المتمرد الأبدي على طغيان الآلهة ــ قصة قصيرة

المتمرد الأبدي على طغيان الآلهة ــ قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

سأل التلميذ مارتيريانوس معلمه استريانيوس وهما يمران من عند محراب كبير الألهة حيث كان حاكم أثينا الطاغي يؤدي طقوسه الدينية مع طاقم بطانته المرّفلة بالحرير والذهب ، فسأله بدافع فضول بعدما رآه ينحرف بعيدا عن المحراب :

ــ كيف تمكن معلمي المبجل من البروز بفرادفته المميزة هكذا ، متمتعا بثراء روحه الباذخة وبإرادته الحرة و المتمردة دوما على جميع سلاطين و إلهة عصره وزمانه ؟..

فإن تفاجئ المعلم استريانيوس بالسؤال ولكن عجبه ، فنظر بعيدا متأملا غيمة وحيدة و مكتنزة مزدانة بألوان شمس الغروب لتبدو كنافرة ألوان متموجة وزاهية عند سفح جبل منفرد ، وهي تمضي مصحوبة بجمهرة حضورها الطاووسي المتوهج ، ليجيب بنبرة هادئة ولطيفة أقرب إلى همس منه إلى صوت عال :

ــ كنتُ قد تميزتُ منذ كنتُ طفلا بطرح أسئلة شبه فلسفية ، كانت تفوق قدراتي الذهنية كطفل صغير ، أسئلة كبيرة تدور حول ماهية الكون والخليقة وحقيقة وأسباب الوجود وعن سطوة وجبروت آلهة نزق ومزاجي يدعي مسؤوليته عن كل هذا الكون ومخلوقاته لكي يخضعوا لإرادته ، و بسبب صغر سني لم أكن أحصل على أجوبة شافية ومقنعة ، فغالبا ما كنتُ أحصل على أجوبة هزيلة من قبيل : أنت لا زلتَ طفلا لكي تفهم مثل هذه الأمور و المسائل ، أو لا يجوز طرح مثل هذه الأسئلة لأن فيها ذنب و أثم و بالتالي الحرق بالنار حتى انسلاخ الطبقة السابعة عن الجلد ، دون أن يوضحوا لي ماذا تعني هذه العبارات و الكلمات الأخيرة أو الترهيب المرعب ..

ذات مرة وبينما كنت استحم نسيت خلط الماء البارد بالحار، فغمر جسمي ماء بارد شبه مثلج ، فشهقتُ مرتعشا من شدة برودة الماء ، ولكن لثوان فقط ، حتى أوشكتُ على غلق حنفية الدش ،عندما شعرت بأن نزول الماء البارد جدا على جسمي قد بات المسألة عادية ، بعد مرر لحظات قصيرة فقط ، بل و قابلة للتحمل ، لتصبح قطرات الماء المتدفقة فيما بعد منعشة بين مسامات جلدي شيئا فشيئا بعد امتصاص صدمة برودة الماء المثلج ..

وفي مناسبة أخرى جربت نفس الشيء مع الماء الحار أولا ومن ثم مع الماء الساخن : إذ في البداية تأوهتُ من شدة السخونة شاعرا بحرقة لاسعة تغمر سطح جلدي ، ولكن لفترة قصيرة جدا ، ثم تصبح الحالة عادية أيضا و قابلة للتحمل:

ــ إذن فيمكن تحمل عمليات التعذيب عبر مراحل الحرق الجهنمية في الجحيم المزعوم إذا اقتضى الأمر وجرت الأمورعلى هذا النحو؟!..

سالتُ نفسي بثقة كاملة و عن قناعة تامة ..

وفي أثناء ذلك أخذ مفهوم الإرادة الحرة والقوية يتبلور ويتجلى في ذهني مزدهرا .. ناميا .. مورقا ..متغصّنا بظلالها المترامية كشجرة بلوط ..

لأدرك أنني لو أمتلكتُ إرادة قوية وحرة كهذه ، فما من أحد ، مهما كان وأيا كان ، لا يستطيع أن يخضعني لإرادته التعسفية والظالمة ومزاجيته الطاغية ، وبالتالي لا يتحتم عليَّ أن أصبح عبدا ذليلا له مقابل مغريات وهمية أو حقيقية يوعدني بها ، على أنني سأنعم بها ذات يوم ، مقابل قبول بفرض الإرادة ونرجسية الأنا الطاغية ..

ولكن أكثر ما فاقم شعوري بالظلم والغبن هو أن تقوم إرادة مجهولة بتقرير مصيري مسبقا ، مع كل ما يترتب على ذلك من معاناة وعذابات وجودية ليست لها نهاية إلا بزوالي إلى العدم مجددا ، دون أخذ رأيي فيما إذا كنتُ إطلاقا أوافق ، أقبل بهذا المصير أو بغيره أم لا ؟..

فهذا الأسلوب القدري التعسفي ، كأمر واقع مفروض، ذكرني بأسلوب أحزاب وزعماء طغاة الذين يجبرونك على تنفيذ الأوامر والإجراءات والقبول الإجباري بواقع الحال الظالم القائم بدون أي اعتراض أو مناقشة ..

فأين العدالة من كل هذا ؟..

سألتُ نفسي مندهشا ولكن بشكل منطقي تماما ..

فكانت المحصلة :

ـــ حقا لا يوجد أي شكل من أشكال العدالة في كل هذا !..

بقدر ما هو ظلم الإرادة العمياء المفروضة فرضا طاغيا ، فضلا عن انتشاء و تلذذ مغرورين في استعباد الآخرين ..

بينما ــ أردفت مع نفسي :

ــ بدون عدالة حقة و اختيار حر لا قيمة لأي شيء ولأي كان .. ومهما كان !..

تنويه : القصة من نسيج خيالي تماما وكذلك الأسماء الواردة فيها أيضا .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here