أفخم الاحتفالات الملكية الآشورية في التأريخ

    بقلم : عضيد جواد الخميسي

لطالما أُعتبر بعض ملوك الإمبراطورية الآشورية الجديدة (912-612 ق.م) من أكثر الملوك قساوة في التاريخ القديم عندما  كانوا ينهبون المدن ، ويتخلصون من الذين يثورون ضدهم ، أو قاوموا غزوهم ، وغيرها من الأعمال العدائية تجاه خصومهم ، إلا أنه في الجانب الآخر كانت لديهم هواياتهم واهتماماتهم الخاصة . فعلى سبيل المثال ؛ كان الملك سنحاريب (705-681 ق.م) ، مولعاً بالبستنة ويفضّل الزهور في تنوعها ، ويرعى الحدائق العامة. بينما ابنه إسرحدون ( 681-669 قبل الميلاد) ، وحتى خلال حملته على مصر ؛ كان اهتمامه اًكثر في بناء المشاريع من اقامة الغزوات والحروب . كما ان ابنه وخليفته “آشوربانيبال” ( 668-627 ق.م) ، المعروف اليوم بمكتبته الضخمة ، قد بذل جهوداً حثيثة في الحفاظ على الأدب والثقافة أكثر من أي حملة عسكرية كان عليه شنّها .

يمكن رؤية هذا النمط نفسه مع ملوك الإمبراطورية السابقين أيضاً ، وتلخيصه في حدث يمكن اعتباره من أفخم الاحتفالات المُقامة في العالم القديم .

الملك “آشورناصربال” ( 884-859 ق.م) ؛الملك الثالث للإمبراطورية الآشورية الجديدة ، الذي وضع معياراً في التوفيق ما بين حكم القبضة الحديدية و المظاهر الاستعراضية ؛وذلك عندما رعى حفلاً كبيراً وشاملاً في عام 879 ق.م . جاء هذا الاحتفال بمناسبة إنجاز مدينته الجديدة “كالهو” (التي يطلق عليها أيضاً كاليه ، أو كالا ، أو نمرود) ،  وافتتاح قصره الجديد فيها .

 

دعا الملك آشورناصربال الثاني البلاد بأكملها ، وكان عدد الحضور 69,574 شخصاً ، بما في ذلك 16,000 مواطن جديد من كالهو ، و 5,000 من الشخصيات البارزة في مملكته وتوابعها ، والأراضي الأجنبية. يعتقد بعض العلماء أن ذلك الحفل ربما خدم الملك كواجهة للعلاقات العامة ، وأن الملك آشورناصربال لم يكن يرغب في إظهار الخلافات والمشاكل حتى مع أعدائه الذين يخشونه ويحترمونه  .

ومن المرجح أيضاً وحسب اعتقاد العلماء ، أن أشورناصربال استضاف هذا العدد الهائل من المدعوّين ، لسببين ؛أولهما :أنها كانت رغبته في توثيقها كواقعة لم تحصل من ذي قبل. وثانيهما : تَرِكْ رسالة واضحة إلى الأجيال القادمة كي تتمكن من قرائتها ، وتتمنى لو كان بإمكانها الحضور في تلك المناسبة .

 

الملك آشورناصربال الثاني ؛هو إبن الملك “توكولتي نينورتا الثاني” ( 891-884 ق.م) ، أحد أكثر الملوك الآشوريين حماساً ، والذي توسعت في عهده الحملات العسكرية ، مخلّفاً له ثروة كبيرة مع موارد متنوعة .  وهو أيضاً حفيد الملك “أداد نيراري الثاني” ( 912 -891 ق.م) ؛الذي كان أول ملك للإمبراطورية الآشورية الجديدة ؛عندما أعاد ترسيخ الهيمنة الآشورية في جميع أنحاء بلاد الرافدين . استمر آشورناصربال في سياسات كليهما ؛لكنه لم يكن مهتماً كثيراً في توسيع حدود إمبراطوريته مثل اهتمامه وحرصه في تأمين حياة شعبه وتنمية معيشته في حدود الرفاهية العالية . مع ذلك ؛ وباعتباره ملكاً ؛ كان عليه أن يثبت سلطته وشرعيته من خلال الحملات العسكرية.

علّق الباحث “مارك فان دي ميروب” على هذا الموضوع بما يلي :

“الملك ؛يُعد ممثلاً للإله آشور ، ويمثل القوة والنظام . أينما بسط سيطرته كان هناك سلام وطمأنينة وعدالة ؛ وإذا لم يكن حازماً ، قد تعمّ الفوضى ويقوى التمرّد . إذ كان واجب الملك إحلال النظام في العالم كله ، مبرراً ذلك ؛ توسعاته العسكرية. ” (تاريخ الشرق الأدنى القديم ، ص 260)

بناء على ذلك ؛ فعندما كانت تندلع الثورات والانتفاضات ؛يتم إخمادها بسرعة كبيرة . كانت حملته الأولى ضد مدينة “سورو أو سوخو “(مدينة بابلية) ؛ التي ثارت ضده في عام 883 ق.م ، ثم توجه شمالاً للتعامل مع الثورات التي تحصل هنا وهناك . في مدينة “تلا “( يُعتقد أنها مدينة في الأناضول )   مثلاً ؛ أمر بقطع أذرع وأرجل قادة الثوّار، وتعليقهم على رؤوس الأوتاد ، وقصّ أنوفهم ، وقطع آذانهم وأصابعهم ، وقلع أعينهم ، وقطع رؤوسهم وربطها على سيقان الأشجار في جميع أنحاء المدينة .

أما عن حملته على لبنان . فقد ذكر أحد نقوشه الذي عثر عليه في مدينة كالهو ، ما يلي :

” في ذلك الوقت ؛ بسطتُ سلطتي على كامل جبل لبنان ( تور ليفنون) ، ثمّ وصلت إلى البحر الكبير في بلدة أموورّو. قمت بتنظيف أسلحتي في أعماق البحر، وقدّمت قرباناً من الخراف الى جميع الآلهة . فرضتُ الجزية على كل ساحل البحر – على سكان سُر(صور) ، سيدو(صيدا) ، جُبلا (جبيل) ، مهلاتا ( طرابلس) ، مايزا ، كايزا ، أمورّو ، و أرفاد (جزيرة في البحر) . كانت سبائك من الذهب والفضة ، والقصدير، والنحاس . وأوعية من النحاس ، وملابس من الكتّان ذات زركشة متعددة الألوان ، قرود كبيرة وصغيرة ، خشب الأبنوس ، خشب البقس ( لاستخدامات طبيّة )، وأنياب من العاج ، كانت تلك جزيتهم يقدمونها لي ، بعد تقبيل قدميّ ” . (بريتشارد ، ص 188)

 

سيطر آشورناصربال على إمبراطوريته ، و وعد بحمايتها ، وأثبت نفسه كملك محارب يستحق لقبه ، وبالتالي حوّل اهتمامه إلى مشاريع البناء. قام بتجديد العاصمة آشور والمركز التجاري المهم في نينوى ، واستمر من هناك لإعادة بناء وإعمار العديد من المدن الأخرى .

في إعادة إعمار آشور ؛ يعتقد العلماء ؛ ربما قد خاب أمل آشورناصربال في المدينة كعاصمة لامبراطوريته حيث لم تتح له الفرصة  في ترك بصمته عليها ؛ ولعلّ ذلك الشيء قد ألهمه في إنشاء عاصمة جديدة كليّاً . ورغم ذلك ؛ لابد من الإشارة إلى أن تلك الأفكار مجرّد تكهنّات لاغير ؛ إذ لم يعط الملك أي سبب في اختياره لكالهو عاصمة له .

 

العاصمة الجديدة

كانت كالهو تقع على الطريق التجاري الحيوي بين آشور ونينوى ، والتي تعدّ منطقة مركزية للتجارة الآشورية منذ الألفية الأولى قبل الميلاد. وقد تم بناؤها على موقع مركز تجاري سابق في عهد الملك “شلمنصر الأول” (1274-1245 ق.م) ، ولكنها لم تلق الاهتمام الكافي في صيانتها ، مما أدى إلى تدهورها عند بداية تولي الملك آشورناصربال العرش الآشوري .

 

أصدر آشورناصربال مرسوماً لبناء مدينة جديدة بالكامل على أرض كالهو وجعلها عاصمة له ، ليترّفع على أسلافه في عاصمة حديثة وجميلة للغاية ؛ لدرجة أنه لا يمكن مقارنتها مع أي مدينة أخرى . غطّت العاصمة الجديدة حوالي 360 هكتاراً (890 فداناً)  من الأرض ، وأحاطها بسور طوله 7.5 كيلومتر. ورد في أحد نقوش الملك آشورناصربال ، الآتي :

“مدينة [كالهو] القديمة التي بناها شلمنصر ملك أشور، والأمير الذي سبقني ، تدهورت أحوال تلك المدينة ودُمرّت ، ومن ثمّ تحولت إلى تلّ و كومة أطلال . تلك المدينة التي أنشأتها أنا من جديد ؛ جعلتُ من البساتين حولها مثمرة ، فاكهة وخمر قدّمتها إلى أشور سيدي و إلهي . حفرتُ أُرضها إلى مستوى عمق الماء . بنيتُ سورها الشاهق ، ومن ثمّ أكملتُ البناء فيها من أولّه حتى آخره.” (باور، ص 336 )

 

أراد الملك آشورناصربال الثاني التأكد من أن مدينته تنافس جميع المدن الأخرى ، ليس فقط تلك التي شُيدّت من قَبله ؛ ولكن لأي مدينة قد تُشيّد من بعده .

تصف عالمة الآثار “سوزان وايز باور” ، المدينة في بضعة سطور:

“كاليه أو كالهو؛ من الآن فصاعداً ستكون مركز حكومته. أصبحت آشور نفسها مدينة احتفالات كبرى . في كاليه لم يقم فقط ببناء المباني الحكومية ، ولكن قصراً مزيناً بنقوش أسماء المحاربين والملوك الذين انتصر عليهم تجده شاخصاً . عند مداخل قاعة القصر حيث تُقدم له عروض الجزية ، هناك تماثيل عدة لحرّاس القصر، والتي هي عبارة عن ثيران مجنّحة ضخمة برؤوس بشرية ، ووجوههم تشبه صورة لـ آشورناصربال نفسه. ” (ص 337)

علاوة على ذلك ، فقد أنشأ آشورناصربال حديقة حيوانات (تعتبر الأولى من نوعها) ، إذ تتميز بالحيوانات الغريبة ، والحدائق الغنّاء من الأشجار والزهور الأجنبية الرائعة التي أتى بها من حملاته العسكرية. عندما تم الانتهاء من بناء المدينة والقصر ؛ كانت جدران القصر مزينة بنقوش مزخرفة مصحوبة بنقوش ، وتغطي أنحاء الممرات والغرف . بعد الانتهاء من اللمسات الأخيرة على الشكل الذي يرضيه ، أعلن آشورناصربال عن موعد احتفاله الكبير ، الذي دعا فيه الجميع للحضور لمشاهدة ما أنجزه .

 

دوافع بناء المدينة الجديدة

على خطى الملك “تيگلاث پايلسر الأول” ، الذي حكم قبله ( 1115-1076 ق.م ) ، لم يكن الملك آشورناصربال الثاني يكترث فيما إذا كان الناس يحبونه أو يكرهونه ، طالما يخشونه ويطيعونه !

كان من الممكن اعتبار التجمّع الكبير للناس في مهرجان كالهو ، بأنه غير ضروري من قبل الملك الذي بذل بالفعل جهوداً كبيرة للتأكد من أن اسمه قد اقترن مع السلطة المطلقة إلى درجة الخوف والرعب .

على الأرجح ؛ أن الملك آشورناصربال الثاني الذي أصرّ على احتفاله ؛كان فقط  ليُظهر أن مدينته الجديدة مع قصرها الفخم بجنانها الواسعة ، وحديقتها الفريدة للحيوانات لا تضاهيها أيّ مدينة أخرى في جمالها .

ان أسباب تصرفات الملوك الآشوريين ليست واضحة في أغلب نقوشهم كما كتب الباحث مارك فان دي ميروب في تعليقه التالي  :

” من صحيح القول ؛ يبدو أن بناء مدن جديدة كان مشروعاً معقداً . إذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً ؛ فإننا نتوقع أن يقوم الملوك الذين قاموا بذلك ؛إعلان طبيعة منجزاتهم المختلفة في نقوش البناء الخاصة بهم . ومع ذلك عندما ندرس هذه النصوص ؛ نجد نقصاً في المعلومات حول جوانب معينة من المشروع . في المقام الأول ؛ يجب أن يكون لدى الملوك دافعاً لبناء هذه المدن الشاسعة ، ولكن عندما ننظر إلى تاريخهم ، لا نجد أي سبب لإقامة هذه المشاريع أو تلك . بررّ الملك آشورناصربال إعادة بناء مدينة كالهو ؛ هو مجرد بيان أن المدينة التي بناها سلفه شلمنصر قد أصبحت متداعية. “(مدينة بلاد الرافدين القديمة ، ص 55)

 

بنفس الطريقة التي شعر بها الملوك في عدم الحاجة إلى تبرير بناء مدنهم ، يبدو أن الملك آشورناصربال لم يشعر بالحاجة أيضاً إلى توضيح أسباب دعوته للاحتفال ، وقد كتب في أحد نقوشه ، مايلي :

” لقد شرّفتهم ( وليس شرّفوني ) في قصر كالهو ، بدعوة 47,074 شخص من الرجال والنساء . الذين تمت دعوتهم من كل جزء في مملكتي ، 5,000 شخص من كبار الشخصيات والمبعوثين من أراضي سوهو، هندانو ،الپتينو ، الحثيين ، سـُر(صور) ، سيدو(صيدا)، گرگمّو، ماليدو، هوبشكو ، گيلسانو، گومو ، و موساسيرو . كذلك  16,000 شخص من كالهو ، و 1,500 شخص من مسؤولي القصر .مجموعهم كانوا 69,574 شخص ، من ضمنهم المدعوون من جميع أراضي وشعب كالهو – وعلى مدى عشرة أيام ؛ منحتهم الطعام ، ومنحتهم الشراب ، لقد سمحت لهم بالاستحمام ، ومسح أجسامهم بالزيت. هكذا كرّمتهم ، وأعدتهم إلى ديارهم بفرح وسلام .” (فان دي ميروب ، تاريخ الشرق الأدنى القديم ، ص 234)

كما أن الملك آشورناصربال ، لم يذكر أي سبب لغزو مدينة “تلا ” وذبح سكانها ، كما أنه لم يشعر بحاجة توضيح سبب ذلك الاحتفال . ان المبررات لهذين الحدثين (وأي شيء من هذا القبيل ) يبدو أمراً مقضيّاً ؛ على اعتبار ان الإله “آشور” العظيم ، قد باركه ، ولا داعي إلى ذكر أي سبب بعيد عن ذلك .

 

الاحتفال العظيم

تم الاحتفاظ بقائمة الأطعمة المقدّمة في الاحتفال الكبير . وكانت مأدبة الملك آشورناصربال قد شملت على سبيل المثال لا الحصر، مايلي :

 

1,000 ثور ، 1,000 رأس من الماشية والأغنام ، 14,000، خروف مستورد ومسمّن ، 1,000 من النعاج ، 500 من الطيور

500 من الغزلان ، 10,000 سمكة ، 10,000 بيضة ، 10,000 رغيف خبز ، 10,000 قدح من البيرة ، 10,000 حاوية نبيذ .

(باور ، ص337)

وشملت المكونات أيضاً ؛التوابل والأطعمة الأخرى ؛ كالسمسم والحبوب ، العنب ، البصل والثوم ، العسل والخردل ، الحليب ، المكسّرات ، الجبن والزيتون ، التمر والسمن ، واللفت .

كما كتب “فان دي ميروب “:  “كانت هذه مأدبة خاصة ، ويُستحَق التفاخر بها ” (مدينة بلاد الرافدين القديمة ، ص 155). مع ذلك ، يواصل العلماء التكهن بشأن سبب رغبة الملك في إقامة مثل هذا الاحتفال المنظّم للناس ؛عندما لم يكن عليه القيام به .

 

لا يوجد سبب محدّد للاحتفال ، وعلى المرء أن يستنتج ؛ لربما قد شعر الملك ان من واجبه في جعل إعادة بناء عاصمته حدثاً كبيراً ومهمّاً . إذ كانت كالهو مركزاً تجارياً قديماً ومحصنّة بشكل جيّد ؛ولكنها انهارت على مرّ السنين .

لقد أعاد آشورناصربال بناء المدينة من جديد ، وأراد بذلك أن يرى شعبه وعدد من الملوك والأمراء ، وجموع غفيرة من القادة المحاربين وأعوانهم بمختلف بقاع الأرض (الذين يقبلون دعوته ) ؛ تلك الانجازات العظيمة ، كي يقدرّوا جهوده الجبّارة ، ويثنون على أدائه . كان أكبر فخر له هو قصره الجديد ، ويبدو أن التفسير البسيط والمقبول هو ؛ أن الملك أراد فقط إظهار ما أنجزه (خارج ساحة المعركة ) إلى أكبر حشد من الناس .

هذا لا يعني بالطبع أنه لم يكن يرغب في إقناع الناس بانتصاراته العسكرية. على الرغم من اعتقاده ؛ يمكن دعوة عدد قليل ومحدود من الضيوف إلى القصر قد يفي بالغرض المطلوب . غير أنه كان يريد من الشخصيات البارزة المذكورة في النقش ، وأكبر جمع من شعبه وضيوفه ؛ أن يشاهدوا النقوش الكثيرة التي تبطّن جدران القصر مع الرسومات النحتية ، والتي تُصوّر الملك عندما يقتل الأسود بيديه العاريتين ، ويطيح بأسوار المدينة ، ويذبح أولئك الذين يعارضونه . كان المدعوون قد قرأوا كلمات الملك ، مراراً وتكراراً على النقوش ، في ما يسمى (النقش النمطي ) . ويصف عالم الآثار”جوناثان تايلور” النقش في هذا المقطع :

” النقش النمطي ليس شيئاً في حد ذاته؛ بل هو نص مسماري موّحد مكتوب باللغة الأكدية ، والذي تم نحته لمرّات عدة وعلى امتداد 22 سطراً من النص ؛احتفالاً بمنجزات آشورناصربال . تؤكد السطور الخمسة الأولى من النقش على صفات الملك :

الملك آشورناصربال ممثل الإله آشور، المختار من أحد الإلهين إنليل و نينورتا ،  المُحببان  من الإلهين أنو و داگان ، فهو سلاح مدمّر من الآلهة العظيمة ، ملك قوي ، ملك الكون ، ملك آشور ، ابن توكولتي نينورتا الثاني ، ملك عظيم ، ملك قوي ، ملك الكون ، ملك آشور ، ابن أداد نيراري ، ملك عظيم ، ملك قوي ، ملك الكون ، ملك آشور ؛ رجل شجاع يعمل بدعم من أشور إلهه وسيده ، ليس له منافس بين أمراء الجهات الأربع ، الراعي المدهش ، لا يهاب المعارك ، هو الطوفان الكبير الذي ليس له مصّد ، الملك الذي يخضع له العصاة ، الملك الذي يحكم جميع الشعوب ، رجل قوي يدوس على أعناق خصومه ، يقوى على جميع الأعداء ، محطّم قوى التمرّد ، الملك الذي يعمل بإسناد ودعم من أسياده الآلهة العظيمة ، عندما غزا جميع الأراضي ، بسط سيطرته على جميع الأراضي المرتفعة ، واستحصل  جزيتهم ، ماسك الأسرى ، الذي انتصر على جميع البلدان …

تشير السطور التسعة التي تلت إلى مدى انتصاراته ، الممتدة من جبل لبنان في الغرب إلى أرمينيا في الشرق ، ومن ثمّ التوغل جنوباً  الى الأراضي البابلية.

تخبرنا الأسطر الثمانية الأخيرة كيف أعاد الملك آشورناصربال بناء مدينة كالهو (وجعلها عاصمته) ، والتي استقرّ فيها نازحون من الأراضي التي غزاها حديثاً . وأنه قد بنى قصراً عظيماً مرصعاً بأفضل الأخشاب والمعادن والتماثيل الحجرية لوحوش الجبال والبحار ؛ ثم ملأه بالغنائم . ” (ص 3)

 

لا شك أن الشخصيات الكبيرة المدعوّة في ذلك الاحتفال كانت مندهشة من حجم وسعة القصر الجديد ، وجمال المدينة ؛وذلك من خلال صور ونقوش مفاخر الملك ، والتهديد غير المعلن لما سيحدث لأي واحد منها فيما لو فكرّت في معارضة ممثل الإله آشور . هذه بطبيعة الحال ليست سوى آراء طرحها المؤرخون (على الرغم من أنها تبدو تتماشى مع شخصية آشورناصربال) ، ويمكن أن تكون النقوش ببساطة في ظاهرها على انها سجل لانتصارات الملك الشخصية والمهنية المحفوظة للأجيال القادمة على جدران قصره ، ولكن ليس بالضرورة أن يراها ضيوف احتفاله .

 

حكم الملك آشورناصربال الثاني مدة 25 عاماً ، واستمر اهتمامه في مشاريع البناء التي شملت ؛ ترميم وتوسيع وتجميل العديد من المدن في جميع أنحاء إمبراطوريته . كما استمر في رعاية شعبه ؛ من خلال تأمين حدود الإمبراطورية ، وإنشاء مستودعات ومخازن غذائية ، وسدود للاحتياطات المائية في أوقات الأزمات ، وتعزيز الاقتصاد من خلال أربعة عشر حملة عسكرية ناجحة. ومع ذلك ؛لا يوجد دليل يشير إلى أنه أقام احتفالاً آخر على غرار احتفال كالهو الذي حدث في عام 879 قبل الميلاد .

 

نظراً لعدم وجود وقائع آخرى عن احتفال كالهو بخلاف نقوش الملك ؛ وعليه ؛ فمن غير المعروف عن مدى استمتاع الضيوف في ذلك الحفل ، أو ما إذا كان أي من كبار الشخصيات قد أُنتهكت كرامته من خلال النقوش المرسومة على الجدران ، أو من خلال سلوك مُضيّفهم تجاههم .

كل ما هو معروف هو أن الملك أشورناصربال الثاني ملك آشور؛ قد رعى أفخم احتفال قد حصل على مدى التاريخ . ومن خلال روايته المدوّنة والمرسومة على جدران قصره ؛ أراد التأكد فقط من أن الأجيال القادمة ستتذكره دائماً ..

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سوزان وايز باور ـ تأريخ العالم القديم ـ شركة نورتون للنشر ـ 2007 .

مارك فان دي ميروب  ـ تأريخ الشرق الأدنى القديم ـ بلاك ويل للنشر ـ 2006 .

مارك فان دي ميروب  ـ مدينة بلاد الرافدين القديمة ـ جامعة أوكسفورد للنشر ـ 1998.

ستيفن بيرتمان ـ الحياة في بلاد الرافدين القديمة ـ 2005 .

جيمس بريتشارد ـ مختارات من النصوص والصور/ تاريخ الشرق الأدنى ـ 2020 .

ولفرام فون سودن ـ مقدمة في دراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم ـ بي ايردمانزـ لايتننغ سورس ـ 1994.

جوناثان تايلور ـ النقوش النمطية للملك آشورناصربال الثاني ـ من منشورات مشروع النمرود / المتحف البريطاني ـ 2015 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here