حقيقة تكشف لاول مرة

شيرزاد نبيل
لم يوفي بوعده الرئيس العراقي حتى وفات اديبنا محمد سمارة
حين قطعت مفوضية اللاجئين ما كانت تتكفل به من بدل الايجار لي ولوالدي في وقت كان حظر التجول شديدا رافقت تلك الاجراءت اغلاق جميع المحلات لتتوقف الحركة تمام قبل اكثر من عام .
فلم اجد سوى ان اسكن مع والدي في شقة بالطابق الثالث كحل مؤقت الى ان يفرجها الله , حين ذاك طلبت من الصديق وزميل والدنا الشاعر عمر السراي المسؤول في الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ان يناشد المسؤولين في الحكومة العراقية , وبالفعل ناشد السراي , ومناشدته وصلت الى رئيس جمهورية العراق برهم صالح عن طريق ميسون الدملوجي , وقد اتصلت الدملوجي بالسراي تخبره سلام رئيس الجمهورية الى الاديب محمد سمارة , وابلغته ان رئيس الجمهورية يقول لا يوجد قانون لمساعدة اي اديب لكنه سيعين ابنه نبيل بعقد في رئاسة الجمهورية كي يستطيع اعانة والده و توفير بدل الايجار ليعيشا في كرامة .
مضى على هذا شهر وانا انتظر اتصال من اي جهة تخبرني بالتعيين , اتصلت بالصديق الطيب السراي , فاخبرني لربما بسبب الوباء ان الاستاذة الدملوجي خارج العراق او ان هناك قضايا اخرى انستها , ووعدني بالاتصال بها .
وايضا بعد مرور شهر اخر كررت الاتصال بالاستاذ السراي ووعدني خيرا – بصراحة ان الصديق الطيب السراي فعل ما استطاع فعله وقد نجح بتوصيل المناشدة للرجل الاول بالعراق ورأيت من الاحراج ان اتصل به للمرة الثالثة .
لكن بعد مرور نصف سنة , قام الاستاذ هادي مرعي جلو بادخال رقم هاتفي بكروب عبر الواتس اب يحمل اسم ( المرصد العراقي) لكوني صحفي مستقل , وجدت في هذا الكروب اسماء شخصيات عراقية بارزة و اعضاء مجلس النواب ومن ضمنهم رقم هاتف الاستاذة ميسون الدملوجي المقربة للرئيس برهم صالح .
بقيت ثلاث ايام محتار ! هل اراسلها ام لا ؟ – هل اخبرها عن قضيتي – تشجعت وقلت نعم يجب اخبارها لان قضيتي مع رئيس الجمهورية وهذه ليست جدية باعتباره ابا للعراق .
كتبت لها عن قضيتي – فصدمت وقالت لي : الم يتم تعيينك انا اعتقدت انك في العمل . قلت لها : كلا يا سيدتي ما زلت في شقتي مع والدي المريض في ظروف صعبة . ووعدتني بانها ستتصل برئاسة الجمهورية وتعود لتخبرني , وبعد اسبوع اخبرتني وقالت لي : عزيزي نبيل اتصلت بهم وقالوا لي ان نبيل لم ننساه وهو في بالنا لكن سيتم تعيينه بعد اقرار الموازنة ؟؟؟؟ . والموازنة طالت مدة اقرارها , ووضعنا يزيد صعوبة والحالة الصحية لوالدنا تسوء يوما بعد اخر .
احترت كثيرا بين علاج والدي ودواءه غالي الثمن وبين ايجار شقتنا وبين الحظر المطبق ؟! .
فبعثت لها برسالة اعتقد انها الرابعة : عزيزتي استاذة ميسون هل هناك حلا والاسراع لانهاء معاناتنا ان كانت القضية تتعلق بالتعيين وربطها مع الميزانية فلا اريد هذا التعيين ما نريده من سيادة الرئيس ان يجد لنا بيتنا صغيرا ليس ملكا لنا بل تتكفل الحكومة العراقية بدفع ايجاره بحدود الخمسمائة الف شهريا , لان صحة والدنا لا تسمح له بالنزول والصعود من الطابق الثالث حين اذهب به الى الاطباء فهو متعب للغاية .
وايضا وعدتني خيرا وستحل قضيتنا بالقريب العاجل , وانتظرت وانتظرت .
واخيرا تم اقرار الموازنة والفرحة غمرتني بانني ساتوضف وباستطاعتي ان اجر بيتا صغيرا والاهتمام بوالدي المتعب .
بعثت لها برسالة وقلت لها استاذة ميسون قد قرت الموازنة فقالت لي وهنا كانت الصدمة : عزيزي يجب ان ينشر هذا القرار في جريدة الوقائع ؟! .
ثم ايضا اقر في جريدة الوقائع , وبعثت لها رسالة اخرى فردت علي : والله يا اخي الكريم انا اعمل كل ما بوسعي . وانا محرجة معك وهو يعرف قضيتك خير المعرفة , واصبر علي شوية , بلكي الله .
وحين لفظ انفاسه الاخيرة للمرحوم والدنا . بعث لها رسالة قبل ايام وقلت لها : والدي مات ولم يحقق فخامة رئيس الجمهورية ما وعده لنا .
فردت علي برسالة : انا لله وانا اليه راجعون . البقية بحياتك ؟؟!!
شكرا يا رئيس الجمهورية . شكرا يا راعي العراق ؟؟ ..
فوالله لم تكن غايتنا ان نملك سيارة او قصرا او مالا او وضيفة , ما كنا نريده سوى بيتنا صغيرا جدا يخلصنا من صعوبة الحياة بايجار لا يساوي شيئا بالنسبة لرئيس الجمهورية .
حين كنا اطفال نسمع ان النظام السابق كان يكرم الكتاب الذين يمجدون بصدام حسين , احدى خواتي قالت لوالدنا حين ذاك : بابا ليش ما تكتب عن صدام بلكي يعطيك بيت : قال لها : كيف لي ان امجد برجل مصاب بمرض العضمة وقد ارهق الشعب بحروب متكررة .
واليكم مناشدة الاتحاد العام للادباء والكتاب التي نشرت قبل اكثر من سنة
أنقذوا الأديب محمد سمارة..
المبدع الذي يتغذّى من مشيمة بلاد ما بين النهرين، والقلم الذي تآخى مع زملائه على مدى عقود من الصحافة وكتابة القصص والروايات،
هو من اخوتنا الفلسطينيين، ممن أضافوا وأضاؤوا صحف الوطن ومنشوراته بحروفهم، ورفضوا حين الرفض موقفٌ للنبلاء. رفضوا مغريات السلطة الديكتاتورية الغاشمة بالكتابة عنها، وتمجيدها وتصديرها للمشهد بوصفها راعيةً ومثقفة، فما كان له إلا أن يظل في خانة الفقراء، خانة المقتسمين أرغفة الأدب فيما بينهم، متضامنين وأصلاء..
محمد سمارة.. المريض حالياً من دون معين أو معيل سوى ابنه (نبيل) الذي يوزّع جهده بين والده ونفقات علاجه الباهظة، وبين أسرته التي تثقل كاهله..
محمد سمارة.. بلا مأوى..
فقد قطعت مفوضية اللاجئين ما كانت تتكفل به من سداد مبلغ إيجاره, وعومل بإهمال مرير ومحزن، ولم يبق له إلا نحن الذين نضع الضيف في أعيننا..
فيا أيها العراقيون، وأنتم على رأس المسؤولية، لن يضيق الوطن على فرد هو منّا وفينا،
وأمامكم حالته بعد أن جاوز عمره السبعين سنةً قضى جلَّها في بلده العراق.
هو بحاجة اليوم لمورد يضمن له سقفاً يستظل تحته، بحاجة لنقطة من بحر الوطن الكبير، إكراماً لشيبته، لحقّه علينا بالضيافة، لقصصه، لكتاباته، لصداقته معنا، لرافدينيته الضاربة في الجذور، نقول هذا القول وقد تم توجيه هذه الكلمات لكل ذوي الشأن، وبانتظار العناية والاهتمام مع المنتظرين.
الأديب محمد سمارة نحن معكم، نشدُّ الحجر على الحجر فالفرج قريب..
اتحاد أدباء العراق
٨ أيّار ٢٠٢٠
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here