سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو؟ في 4ح

سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو؟ في 4ح، (*) ح1 د. رضا العطار

اسمه الاصلي (روزيه)، واصفهان في منشؤه الاكثر ترجيحا عند مؤرخي الاسلام، ومسقط راسه منها في ناحية (جيان)، في الامبراطورية الساسانية، زرادشتي الهوى. وقيل عنه انه من سلالة ملوك فارس القدماء، عُرف عند العراقيين قديما باسم سلمان باك. ونظرا الى انه كان كالسيد المسيح (حصورا) اي لا ياتي النساء، وهو المتداول عنه لدى العوام، لذا سمّي سلمان باك اي الطاهر.

هاجر روزيه من موطنه في ظروف غامضة واتجه الى الغرب فمرّ بالموصل واستقر في الشام – وكان فيما يبدو في اول صباه – فانضم هناك الى دير متنصرا على يد راهب. وخدم الدير والراهب مدة حتى مات الراهب – وكان قد اطلع على امور منه تدل على عدم الامانة – اذ كان الراهب يجمع الصدقات باسم الدير ثم يكتنزها لنفسه ولا يوزع منها على فقراء المؤمنين – فاخبر روزيه اهل الدير بجلية امره ودلهم على الصناديق التي كانت تحتوي على المال، فكشفوا عنها فوجدوها ملأى بالذهب – – فنبشوا قبر الراهب وصلبوه ثم قاموا يرجمونه بالحجر – – – وجاؤوا برجل آخر ليخلفه في رئاسة الدير – يقول عنه سلمان فيما بعد انه كان من فضلاء القوم.

وعزز هذا الراهب ايمان روزيه المسيحي – فاستمر معه في خدمة الدير حتى توفي – فاوصى به الى راهب آخر في نصيبيين، فكان كصاحبه، وعندما مات انتقل الى ديرعمورية. في هذه المرة اخذ روزيه يشتغل لنفسه الى جانب خدمته للدير – فصارت لديه بعض الماشية والغنم – – ثم توجه الى الحجاز مع بني كلب.

ان تنقل روزيه بين عدة مطارح يرجع الى بحثه عن مجالات لخدمة الفقراء عن طريق الاديرة ويستفاد من حكايته هذه انه كان معنيا بمعرفة من سيشتغل عنده بعد الصدمة التي سببها له الراهب الاول. ويمكن ان يكون قد تنقل فعلا بين هذه الاماكن بحثا عن الامناء من رجال الدين ذووي النوايا النقية، هدفهم خدمة رعاياهم.

يقول مؤرخو سلمان ان دافع خروجه من موطنه هو البحث عن الدين الحق – وهم يربطون بين هذا الدافع وظهور النبي محمد بطريقة يفهم منها ان السماء حركت الفتى في اتجاه البحث عنه – وان المسيحية لم ترو غليله، فهجرها ليبحث عن ذلك السر الالهي الذي قد تكون السماء اعدته لموعد جديد مع البشر – – لكن روزيه امضى ايامه السابقة لحلوله في الحجاز وهو يقوم بمهام دينية ضمن مؤسسة دينية كانت في اوج النشاط والازدهار – فليس هناك ما يدعو الى تركها ليواصل الرحلة في بلاد مجهولة – ينبغي في الواقع ان نفهم من هذا الانقطاع بعد عمورية، ان روزيه قد كبر ونضج وصارت همته ابعد من مدى الخدمة اليومية في الاديرة – ويفترض انه كان فد سمع في ذلك الحين بظهور نبي عربي في الحجاز، فعزم على التوجه اليه.

بعد الوصول الى المدينة توجه روزيه الى النبي الموعود (محمد) واعلن اسلامه على يديه. وفي ذلك الوقت غيّر النبي الكريم اسمه من روزيه الى سلمان جريا على عادته مع الاشخاص الذين ياتونه لاعلان اسلامهم حاملين اسماء غريبة او غير مستساغة – وقد نُسي اسمه الاصلي بعد اشتهاره باسمه ولقبه الجديدين (سلمان الفارسي). وحاول اتباع الامام علي بن ابي طالب تسميته سلمان المحمدي لكن الاسم لم يتعمم – وتقول المصادر الشيعية انه اسلم في السنة الاولى للهجرة – ويراد من هذا التبكير اعطاء احد الاركان الاربعة، وهم كلهم من اوائل المسلمين. لكن سلمان لم يوجد له ذكر في معركتي بدر واحد وانما يبرز اسمه فجأة في معركة الخندق (5 هجرية) وكان قد اشار على النبي لمواجهة الحصار بان يحفر الخندق حول المدينة – وكان سلمان يعرف هذا الشكل من التحصينات في وطنه الآصلي القديم والتي كانت غير المعروفة في الجزيرة العربية.

كان روزيه عند وصوله الى يثرب والتحاقه بالنبي محمد، يحمل اشياء، هي التي القت به الى ذلك المكان النائي عن موطنه. ان هذا ما يتأكد بالعلاقة الاستثنائية التي جمعت بين الرجلين وتمثلت في لقاءات متكررة كانت تتم بينهما على انفراد وتستمر ساعات طويلة.

ويذكر ابو نعيم في (حلبة الاولياء) عن ابي درداء الذي كان متآخيا مع سلمان، ان (رسول الله اذا خلا بسلمان ليلا لم يبغ احدا غيره) ويضيف : ( كان لسلمان مجلس من رسول الله ينفرد به في الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله) – والضمير في (يغلبنا) عائد الى زوجات النبي !

ان ما كان يجري في هذه الجلسات بقى في عداد الاسرار، وقبل الخوض في ذلك نود ان نلم بمسألة اللغة – اذ ان روزيه عندما خرج من بلاد فارس، لم يكن يحسن العربية – كما ان الاماكن التي اشتغل فيها بعد تنصره، كانت تستعمل اللغة السريانية – ويقول مؤرخو سلمان ان عربيته كانت ضعيفة وانه اذا تكلم لا يكاد يُفهم – وكان يلزم للتفاهم في جلسات سرية طويلة اداة توصيل كافية لاستقصاء امور كبرى من تلك التي لا بد انها قد اثيرت في الجلسات، وعندئذ لا بد من الافتراض ان محمد كان يعرف اما الفارسية او السريانية.

في هذه العلاقة الاستثنائية بين محمد وروزيه يمكن تلمس الدور المبكر الذي نهض به العنصر الفارسي في الدعوة المحمدية. يجب ان نضع في الحساب ان روزيه قدم من موطن الحضارة الساسانية والحركة الزرادشتية، من ابو شروان وخلفائه.

ويروي ابن عساكر عن علي بن ابي طالب قوله عن سلمان انه (ادرك علم الاولين والاخرين. من لكم بلقمان الحكيم)

ويشير ذلك الى تفرد سلمان بمعرفة لم تكن لدى المسلمين العرب، هي على الارجح ما تحصله في موطنه ومن رحلاته في مطارح المسيحية السريانية، وهنا يقول ابن عبد البر

(كان سلمان صاحب الكتابين، ويعني بهما الانجيل والقران – – – وهذا مفهوم تماما، فلا شك في انه تبحر في دراسة الاناجيل ايام الاديرة حيث كانت النسطورية تغطي بنشاطها ما بين ايران والعراق وكردستان والجزيرة وشمال بلاد الشام – – – معنى ذلك ان تكون لسلمان ثقافة متميزة عن بقية اصحابه المسلمين، وارد في ضوء الحقائق اعلاه – – وقد وردتنا شذرات تدل على عقلية فاحصة ربما اتصلت بخلفية معرفية معينة. ومن لوامع ما يؤثرعنه رسالته الجوابية الى ابي الدرداء – وكان ابو الدرداء من اهل المدينة – الانصار – وقد اخاه النبي مع سلمان ضمن طريقته في المؤاخاة بين مسلمي المدينة والمهاجرين اليها. واشتهر ابو الدرداء بدراسته للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وهو معدود في علماء الصحابة وكان ينطق بحكم مستقاة من الاسفار- – ويذكر عنه انه كان اخر اهل المدينة اسلاما – ولعل لهذا التأخير صلة بدراسته القديمة قد تحمل على الظن انه لم يكن مكتمل الايمان – وقد جمع ابو الدرداء بين مسلك تدين فاقع مع رغبة شديدة في الحياة الدنيا، طبقا للمثل السائد : (الاكل مع معاوية ادسم، والصلاة خلف علي أتم) فكان يقبض من معاوية بعد انفراده بالخلافة، وجاوره في الشام حتى مات وقبره معروف في قلعة دمشق. وفي سياق شخصيته هذه كتب ابن درداء الى سلمان رسالة يدعوه فيها الى الرحيل لبيت المقدس حتى يحظى بثواب الموت فيه، فكان رد سلمان :

(ان الارض لا تقدس احدا، وانما يقدس كل انسان عمله !)

الحلقة التالية في الغد !

* مقتبس من كتاب شخصيات غير قلقة في الاسلام للمفكر العربي هادي العلوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here