مصير وحدة اراضي العراق في الميزان

مصير وحدة اراضي العراق في الميزان

منذ اكثر من اربعين عاما وبالتحديد منذ ايلول 1980 لم تتوقف الدماء العراقية من النزف بغزارة. فمن الحرب العراقية الايرانية الى حريق مستشفى ابن الخطيب. مرت على العراق مراحل قاسية من زمن دكتاتورية الفرد حيث ماسي الحروب مع ايران فالكويت فالحصار الظالم حتى احتلاله من قبل امريكا واذنابها العراقيين. ثم جاءت الطامة الكبرى عندما فرضت امريكا دكتاتورية كردستان على العراق ودكتاتورية الطائفيين المنتمين للشيعة على الشعب العراقي بسنته وشيعته. جاء الخونة المختارين مع الاحتلال فشرعوا دستور طائفي عرقي هدم ودمر وحدة العراق الاجتماعية والجغرافية. فخدم بصورة اساسية كردستان والعملاء المتاجرين باسم الشيعة.
بات اذناب الاحتلال قادة البلاد الجدد ومليشياتهم التكفيرية بديلا للجيش العراقي. بدا عمليات التصفية والاغتيالات والتهجير والاعتقالات لاشراف العراق ومناضليه منذ الايام الاولى للاحتلال ضد العلماء وكبار العسكرين. فتحولت البلاد الى غابة القوي فيها ينهش ويقتل الضعيف. اضحى السلاح بكل انواعه الخفيف والثقيل بيد حفنة همجية سلطتها امريكا وايران على العراق. مر العراق على اثرها باسوء مرحلة من الحرب الاهلية التي استمرت من 2006 حتى عام 2014. حيث دمرت وهمشت محافظات على خلفيات طائفية كديالى والانبار والموصل وكركوك وصلاح الدين وقسم كبير من العاصمة بغداد اضافة الى بابل والبصرة. ثم اختلقت وصنعت امريكا وايران داعش للايغال في سفك الدم العراقي لتكون الرديف المكمل لمليشيات الحشد وبدر الاستئصالية وغيرها.
كان عموم الضحايا من السنة والشيعة رغم ان الذي سلطهم الامريكان لحكم العراق ينتمون وراثيا الى الشيعة. عم الفساد والفوضى الخلاقة وغير الخلاقة البلاد سار العراق بخطوات جنونية سريعة نحو الردى والتخلف والرجعية على جميع الاصعدة التعليمية والصحية والاقتصادية والعلمية. عاد التعصب الطائفي وعادت القبلية والعشائرية الى الواجهة. فرضت القوى المسلحة والعصابات المنتمية الى الاحزاب الحاكمة قوانينها الهمجية من جديد. لتخرج البلد من العصر الحديث لتعيده الى عصر الظلمات.
من الاحتلال الغاشم الى حرق مستشفى ابن الخطيب مر العراق ولا يزال في اسوء عصر تاريخي منذ تاسيسه. يدفع العراقيون فيه فاتورة ثقافتهم السطحية التي اهملت قيم اساسية كالتسامح والعدل والمساواة والحرية والكرامة والاستقلال والشجاعة. فشل فيه العراق لبناء مجتمع متالف متوازن يتقدم نحو الرقي الاخلاقي والمادي.
لا يزال العراقيون ينتظرون معجزة لتخرجهم من المازق الذي هم فيه ولا يعرفون كيف يخرجون منه. كانت انتفاضة تشرين خرقا ايجابيا في عادات العراقيين السلبية. كان من الممكن التقدم نحو بناء وطن حر. لكن مثلما اجهض الاخوان المسلمين ثورات الربيع العربي عندما فرضوا انفسهم لقيادة تلك الثورات. عملت بعض الاحزاب اليسارية والليبرالية نفس الشيء في العراق فاستثمرت الانتفاضة لتحقيق مكاسب انانية او حزبية او مناطقيه.
حريق مستشفي ابن الخطيب التي بنيت في العهد الملكي موشر خطير يرمز على ان نظام الاحتلال الطائفي المتخلف لم يكتفي بتدمير المنشاءات التعليمية والادارية انما حتى ما تبقى من رموز المنشاءات الصحية لكي يكون العراق رمزا عالميا للتخلف الحضاري المصاحب لتدمير مؤسسات جميع العهود الماضية في جميع المجالات. اضافة الى التمزق المجتمعي بين السنة والشيعة وبين السنة والسنة وبين الشيعة والشيعة. اضافة الى العشائرية والعصبية وعصابات. بلد اضحى بلا هوية ولا دين جامع ولا مبادئ اخلاقية. بلد ينتمي حقا الى العصور المتخلفة ما قبل الحداثة.
نعلم اليوم باننا في زمن الحليم فيه حيران كما قال رسول الله. نعلم ايضا بان هناك الكثير من النخب العراقية المخلصة الصادقة المهنية قدمت الكثير من المقترحات لبناء بلدها. لكن الاحتلال وايران وعملائهما العراقيين ببغداد همشوهم ورفضوا كل خططهم. نخب ارادت ولا تزال تعمل لاخراج العراق من عنق الزجاجة عبر حلول مبتكرة لها حظ كبير من النجاح. لكن ارتباطات الطغمة الفاسدة الحاكمة في بغداد بالاجانب تمنع اي حل يخرج العراق من محنته.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here