مركز دراسات: الانتخابات المقبلة تدخل وجوهاً جديدة لكنها لا تغير القواعد

ترجمة/ حامد احمد

وسط الأزمات الكثيرة التي يواجهها العراق، فان اصلاح النظام السياسي واسترجاع الثقة وسلطة القانون والمساءلة في الدولة العراقية هو ربما المبتغى الأكثـر اهمية . وشهدت البلاد حركة احتجاجات شعبية واسعة في العاصمة وبقية المحافظات على خلفية ضعف الاقتصاد وفساد وسوء ادارة. وهناك استياء منتشر في وقت تحاول فيه الطبقة السياسية من النخبة كبح الغضب الشعبي عبر اصلاحات فاترة غير مجدية .

ويشير تقرير لمركز الشرق الاوسط للدراسات للباحث سجاد جياد، صادر عن كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية LSE الى ان الاحتجاجات وما نجم عنها يتم استغلاله من قبل احزاب لاضعاف خصومهم عبر اصلاحات مسيسة .

جزء اساسي من ورقة عمل الحكومة الحالية التي يترأسها مصطفى الكاظمي كان للدفع نحو انتخابات مبكرة. هذا الهدف وما رافقه من مصادقة على قانون انتخابات جديد في تشرين الثاني 2020 كان بمثابة خضوع فاتر لمطالب المحتجين، إذ وافقت الاحزاب على اجراء تعديل في قانون الانتخابات بتغيير الصيغة من تحالفات تنتخب عبر 18 منطقة انتخابية في المحافظات الى مرشحين واحزاب موزعين على 83 دائرة انتخابية. هذا يعني ان الناخبين سيختارون عضو برلمان من مناطقهم السكنية بدلا من اختيار تحالف سياسي او مرشح على مستوى محافظة .

مع ذلك فان هذه التغييرات من غير المحتمل ان تؤدي الى تأثير سلبي على الاحزاب الاكبر التي تستطيع التلاعب بالاصوات عبر المحافظات. الاحزاب ذات التمثيل الجيد محليا ولديها شبكات واسعة ستستفيد من تقسيم المحافظات لمناطق انتخابية وستكون منافعها اكبر عندما يتوفر لها مرشحون أقوياء في مناطق ريفية .

من جانب آخر فان التغييرات التي اجريت على القانون لن تزيل العوائق امام الاحزاب الجديدة والسياسيين الجدد للدخول. حيث لم يجر تعديل مهم على قانون الاحزاب السياسية التي تفضل الوضع الراهن مما يجعل ذلك من الصعب تشكيل احزاب جديدة تنافس الاحزاب الموجودة حاليا ولن يكون لها مصادر تمويل كما لتلك الاحزاب .

بعد تعديل قانون الانتخابات في تشرين الثاني 2020 كانت ما تزال هناك خطوات كبرى من المطلوب اتخاذها. الاولى كانت في تمرير قانون تمويل المفوضية، والثاني كان اما في تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا او تشريع قانون جديد.

بحلول كانون الثاني 2021 اصبح من الواضح جدا انه من غير الممكن اجراء انتخابات في حزيران لاسباب فنية ولهذا اقترحت المفوضية على الحكومة موعدا جديدا للانتخابات وهو 16 تشرين الاول 2021. الحكومة وافقت على طلب المفوضية وعدلت التاريخ لـ 10 تشرين الاول 2021 .

هناك عاملين حاسمين فيما اذا سيكون بالامكان عقد الانتخابات في تشرين الاول 2021. العامل الاول هو فني وهو القلق من أن المفوضية العليا للانتخابات لن تكون مستعدة للانتخابات في الوقت المناسب. واشار التقرير الى ان مسؤولا حاليا في المفوضية يتفق في الرأي بانه من غير المحتمل ان تكتمل الاستعدادات الفنية للانتخابات في الوقت المحدد، مقترحا ان يكون نيسان عام 2022 موعدا اكثر واقعية.

العامل الثاني هو سياسي، حيث انه في الوقت الذي تؤيد فيه الاحزاب علنا الانتخابات المبكرة، فانها بالحقيقة تماطل في سعيها لاجراء هذه الانتخابات حيث يأمل اعضاء البرلمان اكمال دورته التشريعية بالكامل، لان الانتخابات المبكرة تتطلب ان يحل البرلمان نفسه وانه لن يفعل ذلك لحين الانتهاء من الاستعدادات الفنية .

واشار التقرير الى ان العراق يشهد حاليا تصاعدا باعداد الاصابات بمرض فايروس كورونا، ومع بنى تحتية صحية متهالكة وعدم اهتمام بضوابط الصحة العامة فان البلد يشهد بداية موجة جديدة. قد يكون لذلك عاملا كامنا يدفع لتأجيل موعد الانتخابات .

بخصوص تحشيدات حركة الاحتجاج للانتخابات وتشكيل احزاب جديدة منها، اشار التقرير الى ان قسما من المشاركين في الاحتجاجات التقوا خلال الاشهر السابقة بمسؤولين حكوميين بأمل تسليط الضوء اكثر على مطالبهم مع الحفاظ على خط تواصل لمنع حدوث صدامات اخرى. وان قسما من ناشطيي ومنسقي احتجاجات تم اختيارهم من قبل احزاب وانهم الان جزءا من حملتهم الانتخابية، اما تحت اسماء حزب جديد أو اسماء موجودة. مثل هكذا توجهات جوبهت بادانة من قبل محتجين ونشطاء آخرين الذين لا يجدون اي وسيلة لتحقيق اصلاحات ضمن هيكلية القوى الحالية .

زعماء احتجاجات آخرين شكلوا احزابا جديدة بشكل مستقل مع الأمل بتمثيلهم لجيل الشباب غير المقتنع بالنظام السياسي الحالي للبلاد .

ليست كل الاحزاب الجديدة هي وجه آخر لاحزاب موجودة أو انها اتت من حركة الاحتجاج. حيث ان مفوضية الانتخابات ستكمل في النهاية تسجيل اكثر من 300 حزب سيشاركون في حملة الانتخابات القادمة .

وفقا لرئيس حزب سياسي حالي لديه اكثر من 20 عضوا في البرلمان، فان دخول وجوه للعملية السياسية هو تطور ايجابي، حتى لو ان قسما من هذه الوجوه انضمت لاحزاب كبيرة من النخبة، حيث ان ذلك سيؤدي بالنهاية لتغيير جيلي.

سياسي بارز في ائتلاف الفتح يعتقد ان احزاب الاحتجاجات لن تفوز بمقاعد ولكنها بمرور الزمن ستصبح قوة تستطيع ان تستقطب اصوات بالطريقة التي تستطيع الاحزاب الحالية فعل ذلك .

يشير التقرير الى ان الاحزاب الجديدة ستجاهد من اجل احداث تغيير للوضع الحالي، بينما ستفعل احزاب النخبة الحالية كل ما تقدر عليه لمنع حدوث اي تغيير. قسم من هذا النهج المعاكس يكون عبر الاستمالة او الترهيب او اجراء تحرك سياسي قانوني. تحشيد الدعم للأحزاب الجديدة هو من أصعب التحديات التي تواجهها هذه الاحزاب .

الوضع الحالي يوحي بانه لن يكون هناك فائز مطلق في الانتخابات القادمة. هذا لانه لا يوجد حزب واحد يحظى باسناد واسع في جميع البلاد او انه قادر على الفوز باكثر من 100 مقعد. نتيجة لذلك فان احزابا متنافسة ستكون بحاجة لتشكيل حكومة ائتلاف، وهي عملية قد تستغرق عدة اشهر. وفي كل الاحتمالات سيؤدي ذلك لحكومة ضعيفة الأداء وفشل في التعامل بشكل فعال مع كثير من الازمات التي تواجهها البلاد. ولكن اذا اجبرت نتائج الانتخابات على قبول الحاجة لإصلاحات حقيقية واعطاء الدولة فرصة للتعافي من حالة الفساد وضعف الاداء، فان ذلك قد يؤدي الى مرحلة استقرار نسبي .

صناديق الاقتراع ستكشف عن توقعات اكثر صحة لما ستبدو عليه نتائج الانتخاب، ولكن هناك افتراض آمن من انه لن يكون هناك تغيير جذري عن الانتخابات السابقة. الاحزاب الحاكمة ستسعى للتنافس وتقويض احدها الآخر بدون ان تفقد تمسكها بالنظام، وضمن هذا السياق فان الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق من غير المرجح ان تغير قواعد اللعبة.

عن: مركز الشرق الاوسط للدراسات

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here