التعصب الطائفي هو المرض العضال في العراق

ان مرض الطائفية تراكم في اذهان بعض العراقيين خصوصا الشيعة المسيسين منذ فترات طويلة نتيجة ظلم بعض الحكام المنتمين تاريخيا الى اهل السنة في العهود الاموية والعباسية. ولعل تراكم الاحقاد جعل بعض مرضى النفوس الخروج من ربقة الاسلام عندما تعاونوا مع الغزاة التتار لاحتلال بغداد كابن العلقمي الوزير العباسي الذي خان ولي نعمته.
فعل نفس الشيء اقطاب المعارضة العراقية عندما دخلوا مع جيش الغزو الامريكي الى بغداد. ان هذه الخيانة العظمى خلفت ورائها نتائج ماساوية لا يزال العراقيون يدفعون ثمنها. فبعد ان سلم جيش الاحتلال السلطة لاولئك العملاء منذ عام 2003 ظلوا متشبثين بها ولا يزالوا حتى يومنا هذا. ان خيانة الوطن الغادرة لها خلفيات ثارية ليس لها علاقة بسياسة الحكم الدكتاتوري السابق. انما هي تراكمات من عادات وتقاليد لبست لبوس الدين والمذهب. فترسخت لدى المجتمع العراقي تعود الى العهد الصفوي. ذلك العهد الذي اخرج التشيع عن خطه الاسلامي المعتدل الذي رسمه الامام جعفر الصادق.
لا نريد ان نذهب بعيدا ولنبدا من تاسيس جمهورية إيران الاسلامية واشتعال الحرب العراقية الايرانية بعد منتصف عام 1980. لنرى مدى اسقاطات الفكر الصفوي على بعض شيعة العراق في الخارج. اذ نرى بوضوح مدى انفصام الشخصية العراقية والتقلبات التي انتابتها خصوصا المعارضة العراقية بالخارج. فعلى سبيل المثال استخدمت التقية (اظهار امر ما واخفاء عكسه) استخداما مبالغ فيه. من الصحيح ان القران الكريم قد اقر التقية للحفاظ على حياة المسلم المضطهد في حالات استثنائية. “لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون الله ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير”.
ان هناك الكثير من الامثلة الحية التي تبين شناعة هذا المسلك منها ممارسات المعارضة العراقية في ايران. فعندما عقدت مؤتمرات في طهران دعي بعض الافراد من اهل السنة والجماعة العراقيين لحضوره. لكن تبين ان الهدف من دعوتهم هو لذر الرماد في العيون ولايهام الراي العام العربي والدولي بان تلك المعارضة لا تريد ان يستفرد بالحكم وحدها في المستقبل. اما في اروقة المؤتمر وكواليسه فتمارس ضد هؤلاء الضيوف سياسة التسقيط والتشكيك بمصداقية معارضتهم النظام العراقي ولا قيمة لرايهم في اتخاذ القرارات.
في تلك الفترة كان السياسيين الشيعة العراقيين قد صعدوا مطالبهم السياسية وباتوا يتحدثوا باسم عموم الشيعة بهدف استلام الحكم (ما ولي الا علي ونريد حاكم جعفري). اضحوا يعتبرون عموم اهل السنة مغتصبين لحقهم في السلطة ولا فرق لديهم بين سني معارض للنظام العراقي او مساند له. اسقاطات الريبة والشك باهل السنة يقابلها التساهل والتبرير بحجة التقية لكل شيعي بعثي.
بعد احتلال الكويت راينا مدى التقلبات التي انتابت المعارضة العراقية والتي لم تراعي حتى الادب وكظم الغيض مع اهل السنة والجماعة. فعلى سبيل المثال عقد في مدينة فرانكفورت الالمانية بعد عدة اشهر من احتلال النظام السابق للكويت مؤتمر للمعارضة العراقية. كان يهمن عليه رجال الدين الشيعة وكوادرهم المتعصبة التي كانت بالامس القريب تحارب بلدها لصالح ايران. لقد كانت تلك الكوادر متعصبة للخيار الايراني اكثر من الايرانيين انفسهم قلبا وقالبا. كانت سياسة منظمي المؤتمر كسابقتها في مؤتمر طهران وهو استغلال تواجد اهل السنة بالمؤتمر والمتجارة بهم امام الاعلام والراي العام العربي والعالمي على ان المعارضة تمثل جميع اطياف العراق.
كان تعامل السياسيين الشيعة مع الاحداث تعامل التاجر الحذق الذي يعرف من اين توكل الكتف. فقد تمكنوا ايضا من خلال التقية والتدليس استغلال المال الكويتي السعودي بهدف استلام السلطة. باتوا لا يعيرون اي اهتمام للوسيلة تقودهم لسدة الحكم حتى لو كانت بمساندة الشيطان. كما ان منطقهم وسياستهم اختلفت تماما مع امريكا التي كانت تناصر النظام العراقي وتعادي ايران. كانوا يسموها بالامس القريب الشيطان الاكبر.
تتابعت هذه الازدواجية والتدليس في كل المناسبات الدينية والثقافية والسياسية ففي حسينياتهم خارج العراق يتحدثون في مواعظهم الدينية بايجابية عن الخلفاء الراشدين ابو بكر وعمر بحضور عناصر من اهل السنة. لكن بمجرد غيابهم يبدوا بالسب والقدح لام المؤمنين عائشة وللخليفتين ابو بكر وعمر.
بعد سقوط النظام السابق كشرت المعارضة عن انيابها وبان معدنها الرديء. اذ باعت سيادة العراق بثمن بخس لامريكا وإسرائيل وايران. وباشرت بالتطهير الطائفي في ارجاء بلاد الرافدين كي يتحول العراق من بلد الحزب الواحد الى بلد المذهب الواحد. هذه الازدواجية والتدليس وممارسة التقية لدى شيعة الخارج كانت تمارس في الظلمات وتنتقل اب عن جد لتسويق تراهات وخزعبلات مصنعة لشق صف الامة الاسلامية ومذاهبها. اما التاريخ الصحيح فان صحابة رسول الله والتابعين كانوا بطبيعة الحال يختلفون ويجتهدون لكنهم يتفقون فيما بينهم عندما تدرك الاخطار الامة. فقد كان ابو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وابو حنيفة والشافعي وجعفر الصادق اخوة متحابين يهدفون لخدمة الاسلام.
من الضرورة قول الحقيقة كاملة دون تعصب مذهبي او قومي وبدون تعميم  اذ لا بد من التاكيد بان هذه الخيانات السابقة الذكر لا تخص اغلب شيعة الخارج فحسب انما هناك خونة من اهل السنة كالاخوان المسلمين الذين شاركوهم في الجريمة بالالتجاء الى الامريكان الظالمين. بالمقابل فان اغلب اهل الشيعة والسنة في الداخل دافعوا عن الوطن ولم يستسلموا للامر الواقع.
بالمحصلة النهائية لا يمكن ان يخرج العراق من المازق الطائفي دون اشاعة روح التسامح بين الطائفتين وان يعذر احدنا الاخر في الاختلافات الفقهية. كما لا ينبغي ان نسقط ما فعل الاسلاف على الاخلاف لان القران الكريم يقول “ولا تزر وازرة وزر اخرى”. ان سياسة التكفير لبعضنا البعض مدمرة وليس فيها منتصر ولا يستفيد منها غير الغزاة الاجانب
د. نصيف الجبوري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here