أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٢٦) 

                       نــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ}.

   نحنُ بحاجةٍ إِلى حقيقتَينِ لنحمي الجماعةَ من النِّزاعات؛

   *أَن لا يبخلَ أَحدٌ بشهادتهِ عن قُدرات وكفاءات وإِمكانيَّات أَحد إِذا كانت ضروريَّة ليأخذَ موقعهُ المُناسب {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} و {قَالَإِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ}.

   يلزمهُ أَن يُبادر فلا ينتظر ليسأَلهُ أَحدٌ عنها ليُساهم في وضعِ [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب].

   هذهِ الحقيقة غَير موجودة عادةً عندنا، والعكس من ذلكَ هو الحالة الحاكِمة في علاقاتِنا وأَوساطِنا للأَسف، فإِذا سمِعَ أَحدٌ أَحداً يشهد بكفاءةِ ثالثٍ تراهُ يُبادرُ فوراًويتطوَّع لتحطيمهِ والتَّقليل منها حتَّى إِذا كانت الشَّهادة صحيحة وفي موقعِها.

   الحقدُ والكراهية والبغضاء {قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ} والتَّنافس غَير الشَّريف والحسد، كلُّها صفات تطغى في نفوسِ أَكثر النَّاس عندما يدلُونَ بشهادتهِم عن كفاءاتِزُملائهِم في العملِ وعلى مُختلفِ المُستويات.

   أَمَّا عندهُم فإِنَّ شهادة الأُستاذ عن تلميذهِ {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ} أَمرٌ طبيعيٌّ ولذلكَ يحمي أَحدهُما الآخر، فالأُستاذ يحمي تلميذهُ ويحمي مُنجزهُ هوَ وقبلَ كُلِّ شيءٍ لأَنَّالتِّلميذ النَّاجح مُؤَشِّر على نجاحِ الأُستاذ، والعكس هو الصَّحيح فإِذا حطَّم الأُستاذ تلميذهُ وقلَّلَ من قدراتهِ على عكس الحقيقةِ فإِنَّهُ يُحطِّم نفسهُ ويُضيِّع جُهدهُ ومنجَزهُ قبلَأَن يُحطِّم مُستقبل التِّلميذ ويُساهم في خسارةِ المُجتمعِ طاقةً جديدةً.

   *{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وهذهِ القاعدة القُرآنيَّة بحاجةٍ إِلى نفُوسٍ كبيرةٍ لا تخجل مِن ذكرِ فضلِ البعضِ على البعضِ الآخر، ومَن لا يفعل ذلكَ ويتصوَّر أَنَّهُ {إِنَّمَا أُوتِيتُهُعَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ} فإِنَّما هو يكذبُ على نفسهِ قبلَ أَن يكذبَ على الآخرين، وهو يعلمُ ذلكَ والكلُّ يعلمُ بذلكَ.

   فأَينَ نحتاجُ هاتَين القاعدتَين الذَّهبيَّتَين؟!.

   إِنَّ السَّبب الآخر للخلافاتِ التي تنتهي إِلى الطَّلاق والقطيعة هو عندما تفرُض الظُّروف والتطوُّرات والحاجة شرُوطها للإِنتقالِ من مرحلةٍ إِلى أُخرى من مراحلِ التطوُّروإِعادة النَّظر في السِّياسات العامَّة.

   أَو عندما تفرض طبيعةَ الأَشياء الإِنتقال للمُستقبلِ بخُططٍ وأَدواتٍ وعقليَّةٍ جديدةٍ.

   ولكَون أَنَّ لكُلِّ مرحلةٍ من مراحلِ التطوُّر عقليَّة وآليَّات وأَدوات، يستوعبها البعض ويتفهَّم ضروراتها ولا يستوعبها آخرون، ولذلكَ فبدلاً من تحقيقِ الإِنتقال السِّلميللمُستقبل لحمايةِ المسيرةِ والمُنجزات والخبرات والتَّجارب التي من المُفترض أَن تتراكم داخل الجماعة، تحلُّ محلَّها نظريَّة ما يُعرف بـ [الإِزاحة الجيليَّة] غَيْر الأَخلاقيَّة والتيتفقد بها الجماعة تاريخها وتجاربها ورُبما حتَّى مُؤَسَّساتها، فضلاً عن [رجالها] الَّذينَ يبدأُونَ بنشرِ الغسيلِ القذِر ضدَّ بعضهِم! وهذا ما رأَيناهُ عند كلِّ جماعةٍ اعتمدتهذهِ النظريَّة للإِنتقالِ من مرحلةٍ إِلى أُخرى تماشياً مع متطلَّبات المراحل الطبيعيَّة التي تمرُّ بها عادةً.

 الصَّحيح هو الإِحتفاظ بالجيلَين لنقلِ التَّجربة، فالجيلُ القديم شريكٌ ومُؤَسِّس فكيفَ نبخسهُ حقَّهُ ونسرق منهُ جُهدهُ بذريعةِ الإِزاحة والله تعالى يأمرنا {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَأَشْيَاءَهُمْ}؟! إِنَّ ذلكَ ينتهي بالجماعةِ إِلى الفسادِ {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

   للإِحتفاظِ بأَيِّ نجاحٍ يلزم أَن يشتركَ في صناعتهِ ثلاثة أَجيال، المُؤَسِّس الذي يصنعهُ بالقَبول بقاعدةِ التطوُّر فلا [يقفُل] على الفُرض ويحتكِر التَّجربة لنفسهِ، والحاليبحمايتهِ بالإِعترفِ بفضلِ الجيلِ الأَوَّل، والنَّشء الجديد بتفهُّمهِ واستيعابهِ لفضلِ الجيلَينِ الأَوَّل والثَّاني ليكونَ مُستعدّاً لتحمُّل الأَمانة وحمايتَها من العَبث أَو الضَّياع.

   وكلَّما انسجمت هذهِ الأَجيال مع بعضِها كلَّما تجلَّى مفهوم الآية الكريمة {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنۢ بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَءَابَآئِكَ إِبْرَٰهِۦمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ}.

   إِستمرار التَّجرِبة وحمايتها من الإِنحراف.

   أَمَّا إِذا تقاطعت هذهِ الأَجيال واختلفت وتنازعت ولم تتفاهَم فيما بينِها وتجاوزت بعضها على دَور ومَوقع البعض الآخر فسيتجلَّى مفوم الآية الكريمة {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْخَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}.

   إِنقطاعها أَو إِنحرافها والنَّتيجة واحدة {وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

   *يتبع..

   ٧ مايس [أَيَّار]  ٢٠٢١

                            لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here