سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو ؟ (*) ح 4 الأخيرة

سلمان الفارسي، الصحابي الجليل، من هو ؟ (*) ح 4 الأخيرة، د. رضا العطار

لقد اشتد الخلاف بين عمر بن الخطاب و سلمان الفارسي، يتعلق في كيفية ادارة محافظة المدائن، (الاسم البديل لطيسفون، عاصمة الامبراطورية الساسانية) بعد سقوطها نتيجة الفتح الاسلامي. فعمر يريد لدولته مظاهر الأبهة، وسلمان يريدها على عكس ذلك،

وهذه المعادلة الحرجة يقوم عليها المشروع السياسي برمته. وقد اتجه لتشكيل بيروقراطية للولايات تتأل من الوالي ووجوه الناس، وبين في تعليماته للولات ان المسلم العادي يكفيه ان يُحكم بالعدل والانصاف، ليس من اللازم ان تكون له مشاركة في الحكم.

ويتفرع على خطة عمر موضوع (هيبة الدولة) وكان يريدها – ولو في حدود اللقاحية التي لم يكن بوسعه ان يكسرها لاقامة دولة مستبدة، لم يتعودها العرب.

لذلك لما بلغ عمر ما كان يقوم به معاوية في الشام – وكان حينذاك واليه عليها – من الاسراف في مظاهر السلطة والابهة الديوانية. كتب اليه يحاسبه، فرد عليه معاوية بانهم مجاورون لدولة الروم، ويلزم ان يظهروا امامهم بمظهر قوة – – فأقرأه عمر عليها.

ولما اراد عمار بن ياسر ان يسير في الكوفة بسيرة سلمان في المدائن، عزله عنها. لان الكوفة صارت حاضرة العراق والمشرق – ولا يصح ان تدار بدون سلطة كما تدار مدينة فاقدة الاهمية.

ويبدو على اي حال – ان الخلاف لم يحسم بين الخليفة عمر والوالي سلمان – – وثمت غموض يلف مصير سلمان وولايته، وقد تخبط فيه المؤرخون، فلم يصلوا الى قرار نهائي بخصوصه.

تقول الرواية ان عمر عين حذيقة بن اليمان – لكن الثابت ان حذيقة مات في المدائن واليا عليها – وقبره معروف حتى اليوم فيها وعليه مسجد كبير يضمه مع ضريح سلمان حسب الشائع عند العراقيين. وكانت وفاة حذيقة سنة 36 للهجرة بعد ايام من وصول خبر بيعة علي بن ابي طالب خليفة للمسلمين – – – اما وفاة سلمان فمختلف عليها – – اما بخصوص مكان الوفاة – اذا قبلنا ان تكون المدائن – فهو ان المدائن كان لها واليان في وقت واحد – – ووفاة حذيقة معروف اما وفاة سلمان، يأتي الخبر مبتور بدون اي متعلقات، نستأنس بها، لضبط الحدث.

في مصدر خارجي متأخر للازدي القلهاني يردنا خبر عن رجوع سلمان الى موطنه في زمن عمر. وذكر القلهاني في معرض الرواية ان لسلمان اخ في شيراز وان له نسلا هناك وله بنت في اصفهان وبنتان في مصر – – – ويذكر ابن الجوزي في (مرآة الزمان) ان لسلمان بنتان، واحدة في شيراز والاخرى في مصر – – – وتفيد الرواية ان الصحابة الكبار الذين ضبطت تواريخ واماكن وفاتهم بدقة كبيرة، لم تذكر رواية تفيد ان سلمان توفي في زمان عمر. – – في حين يضعها ابن حجر في (الاصابة) بان وفاة سلمان حدثت – على الارجح – بعد عشرة سنوات اي في عهد خلافة علي بن ابي طالب.

ان الاختلاف في تعيين سنة وفاة سلمان مع انقطاع اخباره منذ خلافة عثمان وانعدام التفاصيل المتعلقة بخبر الوفاة ترجح الى الروايات التي تحدثت عن عودته الى اصفهان ووفاته هناك. – – ويضع ذلك مصير ولايته على المدائن في احتمالين :

ان يكون عمر قد عزله عنها او ان يكون اعتزالها بعد اشتد ضغط عمر عليه. لكن مصادر الادارة العمرية لا تنص على شئ من ذلك – وهي دقيقة ومضبوطة الى حد كبير بحيث لا يرد الا القليل من الاختلاف في مصائر الولاة والولايات في ذلك العهد – فلو حدث عزل بقرار رسمي او اعتزال بقرار شخصي لنصت عليه المصادر.

وتقديري ان سلمان قد ارتأى ترك الولاية ومغادرة المدائن في صمت. وان ذلك حدث مع وجود حذيقة في المدينة بحيث يكون قد استلم الولاية من سلمان ثم جرى تثبيته فيها بقرار من عمر – – هذا هو الحل الوحيد المعقول للمصير الغامض لروزيه الاصفهاني.

لقد كانت الثمرة المكتملة لرحلة ذلك الغريب وتقلبه في الامصار والاديان وبين الاديرة والمساجد هي المساهمة الفارسية المبكرة في تأسيس الاسلام.

اما احلامه في مجتمع الفقراء – فقد تبددت بدون شك – ويغلب على ظني انه استقر في موطنه الاصلي ليمضي ما تبقلى من ايامه في التأمل والعبادة في المسجد الذي بناه لنفسه هناك – – وقد لا يكون عاش طويلا بعد العودة – وقد تكون الرواية القائلة بوفاته زمن عمر هي الاجدر بالقبول.

حكايات عن سلمان : يتكرر عند مؤرخيه انه عاش 250 سنة – – وقالوا انه لم يكن له بيت في المدائن، فكان يبيت تحت الاشجار او في ظلال الجدران – – وحينما قال له رجل : ألا تبني لك بيتا ؟ قال : مالي فيه حاجة فما زال به الرجل حتى قال له – انا ابني لك البيت الذي يوافقك. صفه لي ! قال : ابني لك بيتا اذا انت قمت فيه اصاب راسك سقفه واذا انت مددت فيه رجليك اصابها الجدار قال نعم – فبنى له بيتا بهذه الصفة، وهي اشبه بزنزانة انفرادية.

وفي خبر آخر ان حذيقة قال له : الا تبني لك بيتا ؟ قال لم تجعلني مالكا ؟ وتجعل لي دارا مثل بيتك الذي في المدائن – – – ولهذا الخبر اساس فلا بد ان اصحابه واعوانه في المدائن ارادوه ان يقيم في منزل خاص به كأمير وهو متمسك بالاقامة في منزل عادي من منازل عامة الناس – – وحديثه مع حذيقة يؤكد ما اوردناه عن الاختلاف بينه بين المقداد في المرتبة – فسلمان كان يعيّره بقصره المنيف في المدائن.

واختص سلمان بمعجزات ليست لغيره من الاركان الاربعة، وهم اقرب الصحابة للنبي محمد – – – فقد كان كالمسيح يعلم ما يجري في البيوت وتنبأ بمذبحة كربلاء يوم عاشوراء قبل وحدوثها باعوام كثيرة، وهو يمر بها في طريقه الى المدائن.

و دخل عليه ابو ذر مرة وهو يطبخ، فانكب القدر مرتين ولم يسقط من مرقها شئ، فخرج ابو ذر مذعورا – وكان يعرف اسم الله الاعظم، هذه كلها من مصادر الشيعة، ومن معجزات سلمان حسب ما رواه لي عمي الحاج ناصر حيث قال :

ان سلمان لم يكن يستعمل الحطب للطبخ، فإذا اراد الطبخ مدّ رجله وقدح ابهامه بيده فاتقدت الابهام ثم يضع القدر عليها حتى ينضج فيسحب رجله وينفخ ابهامه فتنطفئ النار – – – فضلا عن ذلك يعتقد الشيعة ان سلمان كان يتلقى الحديث بالالهام.

وعن موته رووا ان رسول الله قال له : اذا حضرتك الوفاة حضر اقوام يجدون السريح ولا يأكلون الطبيخ، وهذه اشارة الى الملائكة – – لذلك عندما احتضر، اخرج صرّة فيها مسك كان النبي قد اهداها اليه – فنضحها من حوله وطلب من زوجته ان تخرج وتغلق الباب – فخرجت – ولما رجعت وجدته قد مات. وكان ذلك كي ينفرد بضيوفه الذين استقبلهم بالمسك.

يزور البغادة بلدة سلمان الفارسي المسماة عندهم سلمان باك لمشاهدة بقايا ايوان كسرى والتبرك بالضريح المنسوب لسلمان – وللحلاقين عناية خاصة به لانهم يقولون انه كان حلاق النبي – – وللبغادة اهزوجة يرددونها وهم في طريقهم للزيارة تقول :

(وال مايزور السلمان، عمره خسارة)

* مقتبس من كتاب شخصيات قلقة في الاسلام للباحث الفذ هادي العلوي..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here