صمت طويل كجدار صيني ـ قصة قصيرة

صمت طويل كجدار صيني ـ قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

شعر بزيادة وتصاعد وتيرة ضوضاء وضجيج العالم حوله بجعير عال ومزعج حقا ، حتى تحول هذا الضجيج إلى صفير قطار منطلق على هواه ، بلا كوابح مضبوطة ، عبر نفق شبيه بمتاهة غير مرئية،: ضجيج قاس يلسع الأعصاب كضربة مخلب نمر! ، فتحتم عليه أن يفكر مليا لإنهاء هذه الحالة القسرية التي أخذت تضايقه أكثر مما ينبغي ..
فتمنى أن يكون عنكبوتا يملك مصنع نسيجه الداخلي من بياض حرير رقيق ، فبدا له في لحظات غامضة من سهو و استغراق كأنه يقوم فعلا بإفراز كميات كبيرة من أنسجة رقيقة ، شفافة ، هشة ، ذات بياض ناصع ، ولكن قوية كعروق حديد صلبة ، ثم أخذ يلفّ تلك الأنسجة حولي صمته ليكون كسياج سميك ، بل متينا ، عازلا ، لا يخترقه أي صوت من أصوات العالم الشرسة ، مهما كان هذا الصوت مدويا ونفّاذا و خارقا ، فهكذا استمر بلفها من تحت إلى فوق و من هناك نزولا إلى أخمص القدمين ، حتى غدا صمته مرصوصا بمتانة حصينة و صلدة ..
ولكن مع ذلك فإن ضجة العالم استمرت تخترق صمته بنفس النبرة العالية من ضوضاء متصاعدة وعالية مثلما سابقا ..
وكأن شيئا لم يكن…
كل هذا الجهد المثابر و الحماس الحميم ..
إذن كل هذا السياج السميك كان عبثا وهباء منثورا ؟..
كيف يمكن أن يكون هذا معقولا ومنطقيا وعادلا ؟..
سأل نفسه مدهوشا !..
وإذا به ينطلق بضحكة ساخرة و قوية، يمكن قد سمعها حتى جاره السابع !..
إذ إنه سرعان ما تيقّن أن هذا الضجيج و الضوضاء العاليين ما هما سوى صخب وعواصف أفكاره هو بالذات ترددها أصداء قباب صمته العالية !..
أجل أصوات أفكاره العاصفة برنين ضجيجها الصاخب ..
ثم اكتشف بأنه من السهل أن تبني جدار خارجيا حول نفسك
أمام عصف دواخلك وتلاطم أفكارك وارتجاج وإعصار صمتك ، فمن المستحيل أن تحمي نفسك بأي جدار خارجي سميك و عال ِ حتى لو كان جدارا فريدا على شاكلة الجدار الصيني القديم !..
وأردف مختتما نوبة تداعياته الساخنة :
ـــ لذا فيتحتم عليَّ أن أتخلص من ضجيجي الداخلي الصاخب وسخونة أفكاري قبل أن اتخلص من شراسة ضجيج العالم الخارجي !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here