سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو ؟ ح 2

سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو ؟ (*) ح 2 د. رضا العطار

ينقل الطبري : وفي اخبار فتح المدائن حين عبر المسلمون على ظهور الخيل، ان سلمان علق على هذا الاقتحام الصعب بقوله :

(الاسلام جديد. ذلك والله لهم البحور كما ذلل لهم البر) – – –

قوة الجديد من اركان حركة التاريخ – وعليها تستند التاريخانية في حتميتها المستمدة من ديالكتيك ماركس مع افراط ادى بها الى الخلط بين الجبري والحتمي.

ويتداول المسلمون حكمة علي بن ابي طالب : ( اذا اقبلت الدنيا على احد اعرته محاسن غيره، وان ادبرت عنه سلبته محاسن نفسه ) – – – وهذا المعنى يرد بتعبير آخر في مثل منظوم :

إن اقبلت، باض الحمام على الوتد وان ادبرت، بال الحمار على الفهد

والاقبال والادبار سيرورتان متبادلتان عنده – وهم يختلفون في مصدرهما فينسبها اهل الدين الى الفعل الالهي، بينما يربطها الفكر العادي بتقلبات الدهر – وهي فكرة جاهلية تقف وراء تسميتهم للدولة – باعتبارها كيانا غير دائم بل متداولا بين الناس.

وبصرف النظر عن مسئلة المصدر الفاعل هنا، فان سلمان يدل على تفهم لجدلية الاقبال الجديد بما تتضمنه من خصوصية قوة، تجعل اهل الجديد قادرين على التحكم بحركة تاريخهم بثقة راسخة تصل الى حد اقتحام الانهار الكبرى على ظهور الخيل – وهي نفسها تلك القوة التي تجعل الحمامة تبيض على وتد فلا تسقط البيضة.

لكن سلمان لم يشتمل على شخصية مثقف – ولا مجال للاعتقاد بحصول تركيز معرفي في الوسط السيرياني الذي اشتغل فيه قبل الاسلام. ونحن نضع في الاعتبار ان روزيه لم يكن مهموما بالبحث عن الحقائق – فما كان يستولي عليه هو مسألة العدل في الحياة العملية للناس – وهذه لا تحتاج الى البعد الثقافي – ويمكن الاستنتاج من مجمل سيرته وما اكتنفه من اوضاع وتوجهات انه بقى اكثر تاثرا بالوسط المزدكي في موطنه الاول منه بالوسط السيرياني اللاحق – هذا (العلم) الذي وصف به ووصل الينا في الشذرات هو اقرب الى الوعي الشخصي لقائد يمتلك من قوة الذهن ما يتفق / او يستدعيه / مع كفاحه الاجتماعي والسياسي.

ليس لدينا تفاصيل عن نشاطات سلمان بعد التحاقه بالاسلام سوى خطته لتحصين المدينة بالخندق – وكان قد اشترك في جميع المعارك في عهد النبوة ثم في معارك فتح العراق على عهدي الشيخين ابو بكر وعمر – ولم تذكر له مآثر مذكورة في الحروب لانه لم يكن معدودا في المقاتلين – ولا شك في ان تاثيره اكبر في التشكيلة الايديولوجية الاجتماعية للاسلام الا ان هذا التاثير مدموج في العناصر الساسانية والمزدكية والفارسية عموما والتي تحتويها مصادر الاسلام الاول : الكتاب والسنة، ولن تفيدنا في شئ يخص سلمان، لان التقاليد الفارسية كانت مفتوحة لعرب الجاهلية – ويصعب فرز ما لسلمان عن غيره – – وفي وسعنا – مع هذا – تصور مساحة مخصوصة لفاعلية هذا المهاجر الفارسي ! و في ضوء العلاقة الاستثنائية مع النبي محمد، لكن هذه العناصر الفارسية لم تكن تفيدنا في شئ يخص سلمان لان التقاليد والمأثورات الفارسية كانت مفتوحة لعرب الجاهلية، فقد جرت بشأنها خطوب كثار انتهت بنسخها تحت ضغط اغنياء الصحابة في مسيرة الدعوة اللاحقة.

سلمان الفارسي هو احد الاركان الاربعة للصحابة الكبار الذين انحازوا الى علي بن ابي طالب، فكانوا معه، هم المؤسسين الاوائل للتشيع وهم ابوذر الغفاري وعمار بن ياسر ويختلفون على الرابع فيذكر بعضم المقداد بن عمرو وبعضهم حذيقة بن اليمان – ولهذا الاختلاف في الرابع والاتفاق على الثلاثة دلالة تتصل بشخصية المقداد وحذيقة – ذلك ان المقداد مع شدة موالاته للامام علي كان معدودا من اغنياء الصحابة الذين استفادوا من عوائد الفتوحات. – اما حذيقة فقد انهمك في ادارة البلدان المفتوحة الى حدود يمكن ان تكون شغلته عن متابعة قضيته المشتركة مع الامام علي بنفس المستوى الذي كان عليه سلمان وابو ذر وعمار. هذا مع كونه حذيقة لم يؤثر عنه تمسك بالفقر يضارع مع ما عرف به الثلاثة ولم انه لم يشتهر بالغنى ايضا.

ويسجل الشيعة موقفا سلبيا للركن الاخر عمار بن ياسر – اذ يقال انه تردد في تأييد الامام علي. وهكذا يسلم الركنان ابو ذر وسلمان من اي شائبة تشكك في مسلكهما ام اختلاف على ركنيتها – وهذه الدقة في فرز خصال ومواقف الخمسة تسجل لسلمان وابي ذر مبدئية خاصة – وهي التي ظهرت على مستوى الالتزام الشخصي بالمبادئ من جانب الركنين وتمثل ذلك في امتناعهما عن التملك بعد تدفق عوائد الفتوحات على الصحابة الذين اصبحوا اثرياء بعد انتصار دعوتهم، مكرسين بذلك سنة مطردة في الحركات الاجتماعية التي تنتهي الى اقامة دولة مركزية / مع اختلاف الايديولوجيات ومراحل التاريخ والمناشئ الطبقية للقادة – – – ونقف بين سلمان وابي ذر على تطابق شبه كامل في مجمل القضايا التي انطرحت في الصراع وتحكمت من ثم في نشاطهما الاجتماعي والسياسي الذي تدامجت فيه خيارات الموقف السياسي مع المسلك الشخصي. فكلاهما رجح الفقر على الغنى رغم الاغراء الشديد.

لم يتخذ احدهما قصرا لسكناه بل اقاموا في بيوت عادية مما كان لعامة اهل المدينة قبل الاسلام، يبنونه بالاجر والجص. ولم يتزوج سلمان كما هو ابو ذر باكثر من زوجة واحدة – ولم تكن لاي منهما (جواري) للتسرّي – وانما كان لكل منهما خادمة مدمجة في العائلة تساعدهم في شؤون المنزل – وكان سلمان يشاطرها العمل – فاذا ارسلها في حاجة الى السوق وهو في المنزل تولى اعداد العجين بدلا منها حتى لا يجتمع عليها واجبان

ويطرح مسلك سلمان والغفاري مفارقة التأصل الاجتماعي في تابع بالقياس الى المتبوع – ذلك ان امامهما علي بن ابي طالب خالفهما التملك والتسري وتعدد الزوجات مع بقائه ملتزما بالدفاع عن مبادئه العامة. وكان قد تخلى عن امواله بعد الخلافة تحقيقا لمذهبه بالزهد كالتزام للحاكم دون المحكوم – لكن سلمان وابا ذر – فيما يبدو – اعتبروا الالتزام شاملا للقادة خارج السلطة ولم يخصصوه بقترة الحكم – ولدينا روايات عن علي بن ابي طالب يتحدث فيها عن خصوصيات سلمان وابي ذر نقف في بعضها على التصريح بشعوره بالضعف ازاءهما.

بعد وفاة محمد وبيعة السقيفة – تكرس الانشقاق الاول في الاسلام – كان انصار علي بن ابي طالب اقلية، وقد قام كل من سلمة زوجة النبي وام ايمن زوجة زيد بن حارثة وفضة خادمة فاطمة الزهراء واولادها الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وسلمان وعمار والمقداد وابو ذر والحذيقة بدفن فاطمة الزهراء سرا، حسب وصيتها، لئلا يصلي عليها ابو بكر.

وفي رواية للكشي، خطب سلمان بعد بيعة السقيفة، معترضا على خلافة ابي بكر فقال : (اما والله لو وليتموها عليا، لأكلتم من فوقكم ومن تحت ارجلكم )

لكن بعد ان مرت ازمة السقيفة واخذت جيوش الفتح في التحرك، انضم سلمان الى جيش الفتح العراقي ودخل مع الفاتحين الى عاصمة الامبراطورية الساسانية طيسفون التي سماها العرب (المدائن) ومن ذلك الوقت لم يظهر نشاط لسلمان مع مجموعته الشيعية. لكنه تعاون مع عمر بن الخطاب متبعا خطا امامه علي بن ابي طالب، مع احتفاظه بدور الناقد، فكان يحاسب عمر اذا راى منه انفاقا زائدا عن حاجته الشخصية، هذا ما يرويه

( ابن الجوزي )

الحلقة التالية في الغد !

* مقتبس من كتاب شخصيات غير قلقة في الاسلام للمفكر العربي هادي العلوي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here