلي) لقد عملت بجهد كبير لتغيير حياتي أنا وأخي!. ومن الطبيعي أن هذه القصة كانت كافية لتبهر الجميع، اللجنة والجمهور الحاضر وكل من شاهد حلقة البرنامج، اللطيف في الموضوع بأن ( أيمانويل)، أبكى أعضاء اللجنة والجمهور لما يمتلكه من صوت جميل وحزين وهو يغني أغنية جميلة ومعبرة ومؤثرة فوقف له الجمهور واللجنة أحتراما وأنبهارا لشخصيته وصوته وحضوره وأستطاع ان يحظى بأجماع أعضاء اللجنة على فوزه وعبوره للمرحلة الأخرى من البرنامج!.( بأمكان القاريء مشاهدة فديو اللقاء كاملا على اليوتيوب). أخيرا أقول: بعيدا عن أنسانية هذه المرأة الأسترالية الصالحة والتي تعجز الكلمات عن وصفها، أن هذا الطفل المعوق مع أخوه المعوق الآخر، تربوا ضمن أجواء عائلية توفرت فيها كل الصور الأنسانية والرحمة والأخلاق والحنان والعطف والمباديء والمثل والقيم، فنشأ نشأة صالحة بهذا الشكل الأنساني والآدمي الكبير الذي أبهر الجميع. نعود ونسأل أي دخل للعرق في قصة (أيمانويل وأخوه)؟، الذي لا أحد يعرف من هو أبوهم ومن هي أمهم؟. الذي نريد أن نقوله أن الأجواء والبيئة الأجتماعية والمحيط الأسري التي يتربى فيه الأنسان هي من تخلق شخصيته وتنشئه نشأة صالحة أم سيئة، بعيدا عن موضوع العرق والأصل!. أخيرا أقول : أن اليتيم والمعوق ( أيمانويل) قال عن أمه ( كيلي) بأنها هي بطلته لأنها هي من أحتظنته وربته، وأسأل هنا الرئاسات الثلاثة وكل الطبقة السياسية: هل فيكم من يكون بطلا لأيتام العراق وأطفاله المعوقين والمشردين الذين يتسولون في الأسواق والطرقات وعند أشارات المرور؟؟؟. جعلنا الله حكما بينكم، وبين كل طفل عراقي يتيم ومعوق ومشرد!. والله المستعان على ما تفعلون.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط