قصص الف ليلة وليلة وجوهر الثقافة الكامنة فيها !

قصص الف ليلة وليلة وجوهر الثقافة الكامنة فيها ! * د. رضا العطار

معظم الحالات الادبية الغربية عن (سحر الشرق) تتضمن فيها الاشارة الى موزائييك الحكايات والشخصيات الفنية والمواقف والاجواء التي ينتظمها كتاب (الف ليلة وليلة).

وان قصصا (كالسندباد البحري) و (علاء الدين والمصباح السحري) و (علي بابا والاربعين حرامي) وقصص العشاق المتيمين والملوك المعزولين وقطاع الطرق والحلاق البغدادي الظريف والقصور الغاصة بالغانيات والشباب الهائم، اصبحت على مر العصور اوسع شهرة من اي قصص في بلاد العرب و الغرب على حد سواء.

فالف ليلة وليلة هو احد الكتب التي اصغى الجمهور لرواتها في المقاهي وعلى شاطئ دجلة والفرات ومصر والشام والمغرب العربي في البوادي والمدن والريف ما يقرب من الف عام. في اسمارهم وافراحهم – – – وتجاوز الكتاب الحدود الجغرافية للاقطار العربية وانتقل الى اوربا في ترجمات متتالية، فاثار الشغف منذ القرن الثامن عشر، كانت الترجمة الفرنسية لانطوان جالان في العام 1704 في مقدمتها.

ان عبور الف ليلة وليلة الى اوربا من خلال الترجمات، لم يكن اول عبور – – فالثقافة لها طبيعة الانتشار وهي تنتقل دائما على طرق التجارة – والف ليلة كانت اشهر حكايات الشرق في الوقت الذي كان فيه البحر الابيض المتوسط هو طريق التجارة العالمية الاساسي الذي امتدت فيه الجسور الجغرافية بين الجنوب والشمال عبر صقلية والاندلس وجزر البحر وعبرت عليها كتب ابن سينا وابن رشد والموسيقى العربية. – – – وانني اعتقد في ان الحكايات هي ايضا في رحلاتها الطبيعية اثناء العصور الوسطى وتسربت الى الفنون والاداب الاوربية في البحث في مخطوطاتها قبل القرن الثامن عشر – وهذا ما يفسر اثر الف ليلة وليلة الملحوظ في قصص الرحلات البحرية الاوربية وخاصة الاسبانية منها.

فاول اشارة الى الحكايات بعنوانها وردت في (خطط المقريزي) المتوفي 1441 م ، وايده في اشارته المؤرخ المقري في كتابه (نفخ الطيب) وذكر الكتابان ان مؤرخا مصريا يدعى (القرطي) عاش في عهد الخليفة الفاطمي العاضد (1148 – 1171) ذكر في تاريخه عن الف ليلة وليلة – – ولم يستطع احد ان يتقصى الطرق التي اجتمعت بها هذه القصص التي تعد بالمئات لتلتقي في مصنف واحد وتكتسب هذا السياق المتسلسل. وان ظروفا عديدة تدل على ان الف ليلة وليلة تضم حكايات بغدادية الاصل وحكايات شامية النشأة وحكايات قاهرية الطابع. – – فالحكايات البغدادية تتميز بينها قصص السندباد ونوادر المجتمع الارستقراطي العربي في عهد الدولة العباسية الاولى، وقصص العشاق البصريين – – اما الحكايات الشامية فتتميز بينها ملاحم الصراع مع الروم وقصص الغساسنة وقوافل التجارة البعيدة بينما تتركز الحكايات القاهرية حول احوال الحرفيين وقصص فقراء المدن وطبقة التجار بروح الفكاهة.

ومهما كان ما تتصف به الحكايات من الروح الخيالية فهي تستند الى ركائز حقيقية من البيئة بحيث يسهل تحديد مكان نشأتها. – – فكان الراوي غالبا ما يقص الحكايات مسلسلة على ليالي متعاقبة اما في قصور الاثرياء او في المقاهي العامة مقابل اجر يجود بها المستمعون. وكان الجمهور يتألف من الحرفيين يجتمعون في ليالي الاعياد والاحتفالات العامة وخاصة شهر رمضان حيث يحلو السهر حتى الفجر. ولم تكن الف ليلة وليلة ادبا يحظى باحترام رجال العلم في الوطن العربي . واول لمسة رسمية حظي بها كانت دفع الكتاب للمطبعة الحكومية قي القاهرة عام 1835

وسرت هذه القصص في وجدان الجماهير العربية سريانا قويا في وقت كانت اللغة التركية لغة الحكم، – لكن الجماهير العربية قد حافظت على هويتها القومية وقاومت سياسة التتريك واثبتوا انهم (اولاد عرب) كما كانوا يسمون انفسهم.

والقارئ يلاحظ ان القصص لها طابع سخرية ظاهرة تجاه الفرس والترك والروم. بينما لا تتجه القصص الى التنديد بالقوميات الاخرى كالهنود والصينيين، فالفرس والترك والروم كانوا هم التحدي التاريخي في ذلك الوقت.

والجدير بالذكر ان الف ليلة وليلة هي قصص المدينة حيث ان ميدان روايتها هم اهل المدن، قلما نجد في شخصياتها فلاحا يزرع. ولكنها تؤلف موزائييكيا كاملا لاصحاب الحرف، تروي عن احوالهم الواقعية والعقلانية والبيئية بدقة متناهية، فهي لذلك لم تهتم لا بالريف ولا بالصحراء واهل البادية.

وقد ظلت قصص الف ليلة وليلة تؤثر في وجدان الجماهير العربية الى اليوم. فكانت احد اهم المصادر للمسرح والسينما والتلفزيون. – فهي تعد الى اليوم من اكثر الكتب العربية الادبية التي تلقي توزيعا وانتشارا بين القراء.

* مقتبس من كتاب احاديث وراء الكواليس لمؤلفه الفريد فرج مع التصرف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here