أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٢٨)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ الثَّامِنَةُ

(٢٨)

نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

أَخطر أَنواع الخِلافات في الجماعةِ الواحدةِ أَو في المُجتمع الواحد هي الخلافات [الدينيَّة] و [المذهبيَّة] لأَنَّها تكون [مُقدَّسة] في رأي كلِّ الأَطراف لا يجوزُ تقديم التَّنازلفيها أَو التوصُّل إِلى حلُولٍ وسطيَّة، فضلاً عن إِنهائها، إِذ يلزم أَن تستمر بنفسِ الزَّخم وأَقوى أَو تعرِّضك للمُساءلة القاسية يومَ القِيامة.

والأَخطر منها عندما تكونُ أَقطاب النِّزاع [عمائم] {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ} فالويلُ لنا!.

ولذلكَ تسعى الكثير من الأَطراف [السياسيَّة] وعلى مرِّ التَّاريخ وإِلى يومِكَ هذا تلفيع خلافاتها وصراعاتها بعباءةِ الدِّين والمذهب لحمايةِ وتحصينِ موقفها وشرعنة حربَهاضدَّ بعضها.

إِنَّهُم يتستَّرون بالدِّين والمذهب لتكونَ خلافاتهُم وحروبهُم مُقدَّسة وخطوط حمراء، مَن يدعو إِلى إِنهائها فهو في مواجهةِ الله تعالى ورسولهِ والإِمام الحُجَّة (عج)!.

إِنَّهم يعتبرُون أَنَّ كُلَّ خلافٍ ينشب بينهُم وبينَ الآخرين هو خلافٌ عقدي مُقدس لا يجوزُ تجاهلهُ أَو التَّماهُلَ في خوضهِ ونُصرتهِ، وإِلَّا فأَنتَ من {أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْفِيهَا خَالِدُونَ}!.

سلاحُ القُدسيَّة باسمِ الدِّين هذا وظَّفتهُ كُل الجماعات الإِرهابيَّة فكانت تحزُّ رؤُوس ضحاياها باسمِ الدِّين وتنتهك العِرض والشَّرف تحت ظِلِّ آيةٍ قُرآنيَّة، وتحرق ضحاياهاوهُم أَحياء باسمِ المُقدَّسات السَّماوية، وهي لا تنسى في كلِّ مرَّةٍ أَن تقرأ حديثاً نبويَّاً على مسامعِنا قبل أَن تشرع بتدميرِ الحَضارة والمدنيَّة والتَّاريخ في بلادِ المُسلمين.

وعندنا فإِنَّ الموظَّف المُرتشي والسياسي الفاسد يُزيِّن مكتبهِ عادةً بالآيةِ القُرآنيَّة الكريمةِ {هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى}!.

حتَّى في عهدِ رسول الله (ص) وظَّفت [الأَحزاب] الدِّين ومُؤسَّساتهِ [المسجد] لخدمةِ أَغراضِها الدَّنيئة ومُحاربة الإِسلام ورسول الله (ص).

يقولُ تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.

فهل هُناكَ وقاحةٌ وجسارةٌ وتعدِّي على الحُرمات والحقائق أَكثر من هذا؟! يتستَّرونَ بالمُقدَّسات مع وجودِ المُقدَّس بينَ ظهرانيهم [رسولُ الله (ص)] ثمَّ يحلفُونَ {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّاالْحُسْنَىٰۖ}.

ذات القُصَّة والمنهج تمتطيه الآن [الأَحزاب التي كانت إِسلاميَّة] التي تحكم بعض بلادِ المُسلمين وكذلكَ النُّظم التي تتخندق خلفَ الدِّين والمذهب لشرعنة خلافاتِهاوصراعاتِها ونزاعاتِها بقدسيَّتهِما، وأَقصد الدِّين والمذهب!.

لو بُعِثَ رسولَ الله (ص) اليَوم لهدمَ [الأَحزاب والتيَّارات الدينيَّة] وكلَّ ما تتستَّر بهِ من مُقدَّسات كاذِبة ومُضلِّلة!.

أَمَّا نبيَّ الله إِبراهيم (ع) فلحطَّمَها كما فعلَ بأَصنامِ قومهِ ثمَّ علَّقَ الفأسَ برقَبةِ كبيرهُم لينتبهَ المُغفَّلُونَ فقد يتَّعضُوا! {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}.

ولا يختلفُ الأَمر كثيراً عن واقعِ حالِ خلافاتِ أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة في بلادِنا.

إِنَّهم يتستَّرونَ بالمُقدَّساتِ [أَسماء ومُؤَسَّسات] لشرعنةِ نزاعاتهِم ولحمايةِ جرائمهِم وفسادهِم وفشلهِم من النَّقد.

ولكنَّ الله تعالى فضحهُم في نهايةِ المطاف، فعندما يصلُ حدَّ النِّزاع بينهُم لنشرِ بعضهِم الغسيل القذِر ضدَّ البعض الآخر حتَّى تتجلَّى في ساحتهِم مفهوم الآية الكريمة{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

وعندما يُزكِمُ فسادهُم وفشلهم أَنفَ [الأَخشم] فهذا يكفي أَن تسقُط عنهم القدسيَّة المزعُومة.

إِنَّ صلاةً لوحدِها تكفي أَن تردع المرء عن الصنميَّة والفساد المالي والإِداري {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَلَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} فماذا تعني كلَّ شعاراتهِم التي لَو كانت صادقةً للمسَها المُجتمع في سلوكيَّاتهِم ومناهجهِم وخُططِهم ومُنجزاتهِم!.

أَلا يعني أَنَّهم كاذبُون لا تشفع لهُم قُدسيَّتهم؟!.

وصدقَ سيِّد الشُّهداء الحُسين السِّبط (ع) الذي وصفَ أَمثالهُم بقولهِ {النَّاسُ عَبيدُ الدُّنيا والدِّينُ لعِقٌ على أَلسِنتهِم، فإِذا مُحِّصُوا بالبَلاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ} فبمُجرَّد أَن امتُحِنُوابالسُّلطة والمال والجِنس تساقطُوا كأَوراقِ الخريفِ لم تشفع لهُم قُدسيَّتهم المزعُومةِ.

لو كانُوا يحملُون ذرَّة [قُدسيَّة] حقيقيَّة للمَسناها بالتَّواصي بعدَ العملِ الصَّالح والإِيمان بالله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

فهل رأَيتمُوهم تواصَوا بالحقِّ؟! بالله عليكُم؟! أَم أَنَّ كُلَّ تواصيهِم بالفسادِ والفشلِ الذي تحوَّلَ إِلى إِلهٍ يعبدُونهُ من دونِ الله وشعارهم {انصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}.

هل لمِستم فيهم ذرَّةً من جوهرِ قولِ الله تعالى {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

إِنَّ خيرَ وصفٍ لهُم هوَ قَولَ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً {دَعْهُ يَا عَمَّارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَعَلَىعَمْدٍ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ}.

ما أَعظمكَ وأَعظمَ وصفِكَ لـ [الأَحزاب التي كانت إِسلاميَّة] يا أَميرَ المُؤمنين (ع)؟!.

٩ مايس [أَيَّار] ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here