خيوط صمتي كنسيج عنكبوت ــ قصة قصيرة
بقلم مهدي قاسم
شعرتُ بزيادة وتصاعد وتيرة ضوضاء وضجيج العالم حولي بجعيرعال ومزعج حقا ، حتى تحول هذا الضجيج إلى صفير قطار منطلق عبر نفق رأسي الطويل ، فتحتم عليَّ أن أفكر مليا لإنهاء هذه الحالة القسرية والمفروضة و التي أخذت تضايقني أكثر لحد كبير ..
فتمنيتُ أن أكون عنكبوتا يمتلك مصنع نسيجه الداخلي، فبدا لي في لحظات غامضة من سهو و استغراق كأنني أقوم بإفراز كميات كبيرة من أنسجة رقيقة ، شفافة ، هشة ، ذات بياض ناصع ، ولكن قوية كعروق حديد صلبة ثم أخذتُ ألف تلك الأنسجة حولي صمتي ليكون سياجا سميكا ، متنينا ، عازلا ، لا يخترقه أي صوت من اصوات العالم المزعجة ، مهما كان هذا الصوت مدويا ونفّاذا ، خارقا بالصميم ، وهكذا استمريت بلفها من تحت إلى فوق و من هناك نزولا إلى أخمص القدمين ، حتى غدا صمتي متغطيا ، متلبسا، مرصوصا بمتانة رائعة ، حتى بدا و كأنه رضيع مقمط بأقمشة متينة ..
ولكن مع ذلك فإن ضجيج العالم استمر يخترق صمتي بنفس النبرة العالية من ضوضاء متصاعدة شيئا فشيئا ..
وكأن شيئا لم يكن ..
إذن كل هذا السياج السميك عبثا وهباء منثورا ..
كيف يمكن أن يكون هذا معقولا ؟..
سألتُ نفسي بذهول وشرود ساهِ !..
ولكن ……….
وإذا بيّ انطلق فجأة بقهقهة عالية وطويلة ، يمكن قد سمعها حتى جاري السابع !..
إذ إنني سرعان ما عرفتُ أن هذا الضجيج و الضوضاء العاليين ما هما سوى صخب أفكاري نفسها .. عواصف صمتي ذاتها !..
أجل أصوات أفكاري العالية برنين ضجيجها الصاخب هي بالذات ..
ثم اكتشفت ُ بأنه من السهل أن تبني جدار خارجيا حول نفسك ،سواء بأسمنت مسلح أو بنسيج عنكبوت رقيق وشفيف ،
أما عصف دواخلك وتلاطم أفكارك وارتجاج وإعصار صمتك ، فمن المستحيل أن تحمي نفسك منها ، حتى لو كان جدارا صينيا قديما وطويلا !..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط